ربما يهتمون بالشعارات الكبيرة، لكنّ همهم الأساس خلال مشاركتهم في التظاهرات ليس أكثر من البيع. هم باعة متجولون يستغلون تجمعات غزة لكسب الرزق.
وسط هتافات وحشود من الناس على شكل مسيرات منظمة يعبّر فلسطينيون من قطاع غزة المحاصر عن رفضهم ممارسات الاحتلال الصهيوني، أو تنديدهم بقضايا داخلية، أو تأييدهم لفصيل من الفصائل. على هامش كلّ هذه التجمعات ينتشر باعة متجولون يحاولون كسب الرزق بمنتجاتهم المختلفة، لوقت قصير يتراوح بين ساعتين وثلاث.
يحاول أبو مؤيد شحيبر (47 عاماً) أن يرصد التظاهرات والمسيرات عبر الراديو أو مكبرات الصوت التي تجول في الشوارع لتدعو الجماهير إلى التجمع في المكان الفلاني، يومي الخميس والجمعة خصوصاً. يحاول أن يجد مكاناً له يبيع فيه منتجاته من الفول السوداني والترمس والبزر وغيرها من المسليات. يبيع شحيبر على بسطته التي يتنقل بها من مكان إلى مكان منذ 15 عاماً، وهو يعتمد نظاماً في التوجه إلى التظاهرات والبيع عند نقاط التجمع. يقول لـ"العربي الجديد": "صوت المتظاهرين مرتفع ويمتلئون بالغضب، وهو ما يفقدهم كثيراً من الطاقة، وبذلك عندما يتخذون مكاناً جانباً للاستراحة يجدونني أمامهم فيشترون مني الفول السوداني. بعض الأطفال يشترون الترمس أيضاً".
شحيبر قادر على التفريق بين التظاهرات التي من الممكن أن يجني منها رزقاً وفيراً وغيرها. مع ذلك، هو لا يتوجه إلى المناسبات أو التظاهرات التي يكرم فيها شهداء أو يشيعون: "هناك تظاهرات شعبية غاضبة، جميع من فيها يخرج بإرادته غاضباً، مثل رفض الاعتداء على المقدسات، وهي تظاهرات مربحة لي، بينما في المناسبات الحزبية فإنّ الرزق أقل، فمعظم المشاركين يأتون تأدية للواجب لا أكثر".
عنبر للبيع (محمد الحجار) |
بعض الباعة يرفعون الرايات الحزبية لجذب المتظاهرين إليهم وبيعها لهم، ما يوفر لهم ربحاً مضاعفاً عن سعرها الأساسي مع استغلال غضب الجماهير ومحاولة توحيد راياتهم لإعطاء مظهر قوي لحزبهم. الطفل أحمد أبو طربان (14 عاماً) يبيع الرايات والميداليات الوطنية على بسطة في سوق الساحة ويتجول بها خلال التجمعات والتظاهرات. يقول أبو طربان لـ"العربي الجديد": "أكثر الرايات تفضيلاً في التظاهرات هي الرايات الصغيرة التي توضع كعصابات على الجبين، فكثير من الرجال يحضرون أطفالهم الصغار ويشترونها لهم. في بعض المرات أقطع مسافات طويلة حتى أصل إلى التظاهرات، لكن لا مشكلة، فربما أعود بعد انتهاء التظاهرة برزق يوم كامل بدلاً من الجلوس في سوق الساحة ثماني ساعات لبيع ما لديّ".
عصير طازج... (محمد الحجار) |
يشعر أبو طربان بالسعادة عندما يجد تظاهرات حزبية منتشرة، لأنّها تحقق له ربحاً، لكنّه يتعجب عند المناسبات الوطنية أنّ بيع أعلام فلسطين وراياتها غالباً ما يكون أقلّ من أعلام الأحزاب. والده ذو الإعاقة الحركية بسبب إصابة خلال العدوان الأخير على غزة عام 2014 يقول له: "الانتماء إلى الوطن أعظم من كلّ الأحزاب الفلسطينية، لكنّ بعضهم يرفع راياتها لأنّه اعتاد ذلك بسبب المنفعة الشخصية أو العمل المؤقت".
أما الطفل أيمن أبو توهة (12 عاماً) فيبيع العنبر (تفاحة مغطاة بنوع من الحلوى باللون الأحمر) وسط الحشود، خصوصاً إذا ما كانت المناسبات الوطنية أو الحزبية تتضمن عروضاً عسكرية وكلمات لقيادات الفصائل. هو يستغل جلوس الحاضرين من النساء وأطفالهن لبيعهم العنبر. يعرض أبو توهة العنبر على الأطفال، محاولاً إغراءهم، وهو ما يجبر الأمهات على شرائها لهم. يقول لـ"العربي الجديد": "بعض المسيرات لا أحبها، لأنّهم يطردونني منها فلا أتمكن من البيع".
ترمس وفول (محمد الحجار) |
من جهة أخرى، انتشرت في قطاع غزة أخيراً عربات المشروبات الطبيعية والمثلجة، يتجول بها أصحابها في الشوارع للبيع. وتقصد هي الأخرى التظاهرات والمسيرات وجوارها، إذ يوقف الباعة عرباتهم هناك فيقصدها المتظاهرون بعد الانتهاء من تجمعاتهم. يلاحظ أحمد الجمالي، وهو أحد باعة المشروبات المتجولين، أنّ المتظاهرين يقبلون على مشروبات الخروب ومشروبات باردة مختلفة تنعشهم، خصوصاً في الأوقات الحارة. يقول لـ"العربي الجديد": "كثيرة هي القضايا التي يتظاهر من أجلها الناس، لكن بالنسبة لنا فإنّ طلب الرزق أصعب من أيّ قضية سياسية، لأنّ كل من يقف أمام التظاهرات والتجمعات الحزبية والوطنية للبيع هو مضطر إلى ذلك، إذ لديه عائلة كبيرة وينتظر تحصيل لقمة عيشها من خلال المبيعات هذه". يضيف: "لا أخفي سراً إذا قلت إنّنا نحبّ التجمعات مهما كان سببها لكي نبيع ونجمع بعض المال، لكننا في الوقت نفسه نتمنى أن تتحسن الظروف الاقتصادية حتى تتحسن ظروف البيع لدينا من دون أيّ تظاهرات".