أظهرت قرارات رئاسية عدة في الجزائر، وجود تضارب وخلاف حول إصدار القرارات الاقتصادية في الدولة، التي تواجه صعوبات مالية بسبب تراجع إيرادات النفط، الأمر الذي دعا محللين إلى التنبؤ بحدوث تغييرات قريبة لحكومة أحمد أويحيى، التي تم تعيينها قبل نحو عشرة أشهر.
وجاء قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إلغاء الزيادات المقترحة في رسوم إصدار الوثائق الإدارية التي اقترحتها حكومة أويحيى، ليضاف إلى قرارات أخرى خلال الأسابيع الماضية، تتعلق برفض ضخ ميزانيات إضافية لبعض القطاعات، وحظر منح عقود الامتيازات الزراعية للمستثمرين الأجانب الذي جاء في قانون الموازنة التكميلي المقدم من الحكومة، بالإضافة إلى تجميد خطط للخصخصة.
ووفق بيان للرئاسة الجزائرية مساء الثلاثاء، حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، فإن الرئيس بوتفليقة قرر سحب كل زيادة مقترحة في ما يخص الوثائق الإدارية، خلال مناقشة قانون الموازنة التكميلي في اجتماع مع مجلس الوزراء في اليوم ذاته.
وجاء إلغاء هذه الرسوم، التي كشفت عنها الحكومة في مايو/ أيار الماضي، بعد انتقادات واسعة في أوساط الكثير من المواطنين. وكان من المقرر تطبيق الزيادات التي تراوح بين 66% و316%، بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، وتطاول إصدار بطاقات الهوية وجوازات السفر وغيرها من الوثائق.
وتأتي أغلب القرارات التي ثار الخلاف بشأنها بين الحكومة ورئاسة الجمهورية، ضمن قانون الموازنة التكميلي، الذي لجأت إليه الحكومة للمرة الأولى منذ عام 2013. وقانون الموازنة التكميلي، الذي يدخل حيز التنفيذ في يوليو/ تموز، يهدف لإقرار مخصصات مالية جديدة، أو تغيير تقديرات الإيرادات أو لخلق أخرى، والترخيص بنفقات جديدة.
وقال جمال نور الدين، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد"، إن "إسقاط بوتفليقة لزيادة رسوم الوثائق الرسمية كان منتظراً، حيث عمد محيط الرئيس قبل نحو أسبوع إلى تسريب خبر إلغاء الزيادات التي اقترحتها الحكومة".
وأضاف أن "الحكومة وعلى رأسها أويحيى، باتت في موقف حرج، سواء مع الشعب أو مع الطبقة السياسية، وكأن الرئاسة تريد أن تبعث أويحيى إلى المقصلة".
وليست هذه المرة الأولى التي يسقط فيها بوتفليقة قرارات تتخذها حكومة أويحيى، حيث سبق أن أسقط مشروع خصخصة الشركات العمومية الذي اقترحه رئيس الحكومة نهاية العام الماضي، 2017، كما رفض منتصف مايو/ أيار الماضي، مشروع التنازل عن الأراضي الزراعية للأجانب، وألغى ضخ ميزانيات إضافية لبعض القطاعات التي استهلكت 60% من ميزانيتها السنوية قبل نهاية النصف الأول من العام الحالي.
وتضمن قانون الموازنة التكميلي "منح عقود الامتيازات الزراعية للمستثمرين الأجانب"، وتجعل بنود هذا القانون من تلك الأراضي ملكا للأجانب بعد التنازل عنها من طرف الدولة. وبررت الحكومة هذا المسعى بكون المزارع التي ستنشأ في هذا الإطار، ستشكل قاطرة تطوير قطاع الفلاحة.
ويبدو أن الخطوة تأتي في إطار التخفيف من شكاوى لمستثمرين أجانب حول تعقيدات إدارية حكومية وعقبات أخرى تعرقل الاستثمار في البلد البالغ تعداد سكانه حوالي 41 مليون نسمة. وتضمن مشروع القانون أرقاما بوجود 169 مزرعة نموذجية، تتربع على مساحة قدرها 146 هكتاراً (الهكتار = 10 آلاف متر مربع)، منها 126 ألف هكتار صالحة للاستغلال، في مناطق الهضاب العليا (السهول الداخلية).
لكن الرئيس الجزائري رفض هذا المسعى الحكومي. وتمنع النصوص والتشريعات الجزائرية تمليك الأراضي والعقارات للأجانب تحت أي ظرف كان، وتنص المادة 14 من دستور البلاد على أنه لا يجوز البتة التنازل أو التخلي عن أي جزء من التراب الوطني.
وقال محمد عليوي، الأمين العام للاتحاد الجزائري للفلاحين، إن رفض رئيس الجمهورية قرار التنازل عن الأراضي الزراعية لا يمنع الشراكة في إطار الاستثمار بقاعدة 51/49 التي يعد مرحبا بها، وفق تقرير لوكالة الأناضول، أمس.
وتطبق الجزائر قاعدة في الشراكة الأجنبية، تقوم على أساس منح 51% للطرف الجزائري، و49% للجهة الأجنبية، وهذا في كافة المشاريع وكافة القطاعات الاقتصادية.
لكن متتبعين للشأن الاقتصادي، يشيرون إلى أن التضارب الحاصل بين الرئاسة والحكومة في ما يتعلق بالقرارات الاقتصادية، لا يتعلق فقط بجدواها، وإنما له أبعاد سياسية متعلقة بالانتخابات الرئاسية المقررة في إبريل/ نيسان 2019، حيث يريد محيط بوتفليقة تحييد الأسماء المحتمل أن تكون "مفاجأة الدقيقة الأخيرة"، في مقدمتهم رئيس الحكومة الحالي أويحيى، الذي لم يخف "طموحه الرئاسي".
وقال كمال الدين يحياوي، الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة الجزائر، إن "الخلاف بين الرئاسة والحكومة بات جليا ولا يمكن إخفاؤه، فقبل أسبوع أصدر رئيس الحكومة بياناً اتهم فيه أطرافاً بتسريب معلومات حول الزيادات التي مست رسوم استخراج الوثائق الرسمية، بهدف نشر البلبلة والتشويش، وهنا نتساءل من هي هذه الأطراف، هل يقصد أطرافاً داخل حكومته أم أطرافاً مقربة من الرئاسة؟ لأنهما الجهتان اللتان تملكان معلومات عن الموازنة التكميلية".
وأضاف يحياوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "ما يقع اليوم بين بوتفليقة وأويحيى يصعب إبعاده عن حسابات الانتخابات الرئاسية، حيث ساد تصور في الشارع الجزائري أن رئاسة الجمهورية تحاول تسويق صورة سيئة عن أويحيى وأن الرئيس هو المنقذ".
وتتابع "من المتوقع أن يلجأ بوتفليقة إلى تغيير حكومي في الأيام القادمة، لأن الحكومة لا يمكنها الاستقالة كما هو معلوم في البلاد، حيث لم يقدم أي وزير استقالته لبوتفليقة منذ 2001، حين استقال رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتو، فالرئيس هو من يعين وهو من يقيل".
وتعاني الحكومة الجزائرية من أزمات مالية دفعتها نحو تحريك مشروع الخصخصة، إذ دخلت البلاد عام 2018 بمؤشرات اقتصادية تنذر بعام أصعب من 2017. وتواجه الحكومة تحديات بدأت تزيد مع دخول الأزمة المالية بالبلاد عامها الرابع على التوالي بسبب تراجع إيرادات النفط، وتواصل تدهور الدينار الذي هوى بنحو 35% في غضون عامين.
ومن أبرز التحديات التي تنتظر الحكومة على المستوى الداخلي خلال الفترة المقبلة، إحداث حراك في الاقتصاد الجزائري الذي مسه الركود منذ 2015، ما أثر على نسب النمو التي لم تتعد 3% في أحسن الأحوال، حسب آخر أرقام صندوق النقد الدولي.