على مرمى خطوات من المحيط الأطلسي، يحتضن مقر "جمعية الفن والثقافة"، الواقع على شاطئ بْريش في إقليم أصيلة، شمال المغرب، "الملتقى الدولي للفن المعاصر لحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط" (MAC. A)، حتى 26 أيلول/ سبتمبر المقبل.
يقترح المعرض على زواره أعمال ثلاثة عشر فناناً وفنانة، من العالم العربي وأوروبا، هم على التوالي: نادرة محمود (عُمان)، على راشد (العراق–هولندا)، سامي بنعامر (تونس)، محمد الجالوس (الأردن)، محمد أبو النجا (مصر-قطر)، كريستين كيرتز (النمسا)، إنزو مارينو (إيطاليا) ودييغو مويا (إسبانيا)، إضافة إلى مشاركة عدة أسماء من المغرب، هي: أحلام لمسفر، عمر بوركبة، أحمد جاريد، عبد الكريم الوزاني، توفيق الشيشاني، مع حضور شرفي للفنان المغربي الرائد سعد بنسفاج.
وتهدف هذه التظاهرة، حسب منظميها، إلى أن تكون ملتقى يجمع فناني ضفاف المتوسط على أساس الإبداع والتبادل الثقافي وحماية قيم السلم والتسامح والحق في الاختلاف.
ولتحقيق هذه الأهداف، وضعت الجمعية برنامجاً متعدّد الفقرات حول موضوعة الحب، مسلتهمة من كتاب "طوق الحمامة" لابن حزم الأندلسي (994 – 1064)، كفكرة ينجز حولها الفنانون المشاركون في الدورة، خلال إقامتهم الفنية، لوحات تشكيلية، ويلقي خلالها شعراء قصائدهم، إلى جانب تنظيم مناقشات حول الموضوع المقترح وتمثلاته في الوقت الراهن.
وشكّلت الأعمال المنجزة مزيجاً من الأساليب والتصورات، تعكس قيمة المشاركين الفنية ورؤاهم الجمالية واختياراتهم الإبداعية، كلّ حسب تمثله لموضوعة هذه الدورة. ففي أعمال علي راشد، انعكس تناول ثيمة الحب ممهوراً بتلك اللمسة المتقشفة التي تحضر فيها الأشكال بحس شاعريّ متخففة من فخامتها المشهدية، حيث بقي الفنان وفياً لأسلوبه الإشاري الذي يضمر أكثر مما يصرح أو يبوح. ويرى الناقد الجمالي فاروق يوسف في هذه التجربة "تنظيفاً للأثر من طباعه الشعبية".
محمد أبو النجا، مصر |
أما الفنان عبد الكريم الوزاني، فقد حافظ في اقتراحه على أسلوب التوظيف الطفولي، من خلال أشكاله البسيطة المربكة واستعمالاته اللونية غير المتكلفة. في حين تبرز أعمال دييغو مويا مثل صور لأجرام سماوية سابحة في الفضاء تارة، أو رسمات مستمدة من الطبيعة البحرية تارة أخرى، عبر محاولته إظهار مفعول الزمن على عناصرها. وفي ذلك يبدو الفنان كما لو أنه يسعى إلى الإمساك بالآثار التي يخلفها التأكسد على الصخر أو التشظيات الفضائية العائمة في الملكوت الشاسع.
وبدوره، عمد أونزو مارينو إلى توظيف أشكال بشرية في تماهيها الموسيقي مع الطبيعة، فيما يمكن تأويله بنوع من الانتقال بالكائن من حضوره اليومي المتشابه إلى حالة من الصعود الفردانيّ الذي يسمو بالروح.
أما نادرة محمود، فقد راهنت في تمثلها لموضوعة الحب على تقنية اللصق التي تعتمد على الورق المقصوص كوسيلة فنية تختزل تشظي الكائن ومشاعره. وعلى النقيض من ذلك، جاءت أعمال أحلام لمسفر محتفلة بالمادة في انسجام مع لمسة تلوينية دقيقة تميل إلى التدرج، فيما يكشف عن روح منسابة وسلسة تقترب من البوح الفني أكثر من استثمارها في المعاني الجاهزة أو الأفكار الكبيرة.
وعلى نحو متخفف من كل ثرثرة، إن كان في الشكل أم في اللون، تظهر أعمال كريستين كيرتز (المشاركة/ الضيفة الوحيدة من بلد غير متوسطي) مشدودة إلى تلك الإشارات التشكيلية غير المغالية أو المتكلفة، من توظيف ذكي لعنصر الكاليغرافيا في حضورها ذي التوزيع الفضائي الشعري، ما يمنح الانطباع بأننا أمام رسائل حب شعرية.
أما أعمال توفيق الشيشاني، أصغر الفنانين المشاركين، فقد بقيت وفية لتلك الضربات المنفعلة
كريستين كيرتز، النمسا |
التي تحدثها الفرشاة فوق معظم مساحة القماشة، فيما احتفظ ببعض بوحه في أسفل اللوحة، وهو البوح الذي يظهر في شكل تخطيطات كاليغرافية مبهمة موزعة بشكل أنيق ومحسوبة بدقة فنية واضحة. وبنفحة لا تخلو من عمق، حافظ عمر بوركبة على تلك اللمسة الفنية التي اشتهرت بها أعماله، وهي اللمسة التي تعطي الانطباع بأنها حفر مضنٍ في مجاهل وخبايا الوجدان البشري، وما يعكسه من قلق وضياع الوجهة وسيادة الغموض في عالم بات يغلي فوق مرجل الصراع الأهوج.
أما أعمال سامي بنعامر، فقد جاءت شبيهة بأسلوب التوريق الذي تحفل به المنمنمات القديمة، عبر مضاعفة الموتيفات المتشابهة في حركة استيعادية، انطلاقا من فكرة أساسية يقوم الفنان بإخضاعها لمتواليات لونية وشكلية تنحو إلى تأكيد دلالتها.
ومن جهته، يسعى محمد أبو النجا، الذي يميل أكثر إلى الاشتغال على ورق يصنعه بنفسه، إلى المزج بين تقنيات متباينة ومواد مختلفة بهدف خلق هرمونية تشكيلية تراهن على المختلف، وفق تصور تجريدي يميل أكثر إلى استكناه مضمرات الأشياء. فيما يبقى محمد الجالوس في اقتراحه الجمالي منحازاً لشغفه بالمختلف ووفياً لفوضاه الخلاقة، التي تعكس، في العمق، فوضى العالم وعبثية الوجود أمام هشاشة الكائن وضعفه.
أما أحمد جاريد، الشغوف بالفكر الفلسفي والشطح الصوفي، وهو صاحب فكرة هذه الدورة، فقد ظل، في أعماله المنجزة لهذه المناسبة، قريباً من هواجسه الفنية وطموحاته الجمالية التي راهنت وتراهن على الاشتغال المتأني والدقيق على ما يبقى، أو بالأحرى، على ما تخلفه أقدام العابر المسكون بالأقصى والأقسى على حد سواء. من هنا ميله الواضح (حاله كحال علي راشد) إلى تقنية المحو بل والإمعان في تدمير الأثر، فيما يشبه تظليل العين الشغوفة بالامتلاء وإصابتها بخيبة أمل العثور على ما يضاعف كسلها المطمئن للمعنى.