لم يكن ظهور الناشطة السعودية سعاد الشمري على قناة "كان" الإسرائيلية قبل أيام، ودعوتها إلى التعاون الاقتصادي والثقافي والتجاري مع الاحتلال، مجرّد إطلالة فردية مرتبطة بحرية التعبير، كما حاول المدافعون عنها الترويج. فالشمري أطلّت من السعودية، وهو البلد الذي يقمع أي إعلامي يظهر على أي قناة حول العالم من دون رضا السلطات.
لذلك لا يمكن وضع هذه المقابلة التي أثارت جدلاً لا ينتهي إلا في خانة مشروع رسميّ يحاول الدفع بالإعلاميين السعوديين المؤثرين على مواقع التواصل نحو ترسيخ التطبيع مع الاحتلال. نبدأ من السنوات الثلاث الأخيرة التي دأبت فيها السلطات السعودية على "تأديب" كل مواطن (إعلامياً كان، أم شخصية عامّة) يطلّ عبر قنوات تعتبرها "معادية"، مثل قناة "الجزيرة" على سبيل المثال. كما أنها لاحقت مغرّدين ومؤثرين قدّموا على حساباتهم على مواقع التواصل رؤية سياسية محلية أو إقليمية أو دولية لا تتفق مع رؤية النظام السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان.
المتصهينة #سعاد_الشمري لقناة صهيونية:
— سعوديون ضد التطبيع (@Saudis2018) July 7, 2020
= أتمنى أن يبدأ التعاون بين #السعودية وإسرائيل فورا
= إسرائيل ليست عدوا للسعودية
= الإسرائيليون "ناس حلوين" !
يجب محاسبة هذه المتصهينة.. فلا مكان للمطبعين بيننا#التطبيع_خيانة #سعوديون_ضد_التطبيع pic.twitter.com/4BFhaBFLSR
لكن مقابل هذا القمع في مواجهة هؤلاء، شهدت السنتان الأخيرتان طفرة في ظهور إعلاميين ومؤثرين سعوديين على القنوات والإذاعات الإسرائيلية. في الوقت نفسه، فتحت وسائل إعلامية يملكها الديوان الملكي السعودي، مثل "روتانا" ومجموعة "أم بي سي" هواءها وصفحاتها لنشر وبثّ آراء سعودية تشجّع على التطبيع مع دولة الاحتلال.
وينقسم مشهد التطبيع في الوسط الإعلامي السعودي إلى ثلاث دوائر: الدائرة الأولى هي تطبيع الإعلاميين المقربين من النظام السعودي الذين يعملون في كبريات الصحف والمحطات التلفزيونية الممولة بشكل مباشر من النظام وأبرزهم تركي الحمد، ومدير تحرير "الشرق الأوسط" السابق عبد الرحمن الراشد، وأحمد العرفج. ويتمتّع هؤلاء الثلاثة بعدد متابعين مهول على "تويتر". بينما تضمّ الدائرة الثانية طبقة من الإعلاميين متوسطي الشهرة الذين يسمح لهم النظام بزيارة فلسطين المحتلة والظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومهاجمة الفلسطينيين والدعوة إلى التطبيع العلني. أما الدائرة الثالثة فتنحصر في مجموعة من الإعلاميين العرب الذين تخصصوا في الدفاع عن الرياض عبر القنوات السعودية مثل الصحافي الفلسطيني ــ الأردني يوسف العلاونة واللبناني جيري ماهر.
ويُعدّ تركي الحمد أحد أشهر وأبرز الإعلاميين السعوديين والكتاب والروائيين المؤيدين للتطبيع، وهو واحد من الصحافيين المقّربين من محمد بن سلمان. وحوّل الحمد الذي كان يحظى بشعبية في صفوف التيار الليبرالي في السعودية حسابه على موقع "تويتر" إلى منصة لتأييد التقارب مع الاحتلال وشتم القضية الفلسطينية والفلسطينيين. ووصف الحمد مرات عدة القضية الفلسطينية بـ"مومس يطرق بابها كل محتال".
معذرة..ولكن القضية الفلسطينية تحولت اليوم إلى شبه مومس..يطرق بابها كل تاجر ومحتال..عفوا..
— تركي الحمد T. Hamad (@TurkiHAlhamad1) June 27, 2017
ولم يقتصر تأييد التطبيع على منصات التواصل الاجتماعي التي أغرقها الإعلاميون الذين يتمتعون بملايين المتابعين والمقربون من النظام السعودي بمساندة إسرائيلية وشتم القضية الفلسطينية والفلسطينيين، بل امتد إلى القنوات التلفزيونية السعودية التي باتت مملوكة للديوان الملكي السعودي بعد حملة الـ"ريتز كارلتون" التي استهدفت مالكي هذه القنوات ونزعت ملكيتها منهم بعد اعتقالهم بتهم الفساد. وخرج أحمد العرفج، وهو أحد الإعلاميين الذين تسمح لهم السلطات السعودية بالظهور على قنواتها، ليؤكد في برنامجه التلفزيوني "يا هلا بالعرفج" الذي يبث على قناة "روتانا" تأييده للتطبيع مع إسرائيل وتأكيده على أنها "قوة لا بد من التعاون معها".
#النفسية_هتتحسن_لما يغلب العقل على العاطفة في الدول العربية وادراك ان #إسرائيل هي ليست العدو بل الشريك بمواجهة تحديات الإرهاب ومطامع #إيران https://t.co/RGRobVCWOV
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) November 2, 2017
وبات الإعلاميون السعوديون ضيوفاً شبه دائمين على وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تنقل اتصالاتهم المرئية والصوتية من قلب العاصمة الرياض. نذكر على سبيل المثال الإعلامية سكينة المشيخيص التي تقدم برنامج "حديث الخليج" على قناة "الحرة". إذ تروّج للتطبيع بشكل متكرّر من خلال اتصالاتها بإذاعة "مكان" الإسرائيلية. كذلك يظهر الإعلامي دحام الجفران بشكل دائم على القنوات الإسرائيلية التي تبث باللغة العربية وتناقش الشؤون الإقليمية.
ألصحفية والكاتبة السعودية الشهيرة @sukinameshekhis في لقاء خاص مع قناة @News_Makan
— שמעון ארן شمعون آران (@simonarann) August 5, 2019
"ليست هناك عداوة بين #إسرائيل و #السعودية
ثمة تطابق بين مواقف اسرائيل ودول #الخليج بصدد الخطر الايراني.
دول الخليج #عُمان #البحرين #الامارات والسعودية ستقيم علاقات مع إسرائيل في القريب المنظور". pic.twitter.com/D34m1nQO4e
وتخصص إعلاميون مؤثرون في نوع آخر من تأييد إسرائيل والدعوة للتطبيع، خالعين بذلك رداء "تغليب المصلحة العربية" التي يتذرع بها المطبعون. إذ يلجأ هؤلاء إلى نشر سلسلة شتائم ضد الشعب الفلسطيني من خلال القنوات السعودية وأبرزها قناة "سعودي 24" المملوكة للاستخبارات المحلية. فيقوم مثلاً الإعلامي فهد الشمري بالظهور بشكل دوري في مقاطع فيديو مصورة، ويشتم الفلسطينيين والقضية الفلسطينية واصفاً إياهم بـ"الشراذم التي يجب تطهيرها"، من دون أن تقوم السلطات السعودية بأي إجراء ضده أو منعه من الظهور في وسائل إعلامها.
هذا الخائن يتطاول علينا نحن الفلسطينين
— sara22 (@hamde_srour) June 27, 2019
فهد الشمري تطاول بشكل غير مسبوق على المسجد الأقصى المبارك واصفاً إياه بـالمعبد اليهودي
وقال الشمري إن الفلسطينيين شحادين وبلا شرف والمسلمون لديهم مئات الآلاف من المساحد في العالم معتبراً أن الصلاة في مسجد بأوغندا أشرف من الصلاة بالقدس pic.twitter.com/sOR7O7wIks
كذلك يقوم الإعلامي الفلسطيني ــ الأردني يوسف العلاونة الذي يُقدم برامج عدة على قناة "سعودي 24" بالتأكيد مراراً على ما يسميها "وحدة الشعبين العربي والإسرائيلي". وهو صاحب العبارة التي أثارت ضجة على مواقع التواصل: "أنا يوسف علاونة مؤمن بالتنازل عن القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل... سنشرب القهوة مع إسرائيل".
يوسف علاونة محلل قناة 24 السعودية:
— نحو الحرية (@hureyaksa) June 9, 2020
(كل عربي شريف يؤمن الآن بالسلام مع إسرائيل. الإسرائيليون قريبون لنا.. يجب أن نقيم علاقات مع إسرائيل لكي نخلص من الشر)
بل كل عربي شريف يرفض التطبيع مع الصهاينة
وكل عربي متصهين وبلا شرف يريد التطبيع معهم.. pic.twitter.com/md4Bvn5PZ7
ورغم المنع الرسمي لزيارة إسرائيل، زار الإعلامي والمدون السعودي محمد سعود فلسطين المحتلة على رأس وفد إعلامي عربي بدعوة من وزارة الخارجية الإسرائيلية، والتقط صوراً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كما جال في القدس المحلتة تحت حماية الشرطة الإسرائيلية قبل أن يُطرد من المسجد الأقصى بعد احتجاجات فلسطينية. ولم تتخذ السلطات السعودية التي تعتقل المغردين بناء على الكلمة والحرف أي إجراء ضدّه بعد عودته إلى الرياض، بل على العكس سمحت له بتحويل منزله إلى استوديو مرئي يخدم القنوات الإسرائيلية بين فترة وأخرى. كما سمحت له باستقبال ضيوف إسرائيليين يحملون جوازات أخرى قاموا بالتجول في الرياض وأخذ الصور التذكارية.
Prime Minister Netanyahu called me, what excitement, I hope he wins and brings peace to the Middle East, Netanyahu I appreciate and admire you. God bless you and all the citizens of Israel
— محمد سعود (#نعود_بحذر ) מוחמד סעוד 🇸🇦🇮🇱 (@mohsaud08) December 26, 2019
@netanyahu pic.twitter.com/bKL2HMnRSz