28 يناير 2024
تعويض عن عادل الجبير
هل في وسع المرء أن يطلب تعويضًا عن زمن جمعه بعادل الجبير؟ أعني زمنًا يشهد فيه كل هذه المهازل والانتكاسات العربية، وصولًا إلى وزير خارجيةٍ لم يمنعه ارتباكه من التصريح المعيب إن حركة حماس إرهابية، في معرض تسويغه أسباب الموقف العدائي الذي اتخذته "ثلة حرس الشرف" الخليجية المصرية من دولة قطر.
ولو شئنا التوسع في قائمة "التعويضات" المطلوبة عن أزمنةٍ جمعتنا بهؤلاء الساسة الذين يتربعون على صدورنا وإراداتنا، لاستطالت القائمة إلى أبعد مما نتخيّل. فمن حقي، مثلاً، أن أطالب بتعويض عن زمنٍ جمعني بأنور السادات الذي بدأ عهد التفريط والتنازلات القومية، باتفاقيات كامب ديفيد. ومن حقي التعويض عن زمن جمعني بالرئيس أبو مازن الذي حول منظمة التحرير الفلسطينية إلى حارس للمحتل على الشعب المحتل. ومن حقي التعويض عن زمنٍ جمعني بعبد الفتاح السيسي، الذي يُحسب له أنه نجح في وأد شعلة الربيع العربي الواعد، بانقلابه المشؤوم. ومن حقي التعويض عن زمن جمعني بطغمة من المستبدين العرب، ليس آخرهم بشار الأسد، بالتأكيد، الذين يقفون سدادات حاجبة في وجه شموس الحرية التي طال أمد انتظارها على شعوب طامحة بالتحرّر. ومن حقي التعويض عن زمنٍ عشت فيها نكسة حزيران 1967، ونكبة 1948، واحتلال العراق، وتقسيم الوطن العربي وتجزيئه إلى دويلاتٍ لا تقوى إلا عن الدفاع عن حدودها بوجه الشقيق فقط.
أتساءل: هل كان زمني عادلاً، حين وضعني إلى جانب عادل الجبير، أو مع كل أفراد هذه الطغمة ممن اختطفوا أحلامي، في مقابل شعوبٍ عاشت الكبرياء القومي والوطني حتى الثمالة، في عهود أخرى، لم يكن فيها أمثال الجبير والسيسي على رأس الهرم المتهالك؟
على هذا الغرار، أيضًا، هل يتساوى زمنا الحرب العالمية الثانية وما بعدها لجيلين أوروبيين عاشا النقيضين تمامًا؟ تلظّى الجيل الأول بزمن الرعب والدمار والإبادة والجوع والمعتقلات، فيما جنى الجيل الآخر ثمار الحرب حرية وديمقراطية وحقوق إنسان وتخمة ورفاهية، والأنكى أنه لا يشعر بأنه مدينٌ لجيل الحرب، إلا ببضعة تماثيل تكريمية لم تعد تعني له شيئًا، وهو يتنعم بثمار الزرع الدامي.
ولماذا يطلب من الإنسان الذي لم تكن له حرية اختيار زمنه أن يعتذر دومًا عن نفسه، وعن وجوده أحيانًا، بينما تظل الأزمنة المذنبة التي جمعته بأمثال أولئك بريئة؟
هي ليست أسئلة وجودية، بل أسئلة تطفو على وجه البركان، لا سيما في هذا الزمن العربي الذي شاء لنا أن نشهد أشد صنوف الذل القومي يوميًا، مع رموزٍ تمثلنا على المنابر، وتتحكّم بمصائرنا في أوكار التآمر، والمطلوب منا أن نسلمها الزمام حتى آخره، وأن نصفّق لها وهي تقرّر بالنيابة عنا نوع الأنشوطة الجديدة التي ستُحكم رباطها حول أعناقنا.
وعلى خلاف ما تحصده الشعوب الأوروبية من تجارب آبائها، يبدو أن الأجيال العربية وحدها من تحصد مراراتٍ أشدّ قسوةً من أجيالٍ سبقتها، لأن الطغاة العرب يمتلكون قدرة غريبة على التكيف في كل العصور، ولا يضيرهم أن يتحولوا أحيانًا إلى ضفادع وزواحف سياسية، تختبئ في بياتٍ زمنيّ طويل، إذا اضطرّتها ظروف المواجهة أن تختبئ، ثم سرعان ما تظهر مع زوال الأسباب، أشد قمعًا وفتكًا بشعوبها، ولا أدري حينها من سيكون مدينًا للاعتذار للآخر: جيل السلف أم جيل الخلف؟ ولربما كان شاعرنا القديم محقًا حين قال:
ربَّ يومٍ بكيتُ منه فلما/ صرتُ في غيره بكيتُ عليه
ذلك أن هذا الشاعر وحده تمكّن من حسم المستقبل العربي منذ عشرات القرون، فمنحنا بشرى الأزمنة المقبلة كلها، معتبرًا أنها لن تكون، بأي حالٍ، أفضل من الماضي.
عمومًا، لن أتنازل، هذه المرة، عن حقي بالتعويض كاملاً، وإذا لم يكن الزمن قادرًا على تعويضي، فسأتجه إلى الأسباب المباشرة لخيباتي القومية والوطنية، وسأقول لكل من أسهم بهذه الخيبات: "تبًّا لزمنٍ جمعني بكم".
ولو شئنا التوسع في قائمة "التعويضات" المطلوبة عن أزمنةٍ جمعتنا بهؤلاء الساسة الذين يتربعون على صدورنا وإراداتنا، لاستطالت القائمة إلى أبعد مما نتخيّل. فمن حقي، مثلاً، أن أطالب بتعويض عن زمنٍ جمعني بأنور السادات الذي بدأ عهد التفريط والتنازلات القومية، باتفاقيات كامب ديفيد. ومن حقي التعويض عن زمن جمعني بالرئيس أبو مازن الذي حول منظمة التحرير الفلسطينية إلى حارس للمحتل على الشعب المحتل. ومن حقي التعويض عن زمنٍ جمعني بعبد الفتاح السيسي، الذي يُحسب له أنه نجح في وأد شعلة الربيع العربي الواعد، بانقلابه المشؤوم. ومن حقي التعويض عن زمن جمعني بطغمة من المستبدين العرب، ليس آخرهم بشار الأسد، بالتأكيد، الذين يقفون سدادات حاجبة في وجه شموس الحرية التي طال أمد انتظارها على شعوب طامحة بالتحرّر. ومن حقي التعويض عن زمنٍ عشت فيها نكسة حزيران 1967، ونكبة 1948، واحتلال العراق، وتقسيم الوطن العربي وتجزيئه إلى دويلاتٍ لا تقوى إلا عن الدفاع عن حدودها بوجه الشقيق فقط.
أتساءل: هل كان زمني عادلاً، حين وضعني إلى جانب عادل الجبير، أو مع كل أفراد هذه الطغمة ممن اختطفوا أحلامي، في مقابل شعوبٍ عاشت الكبرياء القومي والوطني حتى الثمالة، في عهود أخرى، لم يكن فيها أمثال الجبير والسيسي على رأس الهرم المتهالك؟
على هذا الغرار، أيضًا، هل يتساوى زمنا الحرب العالمية الثانية وما بعدها لجيلين أوروبيين عاشا النقيضين تمامًا؟ تلظّى الجيل الأول بزمن الرعب والدمار والإبادة والجوع والمعتقلات، فيما جنى الجيل الآخر ثمار الحرب حرية وديمقراطية وحقوق إنسان وتخمة ورفاهية، والأنكى أنه لا يشعر بأنه مدينٌ لجيل الحرب، إلا ببضعة تماثيل تكريمية لم تعد تعني له شيئًا، وهو يتنعم بثمار الزرع الدامي.
ولماذا يطلب من الإنسان الذي لم تكن له حرية اختيار زمنه أن يعتذر دومًا عن نفسه، وعن وجوده أحيانًا، بينما تظل الأزمنة المذنبة التي جمعته بأمثال أولئك بريئة؟
هي ليست أسئلة وجودية، بل أسئلة تطفو على وجه البركان، لا سيما في هذا الزمن العربي الذي شاء لنا أن نشهد أشد صنوف الذل القومي يوميًا، مع رموزٍ تمثلنا على المنابر، وتتحكّم بمصائرنا في أوكار التآمر، والمطلوب منا أن نسلمها الزمام حتى آخره، وأن نصفّق لها وهي تقرّر بالنيابة عنا نوع الأنشوطة الجديدة التي ستُحكم رباطها حول أعناقنا.
وعلى خلاف ما تحصده الشعوب الأوروبية من تجارب آبائها، يبدو أن الأجيال العربية وحدها من تحصد مراراتٍ أشدّ قسوةً من أجيالٍ سبقتها، لأن الطغاة العرب يمتلكون قدرة غريبة على التكيف في كل العصور، ولا يضيرهم أن يتحولوا أحيانًا إلى ضفادع وزواحف سياسية، تختبئ في بياتٍ زمنيّ طويل، إذا اضطرّتها ظروف المواجهة أن تختبئ، ثم سرعان ما تظهر مع زوال الأسباب، أشد قمعًا وفتكًا بشعوبها، ولا أدري حينها من سيكون مدينًا للاعتذار للآخر: جيل السلف أم جيل الخلف؟ ولربما كان شاعرنا القديم محقًا حين قال:
ربَّ يومٍ بكيتُ منه فلما/ صرتُ في غيره بكيتُ عليه
ذلك أن هذا الشاعر وحده تمكّن من حسم المستقبل العربي منذ عشرات القرون، فمنحنا بشرى الأزمنة المقبلة كلها، معتبرًا أنها لن تكون، بأي حالٍ، أفضل من الماضي.
عمومًا، لن أتنازل، هذه المرة، عن حقي بالتعويض كاملاً، وإذا لم يكن الزمن قادرًا على تعويضي، فسأتجه إلى الأسباب المباشرة لخيباتي القومية والوطنية، وسأقول لكل من أسهم بهذه الخيبات: "تبًّا لزمنٍ جمعني بكم".