لليوم الثالث على التوالي، تتواصل حركة الاحتجاجات في مدن عدة من إقليم كردستان العراق، التي ينظمها ناشطون مدنيون وسياسيون ومنظمات محلية، في محافظتي السليمانية وحلبجة، إضافة إلى مدن رانيا وكلار ودربندخان وجمجمال، وسط مخاوف سلطات الإقليم من اتساعها إلى أربيل ودهوك، حيث اتخذت إجراءات مشددة حيال التجمعات وسط المدينتين.
وشهدت الاحتجاجات في حلبجة والسليمانية حرق مقرات عدد من الأحزاب الرئيسة في الإقليم، في مشهد مشابه لما حدث جنوبي العراق بمدن البصرة والناصرية ومحافظات أخرى منه، مع تسجيل اعتقال أكثر من 50 ناشطاً ومتظاهراً من قبل قوات الأمن التابعة لحكومة الإقليم (الأسايش).
وتركزت هتافات المتظاهرين على المطالبة بمحاربة الفساد وصرف مرتبات الموظفين والمتقاعدين، وفتح ملف ثراء أعضاء الحزبين الرئيسين في الإقليم، "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني" في السليمانية الذي تتصدره حالياً أسرة جلال الطالباني.
#السليمانية - تظاهرات احتجاجية للمطالبة بالإصلاح واستقالة السلطة
— شبكة الإعلام العراقي (@iraqmedianet) August 23, 2020
لمشاهدة النشرة كاملة اضغط على الرابط https://t.co/Ze6Yw11E0s#شبكة_الإعلام_العراقي#مديرية_الإعلام_الالكتروني pic.twitter.com/vgxJg9CM5o
وشهدت التظاهرات صدامات مع أفراد الأمن، وحملة اعتقالات في صفوف المتظاهرين، في الوقت الذي أصدر فيه رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني بياناً أدان فيه حرق المتظاهرين مباني حكومية وممتلكات خاصة، معتبراً أن هذه الأفعال تندرج في خانة الإجرام. وشدد على أن "الخروج بتظاهرات سلمية حق من حقوق المواطنين، ولكن إحراق الممتلكات العامة والخاصة يدخل في خانة الإجرام"، متوعداً بـ"اتخاذ الإجراءات القانونية تجاهها وإلقاء القبض على مرتكبي تلك الأفعال".
وقال الناشط كاميران أحمد، 47 عاماً من مدينة رانيا، قرب السليمانية، إنهم قرروا مواصلة التظاهرات لحين كسر الصورة الحالية في الإقليم التي يهيمن عليها الفساد من قبل حزبين يتقاسمان المنافذ والسلطة وأموال النفط"، وفقاً لتعبيره، لافتاً إلى أن "الجوع زاد، وعدد الشاحذين بالشوارع محزن، بينما أبناء المسؤولين في الحزبين يعيشون في سويسرا ولندن وفرنسا بأموالنا"، في إشارة إلى حزبي "الاتحاد" و"الديمقراطي".
بدوره، قال القيادي في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" عماد باجلان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "اللجوء إلى أعمال العنف والشغب لا يأتي إلا بالدمار والخراب"، متهماً جهات لم يسمها، قال إنها "جهات سياسية داخلية وربما حتى خارجية"، بـ"الوقوف خلف حرف التظاهرات إلى أعمال العنف، مستغلة الظروف الاقتصادية التي يمر بها مواطنو الإقليم، ولهذا على مواطني الإقليم منع هذه الجهات من استغلال أي تظاهرة سلمية تطالب بالحقوق المشروعة".
محتجون يقدمون على حرق بناية قائممقامية #قضاء_كلار، التابع لمحافظة #السليمانية، في تظاهرات امس احتجاجاً على قرار الحكومة باستمرار الاستقطاع من رواتب الموظفين . pic.twitter.com/m46lYHE04U
— ايان المرجاني (@ayan_zk) August 23, 2020
وأكد أن "حرق المقرات الحكومية والحزبية بعيد كل البعد عن حرية التعبير والتظاهر السلمي، بل هو أعمال شغب وخراب يحاسب عليها القانون في كل دول العالم، ولهذا سيتم منع أي جماعات من القيام بهكذا أعمال لإشعال الفوضى والفتنة في الإقليم، وفق مخططات وسياسة داخلية أو خارجية".
واعتبر أنه "لا يمكن تكرار ما حصل من أعمال عنف وغيرها في المدن العراقية الجنوبية بعد انطلاق تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول الماضي في مدن الإقليم، خصوصاً وأن حكومة الإقليم تعمل جاهدة على تلبية مطالب المتظاهرين، وفق الدستور والقانون"، وفقاً لقوله.
شهدت الاحتجاجات في حلبجة والسليمانية حرق مقرات عدد من الأحزاب الرئيسة في الإقليم، في مشهد مشابه لما حدث جنوبي العراق
لكن عضو مجلس النواب العراقي عن كتلة "المستقبل" الكردية المعارضة في الإقليم سركوت شمس الدين، قال لـ"العربي الجديد"، إن "التظاهرات في إقليم كردستان، شعبية، وهي بعيدة عن أي توجهات وأجندات سياسية، وهي انطلقت احتجاجاً على سوء الأوضاع المعيشية، والتلاعب بقوة الموظفين والمتقاعدين من قبل حكومة الإقليم، واحتجاجاً على الفساد وعمليات تهريب النفط، وغيرها من أعمال حكومة الإقليم، التي تعمل على مصالحها الحزبية فقط".
وبيّن شمس الدين أن "حكومة إقليم كردستان هي التي تدفع الشارع إلى أعمال العنف، من خلال عمليات القمع والاعتقال، التي تقوم بها، باستخدام الرصاص الحي، وغيرها من عمليات العنف، فهي تريد جرّ الشارع إلى الصدام، حتى تكون هناك حجة في قمع وإسكات الشارع المنتفض ضد فسادها". وأضاف: "نتوقع أن تمتد التظاهرات الشعبية الغاضبة إلى كافة مدن الإقليم، وعدم اقتصارها في محافظتي السليمانية وحلبجة، على الرغم من التهديدات التي يتعرض لها المواطنون في أربيل ودهوك من قبل حكومة الإقليم، فهي هددت باعتقال وقمع أي تجمعات في هاتين المحافظتين، خصوصاً أنها تعتبر من مناطق نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في كردستان".
وتابع النائب الكردي: "نتوقع أن نشاهد سيناريو ثورة تشرين في العراق، في مدن إقليم كردستان، فما يعاني منه ابن الجنوب والوسط، يعاني منه ابن أربيل ودهوك والسليمانية، وكافة مدن الإقليم، ولهذا فإن التظاهرات في الإقليم ستستمر وستمتد خلال الساعات أو الأيام المقبلة".
في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي احسان الشمري لـ"العربي الجديد"، إن "ما يحدث في إقليم كردستان لا يختلف عما جرى في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فالثورة بدأت عند سوء الحالة المعيشية ونقص الخدمات والبطالة، ثم تطورت إلى الدفع إلى إصلاحات سياسية، ونعتقد أن الوضع في الإقليم مقارب جداً لما حصل في ثورة أكتوبر".
وأعرب عن اعتقاده بأن "هيمنة الأحزاب التقليدية في الإقليم، وتحكّمها في القرار، وعدم وجود جيل سياسي يمكن أن يشارك هذه الأحزاب التقليدية، قد تكون المسار الجديد للاحتجاجات في الإقليم". وأضاف الشمري أن "عمليات حرق المقرات الحزبية والحكومية من قبل المتظاهرين هي إعلان رفض لسياسات حكومة الإقليم، خصوصاً أن سوء الإدارة المالية في الإقليم، سوف يفجر الأوضاع بشكل أكبر وأكثر، واستمرار هذه الاحتجاجات في هذه الموجة الغاضبة يضع الإقليم أمام اندلاع ثورة شعبية يمكن أن تسقط حكومته".