فجأةً، اكتشف الإعلام الفرنسي تغريداتٍ قديمة، تعود لفترة ما بين 2010 و2015، تملأها عنصرية ومعاداة للسامية، وخلفها شابٌّ من أصول عربية، من مواليد ضواحي سين- سان -دونيه.
الاكتشاف جاء بعد أن نجح هذا الشاب، وهو الصحافي والروائي مهدي مكلاط، الذي لم يتجاوز سن الرابعة والعشرين، إلى جانب شاب آخر هو بدر الدين سعيد عبد الله، (24 سنة، نيروبي بكينيا)، في عملهما الصحافي في موقع "بوندي-بلوغ" (تأسس سنة 2008 بعد انتفاضة الضواحي سنة 2005، ويهدف إلى إسماع صوت الضواحي)، ثم في "فرانس أنتير" (بفضل الصحافية باسكال كلارك، ما بين سنتي 2010 و2015)، ثم أخيرا في إصدار رواية ثانية "دقيقة" (بعد رواية أولى: "بورن أوت" Burn out) تعرف نجاحا متزايدا وتحظى بمديح نقدي لا غبار عليه.
ولعلّ تكريس مجلة "ليزانروكيبتيبل" الأسبوعية الثقافية موضوعها الرئيسي، والغلاف، لهذين الروائيين الشابين إلى جانب أيقونة اليسار السياسي، ووزيرة العدل السابقة، كريستيان توبيرا، ثم حضورهما في أهم البرامج الثقافية الفرنسية الحالية (Grande librairie)، ساهما، معاً، في التعجيل بعمليات "نهش" هذا الفتى، ومحاولة التخلص منه.
الفضيحة خرجت للعلن يوم الجمعة 17 فبراير/شباط، عبر نشر سيل من تغريدات على تويتر باسم مستعار (مارسلين ديشامب)، استخدمه مكلاط. وتتطرق التغريدات إلى مواضيع مختلفة، من اليهود إلى "شارلي إيبدو" إلى أسامة بن لادن وفينكلكروت وغيرها.
وقرّر مهدي سنة 2016 استعادة اسمه الحقيقي، غير أنه حافظَ على نفس حساب تويتر. وعلى الرغم من إقدامه على مسح كل تغريدات ما قبل2017، لكن لا شيء يمكن مسحه بشكل كامل في الشبكة.
اقــرأ أيضاً
وأمام حجم الانتقادات التي طاولته، قرر مهدي أن يشرح الأمر، فبدأ بنشر أربع تغريدات في تويتر، يوم السبت الماضي، قال فيها إنه واصل نشر تغريدات حتى سنة 2015 باسم مستعار، مارسلين ديشامب "جسّد فيه شخصية عنصرية ومعادية للسامية وكارهة للنساء وللمثليين"، لكنه استدرك بأن "تصريحات هذه الشخصية الخيالية لا تعبّر عن أفكاره، التي هي نقيض لما نُشِر". وأبدى اعتذاره إن كانت تغريداته قد صدمت البعض.
وأمام استمرار الانتقادات، نصحه بعض المقربين بإظهار المزيد من الاعتذار والندم. فأعلن، عبر حسابه على "فيسبوك"، أنه مصابٌ بشكل من "السكيزوفرينيا الفنية"، معترِفاً بأن شخصية ديشامب غير أخلاقية، فقد "كان شائنا وكارها للنساء ومعاديا للسامية، وعنصريا وإسلاموفوبيا ومعاديا للمثلية".
وعلى الرغم من هذا اللغط، إلا أن البعض من داعميه السابقين، وعلى رأسهم الصحافية باسكال كلارك، لم يتخلوا عنه نهائياً. فقد قالت كلارك إن الفتى كان يتّقد "شعرا وذكاء وإنسانية". من جهتها، أعلنت مجلة "ليزانروكيبتيبل" على لسان مديرها، بيير سيانكوفسكي، أنها "تنتظر اعتذارات مهدي مكلاط لتُنير الجزء المعتم الذي تَنزعُ نحوه تغريداته المشينة".
كما أن موقع "بوندي-بلوغ" الذي أطلق موهبة مهدي، أكد أنه "لن يمنح أي ضمانة لخطابات عنصرية أو معادية للسامية أو للمرأة أو للمثليين.. أو أي خطاب تمييز ووصم حتى لو استخدم رنة الفكاهة".
وكان مذيع البرنامج الثقافي، الذي استضاف مهدي، فرانسوا بونيل، في القناة الفرنسية الخامسة، بالغ الحرج، واعترف بأنه "لم يكن أبدا ليوجّه الدعوة إلى مهدي لو علم بما جرى من قبل".
أما الوزيرة كريستان توبيرا، فبرّأت مجلَّةَ "ليزانروكيبتيبل" من أي ذنب، واعتبرت أن "المجلة لو كانت على علم بتغريدة واحدة من هذه التغريدات لما جاءتها فكرة اقتراح هذا اللقاء"، لأنهم "يعرفون أن لا مجال للنقاش حول هذه القضايا". ومعتبرة أنه "لا يمكن الدفاع عن مثل هذه المبالغات اللفظية". وإذ أخذتْ توبيرا بعين الاعتبار سنّ مهدي، إلا أنها طالبته "بمساءلة قوية للنفس".
اقــرأ أيضاً
ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، تبرير خطابات مهدي. وعلى كل حال، فقد أدانها صاحبها، واعتذر، وهو مدعوّ إلى الاعتذار مرات ومرات. ولكن العديد من وسائل الإعلام عبرت عن فرحتها. كما أن جمعيات مناهضة للعنصرية ومعاداة السامية، ومن بينها "ليكرا"، المعروفة بقربها من الدوائر اليهودية، كانت سبّاقة إلى تقديم شكوى لدى للقضاء الفرنسي، الذي، في حال إدانة مهدي، ستنتظره غرامة مالية ضخمة.
وقد كرّست المنابر الإعلامية اليمينية، من "لوفيغارو" و"لوباريزيان" و"لوبوان" وأيضا موقع "كوزور" الصهيوني، ومجلة "ماريان"، مقالات طويلة ضد مهدي، ومن خلاله ضد اليسار وضد كل الجمعيات والأحزاب التي تناهض العنصرية والإسلاموفوبيا.
عنوان مجلة "كوزور"، ذات الميول الصهيونية الواضحة، كان: "مهدي ينتشي، ونظرية "الاستبدال الكبير" تمرّ"، وهي إشارة إلى نظرية رونو كامو، والتي أدين بسببها، سنة 2014، بتهمة التحريض على كراهية المسلمين.
وإذا كانت مجلة "ماريان" ترى أن اليمين المتطرف سيستفيد من قضية مهدي لينشر سمومه، إلا أنها ترى أن "المسؤول هو وسائل الإعلام التي جعلت من مهدي فتاها المدلل، وليس مسؤولية من عرّاه وأظهره للعلن". ومضى مسؤول ماريان، جاك ديون، في مقاله: "لو أن متعاطفا مع الجبهة الوطنية كتب ولو عُشر ما نشره مهدي، في تغريداته، فإن ليزانروكيبتيبل ولوموند وميديا بارت وليبراسيون وبوندي-بلوغ، كانت سترى فيها البرهان الواضح على حيوية عالم الفاشية في الشبكة". لكن، يواصل مسؤول "ماريان"، جاك ديون "بما أن الأمر يتعلق بفتى، وممثل لـ"أقلية"، وبرجل يقول أسوأ ممّا يمكن أن نعثر عليه تحت قلم حورية بوثلجة، مُلهِمة "حزب أهالي الجمهورية"، فإن التبجيل يكون صارما".
أما مجلة "لوبوان"، فقد انتقدت بشدة مواقف وتغريدات مهدي في مقال لها: "أيقونة الضواحي أم معاداة سامية حاقدة؟".
من جانبه، نشر موقع "ميديا بارت"، الذي كان سبّاقاً لتشجيع موهبة مهدي وأقرانه، اعترافاً: "لقد ساهم مهدي مكلاط، عبر تغريداته، بطريقة مؤسفة، في نزع القيمة عن كلام منحدر من الأحياء حول تحديد الجمهورية والعيش المشترك والذي هو مختلف عن التحديد الذي يتخيله عالَمُ الفاشية وعالم الرجعية، ومختلف أيضا عن الصُوَر التي تعلن عن انتمائها لليسار. وحتى تكونَ الخسائرُ الجانبيّة محدودةً، يجب أن نكون صارمين حول الطابع غير القابل للدفاع عنه لهذه الكتابات الماضية، وأيضا صارمين حول رفض التشويش والخلط الذي يغرق فيهما البعضُ، اليوم، بكثير من الشَرَه".
ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بمآل القضية، ولا بالضرر الذي ستتسبب فيه على حياة وإبداع هذا الكاتب الموهوب، ولا على الجالية العربية والإسلامية والضواحي، لأن اليمين والدوائر الصهيونية سيحاولان، إلى أقصى حد، استثمار ما وصفته صحيفة "ليبراسيون" بـ"هدية سماوية لعالَم الفاشية في الشبكة".
ولعلّ تكريس مجلة "ليزانروكيبتيبل" الأسبوعية الثقافية موضوعها الرئيسي، والغلاف، لهذين الروائيين الشابين إلى جانب أيقونة اليسار السياسي، ووزيرة العدل السابقة، كريستيان توبيرا، ثم حضورهما في أهم البرامج الثقافية الفرنسية الحالية (Grande librairie)، ساهما، معاً، في التعجيل بعمليات "نهش" هذا الفتى، ومحاولة التخلص منه.
الفضيحة خرجت للعلن يوم الجمعة 17 فبراير/شباط، عبر نشر سيل من تغريدات على تويتر باسم مستعار (مارسلين ديشامب)، استخدمه مكلاط. وتتطرق التغريدات إلى مواضيع مختلفة، من اليهود إلى "شارلي إيبدو" إلى أسامة بن لادن وفينكلكروت وغيرها.
وقرّر مهدي سنة 2016 استعادة اسمه الحقيقي، غير أنه حافظَ على نفس حساب تويتر. وعلى الرغم من إقدامه على مسح كل تغريدات ما قبل2017، لكن لا شيء يمكن مسحه بشكل كامل في الشبكة.
وأمام حجم الانتقادات التي طاولته، قرر مهدي أن يشرح الأمر، فبدأ بنشر أربع تغريدات في تويتر، يوم السبت الماضي، قال فيها إنه واصل نشر تغريدات حتى سنة 2015 باسم مستعار، مارسلين ديشامب "جسّد فيه شخصية عنصرية ومعادية للسامية وكارهة للنساء وللمثليين"، لكنه استدرك بأن "تصريحات هذه الشخصية الخيالية لا تعبّر عن أفكاره، التي هي نقيض لما نُشِر". وأبدى اعتذاره إن كانت تغريداته قد صدمت البعض.
Twitter Post
|
Twitter Post
|
وأمام استمرار الانتقادات، نصحه بعض المقربين بإظهار المزيد من الاعتذار والندم. فأعلن، عبر حسابه على "فيسبوك"، أنه مصابٌ بشكل من "السكيزوفرينيا الفنية"، معترِفاً بأن شخصية ديشامب غير أخلاقية، فقد "كان شائنا وكارها للنساء ومعاديا للسامية، وعنصريا وإسلاموفوبيا ومعاديا للمثلية".
Facebook Post |
وعلى الرغم من هذا اللغط، إلا أن البعض من داعميه السابقين، وعلى رأسهم الصحافية باسكال كلارك، لم يتخلوا عنه نهائياً. فقد قالت كلارك إن الفتى كان يتّقد "شعرا وذكاء وإنسانية". من جهتها، أعلنت مجلة "ليزانروكيبتيبل" على لسان مديرها، بيير سيانكوفسكي، أنها "تنتظر اعتذارات مهدي مكلاط لتُنير الجزء المعتم الذي تَنزعُ نحوه تغريداته المشينة".
كما أن موقع "بوندي-بلوغ" الذي أطلق موهبة مهدي، أكد أنه "لن يمنح أي ضمانة لخطابات عنصرية أو معادية للسامية أو للمرأة أو للمثليين.. أو أي خطاب تمييز ووصم حتى لو استخدم رنة الفكاهة".
وكان مذيع البرنامج الثقافي، الذي استضاف مهدي، فرانسوا بونيل، في القناة الفرنسية الخامسة، بالغ الحرج، واعترف بأنه "لم يكن أبدا ليوجّه الدعوة إلى مهدي لو علم بما جرى من قبل".
أما الوزيرة كريستان توبيرا، فبرّأت مجلَّةَ "ليزانروكيبتيبل" من أي ذنب، واعتبرت أن "المجلة لو كانت على علم بتغريدة واحدة من هذه التغريدات لما جاءتها فكرة اقتراح هذا اللقاء"، لأنهم "يعرفون أن لا مجال للنقاش حول هذه القضايا". ومعتبرة أنه "لا يمكن الدفاع عن مثل هذه المبالغات اللفظية". وإذ أخذتْ توبيرا بعين الاعتبار سنّ مهدي، إلا أنها طالبته "بمساءلة قوية للنفس".
ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، تبرير خطابات مهدي. وعلى كل حال، فقد أدانها صاحبها، واعتذر، وهو مدعوّ إلى الاعتذار مرات ومرات. ولكن العديد من وسائل الإعلام عبرت عن فرحتها. كما أن جمعيات مناهضة للعنصرية ومعاداة السامية، ومن بينها "ليكرا"، المعروفة بقربها من الدوائر اليهودية، كانت سبّاقة إلى تقديم شكوى لدى للقضاء الفرنسي، الذي، في حال إدانة مهدي، ستنتظره غرامة مالية ضخمة.
وقد كرّست المنابر الإعلامية اليمينية، من "لوفيغارو" و"لوباريزيان" و"لوبوان" وأيضا موقع "كوزور" الصهيوني، ومجلة "ماريان"، مقالات طويلة ضد مهدي، ومن خلاله ضد اليسار وضد كل الجمعيات والأحزاب التي تناهض العنصرية والإسلاموفوبيا.
عنوان مجلة "كوزور"، ذات الميول الصهيونية الواضحة، كان: "مهدي ينتشي، ونظرية "الاستبدال الكبير" تمرّ"، وهي إشارة إلى نظرية رونو كامو، والتي أدين بسببها، سنة 2014، بتهمة التحريض على كراهية المسلمين.
وإذا كانت مجلة "ماريان" ترى أن اليمين المتطرف سيستفيد من قضية مهدي لينشر سمومه، إلا أنها ترى أن "المسؤول هو وسائل الإعلام التي جعلت من مهدي فتاها المدلل، وليس مسؤولية من عرّاه وأظهره للعلن". ومضى مسؤول ماريان، جاك ديون، في مقاله: "لو أن متعاطفا مع الجبهة الوطنية كتب ولو عُشر ما نشره مهدي، في تغريداته، فإن ليزانروكيبتيبل ولوموند وميديا بارت وليبراسيون وبوندي-بلوغ، كانت سترى فيها البرهان الواضح على حيوية عالم الفاشية في الشبكة". لكن، يواصل مسؤول "ماريان"، جاك ديون "بما أن الأمر يتعلق بفتى، وممثل لـ"أقلية"، وبرجل يقول أسوأ ممّا يمكن أن نعثر عليه تحت قلم حورية بوثلجة، مُلهِمة "حزب أهالي الجمهورية"، فإن التبجيل يكون صارما".
أما مجلة "لوبوان"، فقد انتقدت بشدة مواقف وتغريدات مهدي في مقال لها: "أيقونة الضواحي أم معاداة سامية حاقدة؟".
من جانبه، نشر موقع "ميديا بارت"، الذي كان سبّاقاً لتشجيع موهبة مهدي وأقرانه، اعترافاً: "لقد ساهم مهدي مكلاط، عبر تغريداته، بطريقة مؤسفة، في نزع القيمة عن كلام منحدر من الأحياء حول تحديد الجمهورية والعيش المشترك والذي هو مختلف عن التحديد الذي يتخيله عالَمُ الفاشية وعالم الرجعية، ومختلف أيضا عن الصُوَر التي تعلن عن انتمائها لليسار. وحتى تكونَ الخسائرُ الجانبيّة محدودةً، يجب أن نكون صارمين حول الطابع غير القابل للدفاع عنه لهذه الكتابات الماضية، وأيضا صارمين حول رفض التشويش والخلط الذي يغرق فيهما البعضُ، اليوم، بكثير من الشَرَه".
ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بمآل القضية، ولا بالضرر الذي ستتسبب فيه على حياة وإبداع هذا الكاتب الموهوب، ولا على الجالية العربية والإسلامية والضواحي، لأن اليمين والدوائر الصهيونية سيحاولان، إلى أقصى حد، استثمار ما وصفته صحيفة "ليبراسيون" بـ"هدية سماوية لعالَم الفاشية في الشبكة".