تتواصل الإضرابات الاحتجاجية ضد مشروع قانون إصلاح التقاعد في فرنسا، لليوم السادس والثلاثين، ولا تزال الحكومة عاجزة عن الوصول إلى اتفاق مع النقابات الإصلاحية، يتيح لها الحفاظ على عناصر أساسية في مسودة القانون، وعلى رأسها أن يسمح لها بالالتفاف على النقابات الأخرى الأكثر تشدداً وجذرية في رفض الإصلاح في نسخته الحالية.
وأعلنت الحكومة، بإيعاز من رئيس الجمهورية استعدادها تقديم تنازلات فيما يخص المِهن الشاقة والتي لا تسمح لأصحابها بالعمل فترة طويلة، كغيرهم، ولكن نقابة "سي إف دي تي"، الإصلاحية، التي شقّت الوحدة النقابية غير ما مرة، وخاصة في ما يخص قانون الشغل في بداية ولاية ماكرون الرئاسية، تلحّ على رفض "سن التوازن"، التي ستصل سنة 2027 إلى 64 سنة، علماً أن الحكومة ورئيس الدولة يؤكدان أن السن القانونية للتقاعد هي 62 سنة، ويهدد الأمين العام لهذه النقابة بأن لن يَقبل أن تضمَّنَ هذه السن (سن التوازن) في القانون الجديد.
ومع استمرار الإضراب الذي يضرب قطاع النقل لليوم السادس والثلاثين (منذ 5 ديسمبر/كانون الأول 2019)، وهو رقم قياسي، نظّمت النقابات المضربة، الخميس 9 يناير/كانون الثاني، على الصعيد الوطني رابع يوم وطني للتظاهر.
وإضافة إلى موظفي النقل، القطارات والباصات والميترو، تظاهر موظفو وزارة التربية الوطنية الذين يخشون أن يؤثر الإصلاح الموعود على معاشاتهم التقاعدية (النقابات تتحدث عن 40 إلى 50 في المائة من المضربين، بينما تتحدث وزارة التربية الوطنية عن 16 إلى 19 في المائة من المضربين)، إضافة إلى تظاهرات كبيرة للمحامين، الذين لا يريدون أن تمس الحكومة نظامهم الخاص للتقاعد، وهو نظام يعرف عافية كبيرة، خلافاً لقطاعات أخرى مفلسة.
وشهدت فرنسا 216 تظاهرة، لم تخلُ بعضها من صدامات مع الشرطة، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع في مدينة نانت وفي مدينة بوردو، وأيضاً في مدينة باريس، التي جرح فيها 16 شرطياً، وأوقف فيها أكثر من عشرين متظاهراً.
وتريد النقابات المُضربة، والتي لم تقتنع برغبة الحكومة الفرنسية في الوصول إلى تفاهمات وحلول وسطى، أن تُشعر الحكومة بشعبية الإضراب وباستمرار الالتفاف الشعبي من حول المضربين. ومثل كل تظاهرة تختلف أرقام النقابات عن أرقام وزارة الداخلية، فنقابة "سي جي تي"، تتحدث عن أكثر من 370 ألف شخص في العاصمة، بينما تتحدث مصادر مستقلة عن رقم 44 ألف في العاصمة. بينما تتحدث وزارة الداخلية عن خروج أكثر من 120 ألف متظاهر في فرنسا، وفي أرقام مؤقتة، دون أخذ أرقام العاصمة بالحسبان، بسبب بدء التظاهرات في وقت مبكر في المحافَظات.
Twitter Post
|
وتدعم قوى اليسار السياسي الإضراب، وتطالب الحكومة سحب هذا الإصلاح، والتفاوض من جديد، وهو موقف أوليفيي بوزانسنو، من حزب "الحزب الجديد المناهض للرأسمالية"، الذي يرى أن "خروج أعداد كبيرة من الفرنسيين يمكن أن يكنّس الإصلاح في يومين"، ويؤكد أن تأييد الإضراب لا يكفي "يجب الخروج للتظاهر.."، وأيضاً موقف ميلانشون الذي يخشى أن نضالات موظفي النقل لوحدهم غير كافية لتركيع الحكومة "يجب على المهن الأخرى أن تلتحق بالإضراب"، ووجّه نداءً "أيها الأصدقاء، الإضراب بالوكالة جيدٌ. لكن في لحظةٍ مَا يجب على المرء أن يخوض الإضراب بنفسه (ليس فقط بالوكالة)".
تجدر الإشارة إلى أن يوم السبت القادم سيشهد، أيضاً، تظاهرات أخرى، على الصعيد الوطني، من أجل التنديد بهذا الإصلاح، والمطالبة بسحبه. وهو ما يقابله الرئيس الفرنسي وحكومته بالتجاهل، مؤكدين على أن الإصلاح آت، ولهذا السبب قامت الحكومة، في بادرة استباقية، بعرض مُسودّة مشروع القانون على المحكمة الإدارية العليا، لأخذ موقفها.
وتراهن الحكومة على عامل الزمن وعلى الوَهن الذي بدأ يستبد بالمضربين، وأحياناً تناقُص الدعم الشعبي المضربين، لتمرير قانونها وفرضه بقوة "القانون" (البرلمان)، الذي يرى فيه موقع ميديا بارت، محاولة "تاتشيرية" من طرف رئيس ليبرالي، للإجهاز على الطبقة العاملة، كما فعلت رئيس الحكومة البريطانية من قبل.
من جهة أخرى يحاول اليمين الفرنسي التقليدي "الجمهوريون"، المزايدة على الرئيس الفرنسي، فيطالبه أحد زعاماته، إيريك فورث (وزير الميزانية والعمل في حكومة فيون اليمينية)، بالصمود، وبألاّ يقدم أي تنازلات للنقابات المتشددة ولا الإصلاحية. وهو موقف جيرار لارشي، رئيس مجلس الشيوخ، من حزب "الجمهوريون"، الذي يؤيد الإصلاح ويؤكد أنه سيطبق على نواب مجلس الشيوخ.
Twitter Post
|
الانتخابات البلدية تقترب، حثيثاً، وهو ما لا يمكن أن يَغيب عن ذهن السياسية اليمينية ناتالي بيكريس، رئيسة جهة باريس الكبرى (المستقيلة من حزب "الجمهوريون")، والتي تريد أن يعاد انتخابها، في هذه الجهة الثرية من فرنسا، للمرة الثانية. ولهذا السبب تُعلن، في كل تصريح رفضَها لإضراب يجعل سكان باريس وسكان ضواحيها "رهائن"، ولهذا قررت أن تعوّض مستخدمي مواصلات باريس والضاحية عن شهر من بطاقة النقل، والمؤكد أن عينَيها مسلطتان على البطاقات الانتخابية، خاصة وأنها تريد أن تتخذ من انتخابها مطية للوصول إلى الإيليزيه، إنْ أمكن (وهو سرّ مغادرتها لحزبٍ يكثُرُ فيه المتنافسون، خاصة من الرجال، على الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية).
الباريسيون وسكان ضواحي باريس يعانون، فعلاً، من هذا الإضراب، حيث يتكدسون في محطات الميترو، وهو ما دفع بالنائب عن حركة "فرنسا غير الخاضعة"، فرانسوا روفان، إلى مطالبة الرئيس إيمانويل ماكرون "الرئيس الأصمّ، المنزوي بشكل كامل في بُرجه"، بعد انتهاء تظاهرة اليوم الباريسية، بالنزول إلى الميترو: "ليأْتِ إلى الميترو ويرى ما الذي يعنيه العيش في باريس، في هذه اللحظات... "، خاصة وأن "75 في المائة من الفرنسيين يعلنون معارضتهم لهذا الإصلاح".