لا تزال محافظة إدلب في شمالي غرب سورية تحت وطأة تصعيد عسكري واسع النطاق من قبل قوات النظام والجانب الروسي، في ظلّ مواصلة النظام غاراته تمهيداً لتعزيز سيطرته على طريقين يربطان حلب بوسط البلاد وساحلها. وتترقّب المنطقة عموماً لقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، يوم الثلاثاء المقبل، ومن المرجح أن تكون إدلب على طاولة المباحثات، في وقت بدأت ترتسم فيه ملامح مأساة إنسانية نتيجة نزوح عشرات الآلاف من المدنيين في ظل ظروف كارثية. واستأنفت قوات النظام، أمس السبت، عمليات القصف الجوي والبري على قرى وبلدات ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وذلك عقب هدوء استمر لساعات، وسط تخوف من بدء قوات النظام عملية عسكرية جديدة تستهدف معرة النعمان وريفها. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن الطيران الحربي التابع لقوات النظام شنّ غارات عدة بصواريخ شديدة الانفجار على بلدة التمانعة ومحيطها شرق مدينة خان شيخون. وأضافت المصادر أن القصف الجوي ترافق مع قصف صاروخي مكثف على بلدات وقرى جرجناز والدير الشرقي والدير الغربي والتح ومعرشمارين وكفرسجنة وحيش، الواقعة شرق مدينة معرة النعمان وشمالي شرق خان شيخون. وكشفت أن الطائرات الحربية والمروحية استهدفت، منذ مساء الجمعة وحتى صباح أمس السبت، بأكثر من 300 غارة جوية وقذيفة صاروخية، قرى وبلدات جنوبي إدلب، مشيرة إلى أن طائرة حربية روسية استهدفت بحمولة كاملة أطراف بلدة حيش، حيث توجد النقطة التركية الجديدة.
وبحسب ناشطين، فإن تلك المناطق شهدت حركة نزوح كبيرة خلال الأيام الماضية، ومن المرجح أن تعمد قوات النظام إلى تهجير السكان قبل التقدم على الطريق الدولي. وأشار هؤلاء إلى وجود تخوف لدى المدنيين من تقدم النظام في المنطقة، كما حصل في خان شيخون أخيراً.
من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن قوات النظام تحشد على محور التمانعة ضمن القطاع الجنوبي من الريف الإدلبي، وسط ترقّب لشن حملة عسكرية برية على قرى ريف معرة النعمان الشرقي، بعد أن فرضت سيطرتها على كامل ريف حماة الشمالي ومناطق هامة جنوب إدلب. كما أوضح أن طائرات النظام الحربية نفّذت السبت نحو 21 غارة استهدفت خلالها التمانعة ومحيطها والتح وجرجناز بريف إدلب الجنوبي الشرقي، كما قصفت طائرات روسية بنحو 10 غارات محور التمانعة وكفرسجنة والتح والهلبة بريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي. ووفق المعطيات الميدانية، تبدو مدينتا سراقب ومعرة النعمان، هما الهدف القادم لقوات النظام الساعية للسيطرة على مجمل ريفي إدلب الشرقي والجنوبي للسيطرة والتحكم في الطريق. وذكرت مصادر محلية أن "مدينة سراقب هي الأهم لقوات النظام، لكونها ملتقى طريقي أم 5 وأم 4. وسراقب عبارة عن مدينة بين أربعة جسور لطرق دولية".
بدوره، رجّح قائد العمليات في "جيش العزة"، العقيد مصطفى البكور، في حديث لـ"العربي الجديد" استمرار التصعيد في شمالي غرب سورية من قبل النظام والجانب الروسي. وأشار إلى أن قوات النظام ستستمر في التقدم "ما دامت قادرة على ذلك"، مضيفاً: "يركزون (الروس) على المدن على جانبي الطريق". وأعرب عن اعتقاده بأن مهمة قوات النظام ستكون أصعب في حال توغلها شمالاً في عمق محافظة إدلب. وتبدو قوات النظام المنتشية بنصر "متوحش" تحت غطاء ناري روسي وبمساعدة من المليشيات الإيرانية، مصرة على التقدم في عمق ريف إدلب الجنوبي لتأمين الطريق الذي يربط حلب بالساحل السوري. ولكن من المتوقع أن تصطدم بصد من فصائل المعارضة المتمركزة في المنطقة بانتظار المعركة.
في السياق، ترتسم في الأفق ملامح مأساة إنسانية كبرى في إدلب، بسبب حركة نزوح تفاعلت خلال نحو 4 أشهر من المعارك والقصف الجوي الذي لا يكاد يهدأ من قبل الطيران الروسي وطيران النظام. وذكرت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن نحو 75 في المائة من سكان مدينة معرة النعمان نزحوا نحو الحدود السورية التركية، خلال الأيام القليلة الماضية، موضحة أن نحو 90 في المائة من سكان بلدة كفرنبل نزحوا أيضاً، إضافة إلى نزوح شبه كامل من ريف معرة النعمان الشرقي. وقالت المصادر إن المناطق الحدودية مع تركيا "باتت مزدحمة"، مؤكدة وجود آلاف المدنيين في العراء في ظروف "تكاد تصل حدود الكارثة"، التي أشارت إلى نزوح أكثر من مليون مدني منذ بدء الحملة العسكرية واسعة النطاق ضد محافظة إدلب ومحيطها في نهاية إبريل/نيسان الماضي.