بدأت تحركات واسعة داخل حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان، لإجراء جملة من التعديلات العاجلة على دستور البلاد، تتصل بالعملية الانتخابية المقررة في أبريل/نيسان من العام المقبل.
وعلمت "العربي الجديد " أن التعديلات تتّصل بخطة متكاملة للنظام الحاكم بشأن إدارة البلاد خلال الفترة المقبلة، عبر إقرار نظام لاستحداث منصب رئيس وزراء بصلاحيات محدودة، إضافة الى إلغاء عملية انتخاب حكّام الولايات، ومنح الرئاسة المركزية (رئيس الجمهورية) حق تعيينهم، لتلافي العصبيات المناطقية والقبلية التي ظهرت بشكل سافر إبان مؤتمرات الحزب الحاكم الخاصة باختيار مرشحيه لحكّام الولايات، الأمر الذي جعل النظام يقع في مأزق، ودفعه للبحث عن مخارج للحد من تشرذم الحزب.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير، وجّه برلمان بلاده الخميس للنظر في تعديلات عاجلة في الدستور الانتقالي، من دون أن يحدّد طبيعتها. ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى ضرورة مراجعة تجربة الحكم اللامركزي، التي قال إنها أظهرت ممارسات سلبية عند التطبيق، تمثّلت في تفشي الولاءات المناطقية، واستخدام العصبية القبلية للوصول الى مواقع السلطة، على حساب المهنية والكفاءة والمواطنة، الأمر الذي هدد بتأثيرات سلبية على السلم والأمن الاجتماعي بين مكوّنات المجتمع، وبزيادة وتيرة الصراعات القبلية.
وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فتعديل الدستور الذي سيتم عبر البرلمان باستحداث منصب رئيس الوزراء، سيأتي بالنائب الأول للرئيس السوداني بكري حسن صالح لهذا الموقع.
وكشفت مصادر لـ "العربي الجديد"، أن "المؤتمر الوطني" سيعرض على الأحزاب التي ارتضت الحوار، بينها "المؤتمر الشعبي" المعارض بزعامة حسن الترابي، وحركة "الإصلاح الآن" المعارضة برئاسة غازي صلاح الدين، إجراء الانتخابات العامة على مستوى رئاسة الجمهورية فقط، لمنع إحداث فراغ دستوري، على أن تُجرى الانتخابات على مستويات البرلمانات في وقت لاحق، وفقاً لتوافق تلك الأحزاب، الأمر الذي يتطلب تعديلاً في الدستور وقانون الانتخابات.
ويؤكد الأمين السياسي لـ "المؤتمر الشعبي" كمال عمر، في حديث لـ "العربي الجديد"، حصوله على معلومات تفيد بطرح الحزب الحاكم لذلك المقترح، معلناً رفض حزبه له، "لأننا ضد أي انتخابات تُجرى في الوقت الراهن على أي مستوى". ويقول عمر إن "منصب رئاسة الجمهورية مهم جداً، وإذا قبِلنا بالطرح فكأننا لم نفعل شيئاً، إذ يُفترض أن قضية الانتخابات برمتها تخضع للحوار، وليس جزءاً منها فقط".
وكان القيادي في الحزب الحاكم محمد الحسن، أكد في تصريحات سابقة، التمسّك بإجراء الانتخابات في موعدها، باستثناء انتخابات حكّام الولايات التي قال إنها خاضعة للنقاش.
ويرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ، أن اتجاه النظام لتعيين حكّام الولايات بدلاً من انتخابهم، هو بسبب وجود ولاة باتوا مركز قوة استناداً لوضعهم القبلي والعشائري، ويمكن أن يتسبب إعفاؤهم من مواقعهم بشكل مباشر، بمشاكل وعدم استقرار أمني.
ويوضح أبو الجوخ في حديث لـ "العربي الجديد"، أن "وجود هؤلاء الحكّام في مواقعهم لفترات طويلة، ترتّب عليه خلق تحالف بينهم وبين مجموعات معينة، الأمر الذي يُصعّب عملية إقالتهم خارج ترتيبات عامة تطيح بكافة الحكام".
ويعتبر عملية إقالتهم خطوة صحيحة، لكنه يرى أنها تحتاج لأن تتم في إطار خطوة أشمل، بإلغاء نظام الولايات والعودة لنظام الأقاليم، ولا سيما بعد إقرار النظام الحاكم بفشل تجربة الحكم اللامركزي، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه المساهمة في حل أزمة دارفور، والتي تطالب الحركات فيها بالعودة لنظام الإقليم.
كما يشير أبو الجوخ إلى أن إلغاء نظام الولايات سيُسهم في معالجة الوضع الاقتصادي، باعتبار أن نظام الـ18 ولاية أرهق الدولة والمواطن، ولا سيما وأنه قام على نظام الترضيات السياسية على حساب الخدمات.
أما في ما يتعلق باستحداث منصب رئيس الوزراء، يرى أبو الجوخ أن هذه الخطوة إذا ما تمت، ستحمل نظرة بعيدة في إطار التسوية السياسية المحتملة، موضحاً أن هذا الأمر، وعلى الرغم من أنه يأتي كجزء من ترتيبات داخلية للسلطة، إلا أنه يُعدّ خطوة بعيدة لاستيعاب القوى السياسية في مؤسسات الحكومة، باعتبار أن نموذج اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا" يصعب تكراره على مستوى السلطة في الرئاسة.
ويلفت إلى أن اتفاقية "نيفاشا" كانت تقوم على التسوية مع "الحركة الشعبية" بزعامة الراحل جون قرنق في العام 2005 على أساس مستويي حكم متوازيين، أما في الوضع الحالي فهو غير موجود، الأمر الذي يجعل نموذج النظام الكيني القائم على منصب رئيس الوزراء، هو الأنسب.