منذ أيامه الأولى تحت قبة البرلمان المصري، دخل النائب محمد أنور السادات ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، في صراع مع زملائه النواب، بشأن ملفات عديدة، أهمها ما أثاره بشأن "تضارب مصالح" عدد من رؤساء لجان المجلس وأعضائه، ممن يتقلدون وظائف عامة أو يمارسون أعمالاً تجارية، تتعارض مع دورهم التشريعي والرقابي على الوزارات والجهات التي يفترض بهم مراقبتها.
غير أن السادات الذي يترأس حزب الإصلاح والتنمية لم يكن يتوقع أن يحال إلى لجنة القيم التي أوصت بإسقاط عضويته، بعد خمسة أشهر من تقدمه بمذكرة إلى رئيس البرلمان علي عبدالعال في سبتمبر/أيلول الماضي، طالب فيها بمراجعة موقف رؤساء اللجان النوعية ومدى تطبيق اللائحة الداخلية والدستور، بشأن تعارض المصالح بين وظائفهم وعملهم وعضويتهم في البرلمان، وتعاملهم مع بعض الوزارات من خلال أنشطة شركاتهم، وتقلد بعض منهم وظائف يساهم فيها المال العام بنسبة كبيرة، وهو ما يتعارض مع الدستور واللائحة الداخلية، والتي تحتم "تفرغهم لأعمال المجلس".
يقول السادات لـ"العربي الجديد"، "الموضوع لم يكن مقصوداً به نواب بعينهم، وسبب تخصيص رؤساء اللجان في المذكرة احتكاكهم المباشر بالوزراء، فلا يصح أن يراقب النائب على الوزير في الصباح، ويكون مستشاراً له في المساء".
النواب المتورطون في "تضارب المصالح"
يبلغ عدد اللجان الفرعية في البرلمان 25 لجنة، وتختص كل لجنة بقطاع معين في الدولة، وتقوم بمناقشة مشاريع القوانين قبل عرضها على باقي أعضاء المجلس في الجلسة العامة، وتمارس رقابتها على السلطة للتنفيذية في ما يتعلق بمجال عملها، بحسب ما جاء في موقع مجلس النواب المصري، ووفقاً لما وثقه معد التحقيق، فإن خمسة من رؤساء اللجان ينطبق عليهم مبدأ "تضارب المصالح"، من بينهم النائب علاء والي رئيس لجنة الإسكان، والذي يدير مجموعة شركات عقارات باسم "الوالي جروب"، كما يظهر على الموقع الرسمي للمجموعة، ويترأس النائب أسامة هيكل لجنة الثقافة والإعلام والآثار، كما يترأس في الوقت ذاته مجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي، وهي شركة مساهمة مدرجة في البورصة، وتملك الدولة أكثر من نصف أسهمها، ويظهر الموقع الرسمي للمدينة أن هيكل استقبل وفداً من رجال الأعمال الماليزيين خلال شهر يونيو/حزيران 2016، والتقى بوزيرة الاستثمار في آخر يوم من أغسطس/آب.
أما محمد فرج عامر، رئيس لجنة الشباب والرياضة، فيترأس نادي سموحة الرياضي، بالإضافة إلى كونه مؤسس ومدير مجموعة شركات "فرج الله" للصناعات الغذائية، حسب الموقع الإلكتروني للمجموعة. وانتُخب رئيس لجنة القوى العاملة النائب جبالي المراغي نائباً لرئيس مجلس إدارة منظمة العمل العربية، كما يظهر موقع الاتحاد العام لنقابات عمال مصر، والذي يترأسه المراغي أيضاً.
ويدير النائب مصطفى الجندي، رئيس لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب، شركة أوجيني للاستثمار السياحي، حسب مرصد البرلمان المصري، التابع لمركز دعم لتقنية المعلومات. وفي لقاء تلفزيوني مع وائل الإبراشي نهاية أغسطس/آب الماضي، أكد الجندي على استمرار إدارته شركات سياحية ومراكب في النيل.
إضافة إلى هؤلاء النواب، وثق معد التحقيق عبر موقع "مرصد البرلمان المصري" شغل ثمانية رؤساء لجان مناصب تُعتبر ضمن "تضارب المصالح" وقت دخولهم إلى البرلمان، هم: النائب أحمد سعيد، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، والذي ترأس مجلس إدارة جلوبال براندز للتجارة، والنائب محمد خليل العماري، رئيس لجنة الصحة، كما أنه رئيس قسم الجراحة العامة في كلية طب قنا، وسحر طلعت مصطفى، رئيس لجنة السياحة، وعضو مجلس إدارة شركة الإسكندرية للإنشاءات والديكور، ونضال السعيد، رئيس لجنة الاتصالات، واستشاري نظم ومعلومات الشركة البافارية لتجارة السيارات، وأحمد سمير، رئيس لجنة الصناعة، ومدير وشريك شركة القناة لصناعة البلاستيك، وأحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية، ورئيس مجلس إدارة شركة نفرتاري للاستثمارات السياحية، وطلعت السويدي، رئيس لجنة الطاقة، ومدير وشريك مؤسسة عماد السويدي للكهرباء، ومحمد علي يوسف، رئيس لجنة المشروعات الصغيرة، ورئيس مجلس إدارة شركة هندوراس لتغذية الحيوان، ولم ينشر البرلمان ما يؤكد استقالتهم من مناصبهم الأخرى حتى الآن.
واجه "العربي الجديد" الوكيل الثاني لرئيس المجلس سليمان وهدان، بالأسماء السابقة وما حدث مع النائب السادات، فأجاب قائلاً "لم يورد السادات في مذكرته أسماء محددة يطلب النظر في مواقفها"، قبل أن ينهي المكالمة بعد أن سأله معد التحقيق: "أليس من المفترض أن يحقق البرلمان في الأمر بشكل منفصل؟".
رئيس الأغلبية البرلمانية
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خسر رئيس ائتلاف دعم مصر النائب محمد السويدي في انتخابات اللجان الفرعية بعد أن كان رئيساً للجنة الصناعة، ليستمر في عضوية نفس اللجنة، كما أنه لا يزال مستمراً في رئاسة اتحاد الصناعات.
ويرفض السويدي في اتصال تليفوني، اعتبار أن مناصبه تدخل ضمن باب تضارب المصالح المنهي عنه قانوناً، إذ يعتبر أن منصبه في اتحاد الصناعات يدخل تحت باب التطوع، لتمثيل مجتمع الصناع أمام الحكومة، مستشهداً بفتوى دائرة الصناعة والتجارة بمجلس الدولة، والتي تؤكد أن عضوية الاتحاد لا تعد ضمن تضارب المصالح. وينكر السويدي أن يكون لديه أي منصب آخر في أي شركة قائلًا: "أنا لا أدري أي شركات خاصة تتحدثون عنها، وأنا أول من تنازلت عن أي مناصب أخرى".
وعلى الرغم من نفيه، توصل "العربي الجديد" إلى أن السويدي نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لمجموعة زكي السويدي، وهو ما يظهر على موقع اتحاد الصناعات، كما أن القرار الوزاري الذي صدر في أغسطس/آب من العام الحالي، واطلع عليه معد التحقيق، بتعيينه رئيساً للاتحاد، يؤكد الأمر نفسه.
ويعقب أستاذ القانون الدستوري شوقي السيد على ما قاله السويدي، "ليس هناك منصب تطوعي، ما دام له مقتضيات تتعارض مع منصبه البرلماني، وكونه رقيباً، الأمر يدخل ضمن باب تصارب المصالح".
التفاف على القانون
تنص المادة 103 من الدستور المصري على تفرغ عضو مجلس النواب لمهام العضوية، على أن يحتفظ له بوظيفته أو عمله وفقًا للقانون، وتنص اللائحة الداخلية للمجلس على ألا يجوز للعضو فور إعلان انتخابه أو تعيينه أن يعين في وظائف الحكومة أو القطاع العام أو قطاع الأعمال العام أو الشركات المصرية أو الأجنبية أو المنظمات الدولية، أثناء مدة عضويته، إلا إذا كان التعيين نتيجة ترقية أو نقل من جهة إلى أخرى أو كان بحكم قضائي أو بناء على قانون.
وبحسب المادة 375 من نفس اللائحة، التي اطلع عليها "معد التحقيق"، فإنه على عضو مجلس النواب فور اكتسابه العضوية أن يتخذ الإجراءات اللازمة لفصل ملكيته في أسهم أو حصص الشركات عن إدارة أي أسهم أو حصص في هذه الشركات، وذلك خلال مدة لا تجاوز مائة وعشرين يوماً من أدائه اليمين، ووفقًا للضوابط والإجراءات المنصوص عليها في المواد التالية من هذه اللائحة، وإلا تعين عليه التصرف في تلك الأسهم أو الحصص خلال المدة ذاتها طبقًا لقواعد تحديد السعر العادل المنصوص عليها فى المادة (378) من اللائحة ويلغى كل حكم يخالف ذلك.
"تكمن المفارقة في أن البرلمان الحالي هو من وضع بنفسه هذه البنود في اللائحة، ولم يطبقها"، كما يؤكد البرلماني محمد أنور السادات.
وفي مفارقة واضحة لم تطبق المواد التي تمنع تضارب المصالح على النواب السابقين إلا أن البرلمان استدعى هذه المواد للتطبيق في حالة النائب هيثم الحريري الذي أحيل إلى لجنة القيم رفقة أعضاء ائتلاف "25-30"، بعد تعويم الجنيه وارتفاع الأسعار، لوقوفهم ضد تطبيق قانون القيمة المضافة، والذي اتهم بشغل منصب يتعارض مع دوره البرلماني، وهو ما رد عليه النائب بأنه حاصل على إجازة من الشركة التي يعمل بها من أول يوم حصل فيه على عضوية البرلمان"، والذي لا يطبق قوانين منع تصارب المصالح، "إلا وقت الحاجة"، كما يؤكد الباحثون والخبراء المستطلعة آراؤهم.
عدم إعلان الذمم المالية
الحديث عن تضارب المصالح يجب أن يكون بعد إعلان النواب عن ذممهم المالية، وهو ما لم يحدث، كما يقول أحمد خير، الباحث في مرصد البرلمان المصري، مردفاً "توجد مشكلة أصلًا في معرفة أصول ثروات النواب، والذين لا يعرف أحد شيئاً عن ذمتهم المالية"، ووفقا لما ينص عليه قانون مجلس النواب الصادر عام 2014، فإنه يجب على المرشحين لعضوية المجلس تقديم إقرار ذمة مالية لهم ولزوجاتهم وأولادهم القصر، كما يلزمهم القانون بتقديم إقرار آخر عند شغل المنصب البرلماني وعند تركه ونهاية كل عام من عضويتهم، ويتساءل خير "أين هذه التقارير".
يضيف الباحث البرلماني أن النائب السادات تعرض لمضايقات لعدة أسباب من بينها تقديم هذا الطلب، لافتاً إلى ثغرات في النصوص القانونية التي تتحدث عن تضارب المصالح، إذ لم تعرف الأمر بشكل دقيق، ولم تضع آلية لمناقشة وقوع تضارب المصالح، متسائلا "هل ستتم مناقشة مشكلة تضارب المصالح، بواسطة هؤلاء النواب وزملائهم ممن لهم مصالح مع بعضهم البعض؟".
وتابع موضحاً "على سبيل المثال عندما زارت لجنة تقصي حقائق القمح صومعة شقيق النائب طارق حسانين، ظل النائب يرافقهم طوال عملهم، المشكلة الأكبر أن اللائحة لم تضع عقوبة لمن يخالف النص، فما فائدة منع تصرف ما وليس هناك إجراء يتخذ ضد من ينتهكه".
ولا يملك القضاء تعليق عضويات "نواب تضارب المصالح" حسب الدكتور شوقي السيد، والذي أوضح لـ"العربي الجديد" أن القضاء غير مختص بذلك، حتى لا يكون اعتداء على سلطة البرلمان. ويؤيده في الرأي السابق الخبير القانوني عصام الإسلامبولي، مضيفا أنه "لو رُفعت دعوى مدنية أو في مجلس الدولة ضد النواب الذين تضارب مصالحهم، فمن حق المحكمة أن تبطل شَغْلهم للمناصب الأخرى التي تتعارض مع عضوية البرلمان".