في الآونة الأخيرة، ازداد عدد التقارير المصورة التي تبثها قنوات النظام السوري لتغطية الجرائم في مناطق سيطرة النظام. وتحوّلت إلى المادة الإعلامية الأكثر تداولاً بين السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن ارتفع معدل الجرائم في سورية بشكل ملحوظ، كنتيجة طبيعية للحالة الاقتصادية المتردية التي يعيشها المجتمع السوري الذي باتت غالبيته تحت خط الفقر.
تركّز معظم التقارير على جرائم القتل والاغتصاب، لكن اللقاءات التي ترصد الحكاية كاملةً على لسان مرتكبي الجرائم وضحاياهم تبين أن الدافع الرئيسي الذي أدى لارتكاب الجريمة هو السرقة. كما هو الحال في تقرير "جريمة بيت سحم"، التي تحولت لترند الأسبوع الماضي، حيث أقدم مجرمان على قتل عائلة مكونة من خمسة أفراد واغتصاب الزوجة وحرق المنزل بدافع سرقة 100 دولار. ورغم أن سبب تفشي الجريمة واضح للعيان، إلا أن معدي التقارير يسعون جاهدين لتبرئة الحكومة السورية من أي مسؤولية؛ وذلك من خلال الإشارة إلى أن مرتكبي الجرائم يعملون ويكسبون ما يكفيهم للعيش برغد، ومن خلال التأكيد على الدور الإيجابي الذي تلعبه أجهزة الأمن لمحاسبة الخارجين عن القانون.
وحتى في هذه التقارير التي تستمد محتواها من جرائم حدثت في مناطق سيطرة النظام السوري، يصر إعلام النظام على الترويج لفكرة أن سورية لا تزال "بلد الأمن والأمان"، إذ تشير معظم التقارير إلى أن السلطات السورية ألقت القبض على المجرمين أثناء محاولتهم الهروب إلى إدلب، والتي يتعاطى معها إعلام النظام السوري على أنها بؤرة تجمع كل الإرهابيين والخارجين عن القانون، وفي كثير من الأحيان تتم الإشارة إلى أن المجرمين "تسللوا إلى الأراضي السورية حديثاً بطريقة غير شرعية".
ولا يكتفي إعلام النظام السوري بذلك، بل إنه يستثمر هذه التقارير والحوادث المفجعة التي يتعرض لها المواطنون للتأكيد على "محبة الشعب" لرئيس النظام بشار الأسد، وذلك من خلال زرع صور للأسد في بيوت بعض الضحايا التي يتم تصوير بعض التقارير فيها؛ كما هو الحال في التقرير الذي تم إعداده عن جريمة قتل واغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من عمرها بداية الشهر الجاري، إذ تم تصوير التقرير في منزل الضحية، وعُلقت وراء الأب والأم المفجوعين بموت ابنتهما صورة للأسد.
وأما فيما يتعلق بالأسئلة التي يتم توجيهها للمجرمين في التقارير المصورة، فهي لم تخرج من الإطار الهزلي للبرنامج السوري الأقدم المعّد لتغطية الجرائم: "الشرطة في خدمة الشعب"ـ إذ لا يزال مقدمو التقارير يطرحون ذات الأسئلة الخالية من المعنى، مثل "هل أنت نادم؟" و"ما شعورك وأنت تطل على التلفزيون بسبب جريمة ارتكبتها؟" و"ما هي الرسالة التي توجهها للناس الذين يفكرون بارتكاب جرائم مشابهة؟" ليُكرّر المجرمون الأجوبة ذاتها، والتي تتلخص بندمهم الشديد على فعلتهم، وتنتهي بنصيحة لعدم تورط الآخرين في ارتكاب جرائم أخرى، مع إشادة بكفاءة أجهزة الأمن التي لن يفلت منها أي مجرم.
الاختلاف الوحيد الذي طرأ على هذا النوع من التقارير التي سبق أن انتقدتها الدراما السورية في العديد من الأعمال، مثل "مرايا"، بسبب تشويهها لسمعة العديد من العائلات السورية؛ هو أن التقارير الحديثة تغبش صورة المجرمين، لكن هذا التغيير لا قيمة له، إذ يتم ذكر اسم المجرم كاملاً ضمن التقرير، وفي بعض الأحيان يتم ذكر اسم الأب ومكان السكن.
وعلى الرغم من رداءتها ومغالاتها في تعظيم صورة رجال الأمن والشرطة، فإن هذه التقارير تنجح في كسب تعاطف المشاهد مع الضحايا؛ عبر تجاوز الأسئلة المكررة والخالية والرسائل السياسية المبطنة، كما الموسيقى الحزينة الرديئة المرافقة للشهادات.