تغطية أحداث الثورة: كلّ شيء سوري... روتيني

15 مارس 2015
طفل ووالدته في تركيا بعد لجوئهم من سورية (الأناضول)
+ الخط -
مع بداية الثورة السورية في 15 آذار/مارس 2011 شكل الحدث السوري نقطة استقطاب لمعظم وسائل الإعلام في العالم، وأفردت وكالات الإعلام الكبرى ووسائل الإعلام المختلفة حول العالم مساحات كبيرة من تغطيتها الإعلامية لأحداث الثورة السورية.

استهداف الصحافيين

إلا أن طرد النظام معظم مراسلي وسائل الإعلام الغربية والعربية من سورية، جعل تلك الوسائل تعتمد على الناشطين المحليين في نقل ما يجري من أحداث، سواء من خلال الصور والفيديوهات أو من خلال الرسائل الإخبارية.

ومع دخول الثورة طور التسليح وسيطرتها على بعض المناطق في سورية مع بداية السنة الثانية، بدأت بعض وسائل الإعلام العالمية تبعث بمراسليها إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. حينها، ظهرت تقارير أكثر موضوعية عن الوضع السوري. إلا أن هذه الحالة لم تدم طويلاً مع دخول التنظيمات الجهادية إلى تلك المناطق وانتشار حالات خطف الصحافيين الأجانب، الأمر الذي دفع بمعظم وسائل الإعلام إلى الامتناع عن إرسال كوادرها إلى الداخل السوري، ليقتصر الأمر على بعض الصحافيين المغامرين الذين يعملون بشكل حر.
إلا أن اشتداد الخطر على الصحافيين داخل مناطق سيطرة المعارضة، جعل الداخل السوري شبه خال من مراسلي وسائل الإعلام الأجنبية، ما عدا مراسلي بعض الوسائل المؤيدة للنظام المتواجدة في مناطق سيطرته.

إقرأ أيضاً: دروس العام الرابع للثورة السورية... وملامح السنة الخامسة

روتينيّة الخبر

وبقي الحدث السوري في صدارة واجهة الأخبار في معظم وسائل الإعلام حتى نهاية السنة الثانية من الثورة. عندها، خفّضت الوكالات ووسائل الإعلام الغربية من المساحات المخصصة لديها للحدث السوري، حتى تلاشى الخبر شيئا فشيئا من تغطياتها. تبعتها القنوات العربية والتي قلّصت تغطيتها في السنة الثالثة للثورة، لتبدأ تاليًا بإلغاء البرامج والتغطيات الخاصة بالثورة السورية في منتصف السنة الرابعة، ليصبح الخبر السوري في الدرجة الثالثة أو الرابعة من الأهمية ضمن تغطياتها.

وساهمت مجموعة من العوامل في تقليص حجم التغطية للحدث السوري في معظم وسائل الإعلام. أهم تلك، تحول الحدث السوري إلى حدث "روتيني"، بفعل القتل اليومي الذي تحول
إلى مجرد أرقام لم تعد مهمة ما لم تتعد حاجزًا معينًا. ففي بداية الثورة كان قتل خمسة مدنيين خبر يتصدر كل وسائل الإعلام، ليصبح في السنة الرابعة مقتل خمسين شخصًا يوميًا حدثًا اعتياديا غير مغرٍ لكثير من الوسائل. كما أن تركيز الناشطين على نقل أخبار المعارك والتي تحولت في معظمها إلى أخبار متشابهة، وإهمال أخبار المدنيين المتضررين منها، ساهم في تقلص حجم التغطية.

إلا أن السبب الرئيسي في تقلص حجم التغطية هو طغيان الطابع الإسلامي الجهادي على المشهد العام للثورة الذي ساهمت بعض القنوات في تكريسه، من خلال التركيز على نقل صور الأعلام السوداء والمقاتلين الذين يرتدون الزي الشيشاني (اللباس الذي يرتديه مقاتلو القاعدة) بالإضافة إلى أن إعلام النظام سعى جاهدا لتكريس هذه الصورة عن الثورة.

أما بالنسبة للإعلام السوري فخلال السنة الأولى من الثورة السورية، لم تكن هناك من وسائل إعلام سورية تغطي أخبار الثورة سوى قناة الأورينت التي تبث من الإمارات المتحدة، وكرست معظم مساحة بثها لتغطية أخبار الثورة، وبعض المواقع الإلكترونية كموقع زمان الوصل الذي استطاع أن يتطور بشكل ملحوظ خلال سنوات الثورة، وموقع كلنا شركاء الذي اتجه نحو صحافة صفراء تتبنى أية إشاعة، لتظهر مع بداية السنة الثانية بعض وسائل الإعلام البديل، من صحف وإذاعات ومواقع إلكترونية، التي اعتمدت في معظمها على الناشطين الإعلاميين والتي تطور أداؤها لتصبح تغطيتها أكثر مهنية مع تلقي كوادرها العديد من الدورات من خلال المنظمات التي تدعم الإعلام، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من أن تشكل مصدرا للمعلومة لدى جمهورها المستهدف ولدى وسائل الإعلام الأخرى.

إقرأ أيضاً: أربعُ سنوات كاملة من الترحال واللجوء

النظام فرض تحريضه

أما إعلام النظام فقد تعامل في بداية الثورة مع مجرياتها، وكأنها غير موجودة. وكان ينشر عبر وسائله الرسمية والوسائل المقربة منه الأخبار، والتقارير التي تتحدث عن الأمن والاستقرار والحياة الطبيعية. وكان إعلام النظام يُشير إلى أن هناك قنوات مغرضة تنشر أخبارا كاذبة، وتسعى لزعزعة استقرار البلد وهي مرتبطة بمؤامرة كونية تحاك ضد البلد.

ومع تسارع الأحداث وعدم قدرة النظام على الإنكار، انتقل إلى الحديث عن عصابات مسلحة
مرتبطة بالخارج، وإرهابيين يروعون المواطنين الآمنين. وكان في الوقت ذاته يحاول صيد أخطاء القنوات الأخرى التي تغطي الأحداث. كما عمل على تشويه أية صورة ذهنية تعبر عن الثورة، فكان يحارب الصور التي تنشر عن المظاهرات بفبركة صور مسلحين داخل مظاهرة.

واعتمد أيضاً على ظاهرة الفيديوهات التي كان يسربها عمدًا، لتتلقفها القنوات الأخرى، والتي تتضمن حالات تعذيب بطرق انتقامية أو استهزاء بالمقدسات أو برموز دينية، أو تحريض طائفي، وذلك بهدف تحفيز جمهور الثورة على أن يتحول عن سلميته ويذهب باتجاهات متطرفة. ونجح النظام إلى حد كبير في تحويل جزء من الإعلام المنحاز للثورة إلى إعلام ردات فعل على إعلامه وتسريباته. ومع ظهور التنظيمات السلفية الجهادية في سورية روّج إعلام النظام إلى أنه يحارب الإرهاب وأن ما من بديل له سوى تنظيمي القاعدة وداعش.

إقرأ أيضاً: إيران في سورية: من حليف إلى داعم... فحاكِم

"الجزيرة" و"العربية": القناتان الأبرز

وساهم انفصال القوى السياسية التي تتحدث باسم الثورة عن العمل الثوري على الأرض، وانعدام الحامل السياسي للثورة بانعدام الحامل الإعلامي لها، إذ أخذت دور هذا الحامل القناتين العربيتين الرئيسيتين (الجزيرة، والعربية)، اللتين أفردتا الجزء الأكبر من مساحات بثهما للحدث السوري خلال السنوات الثلاث الأولى للثورة. بالرغم من وجود قناة "الأورينت" التي حولت معظم بثها لتغطية أحداث الثورة السورية. إلا أن الدور الأكبر في تغطية الأحداث وتوجيه
الرأي العام داخل سورية، ونقل صورة ما يجري للعالم الخارجي كان للجزيرة والعربية، اللتين تفاعل معهما الثوار، وراح المتظاهرون، يرفعون شعارات ضمن المظاهرات تتضمن عبارات الشكر للقناتين على تغطيتهما للأحداث في سورية.

وبالرغم من الدور الكبير لهاتين القناتين في نقل صورة ما يجري من أحداث في سورية للعالم الخارجي، وكسر احتكار النظام لنقل هذه الأحداث، والتأثير الكبير لهما على الرأي العام في الداخل السوري، لكنّ دور الحامل الإعلامي للثورة السورية ساهم في نقلهما صورًا عن الثورة السورية، قد لا تتوافق بالضرورة مع حقيقتها وأهدافها. وساهم في تلميع شخصيات عبر شاشاتها، قد يكون توجهها الفكري متوافقًا مع سياسة تلك القنوات أكثر من توافقه مع فكر الثورة.

إقرأ أيضاً: الدراما السوريّة: حكايات صمت عن الكلام المباح

استغلال الناشطين الإعلاميين

منذ بداية الثورة، كان للناشطين الإعلاميين، الفضل الأبرز في نقل المعلومات من سورية، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لكنّ معظم وسائل الإعلام التي غطت الأحداث في
سورية، فضلت الاعتماد على الناشطين الإعلاميين أكثر من اعتمادها على صحافيين محترفين، رغم وجود الكثير منهم في الداخل السوري، خاصةً خلال السنوات الأولى للثورة.

واعتمد الكثير من وسائل الإعلام سياسات خاصة تقوم على اعتماد مواطنين غير محترفين في تغطياتها، من خلال طرحها فكرة المواطن الصحافي أو الناشط الإعلامي، وذلك لمجموعة من الأسباب أهمها أن الناشط الإعلامي لا يطلب مقابلا ماديا كبيرا كصحافي محترف يغطي في منطقة نزاع، فكان المقابل المادي لعمل الناشطين يصرف على شكل مكافآت رمزية بدلاً من الراتب، وأحيانا تكتفي بعض الوسائل بتزويد الناشط ببعض المعدات كالكاميرا أو اللابتوب مقابل التغطية.

كما أن وسائل الإعلام في حالة الناشط الإعلامي لا تتحمل مسؤولية المخاطر التي يتعرض لها مراسلها الناشط، وهي غير معنية بتوفير وسائل السلامة المهنية له، لذلك تعرّض الكثير من الناشطين الإعلاميين لمخاطر الإصابة ومنهم من مات بسبب اندفاعه الكبير، وعدم تأمين وسائل حماية له. ويضاف إلى ذلك أن بعض الوسائل ابتعدت عن الموضوعية في تغطيتها، وكانت تفضل الناشطين بسبب سهولة توجيههم للتغطية بما يتوافق مع سياسة الوسيلة.


إ
قرأ أيضاً: 
سورية: ارفع علم ثورتك