بدا صباح اليوم، عاديا كغيره من الصباحات السابقة، في حياة عمال شركة السادس من أكتوبر للاستثمار والتنمية الزراعية، إذ أقلتهم الحافلة إلى مكان عملهم في الثامنة والنصف صباحاً، في مشروعات الشركة المحاذية لطريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوي، التي تقع على جهة اليسار في طريق القادمين من القاهرة.
عقب قرابة 45 دقيقة، سمع سالم أبو ناجع، أحد عمال مشروع شركة 6 أكتوبر الزراعي، صوتاً عالياً على مسافة كيلومتر، أخذت قوة الصوة تزداد، كما قال أبو ناجع في شهادته على الحدث، لـ"العربي الجديد"،"بدا الصوت واضحا كطائرة تقترب من الهبوط على الأرض"، يقول أبو ناجع، متابعا أنه ورفاقه الأربعة، ظنوا من شدة صوت الطائرة المقترب من الأرض، أنها ستقوم باستهدافهم، ما جعلهم ينبطحون أرضاً من شدة الخوف.
يضيف أبو ناجع الذي ينتمي إلى قبيلة المعازة، "الطفل في قبائل البدو، يعرف عندما تمر طائرة، أو تقترب من الأرض، عليك أن تنبطح أرضا، او تختبئ وراء ساتر، المهم أن تخفي نفسك عن الطائرات".
في تمام الساعة العاشرة و41 دقيقة، أعلنت صفحة المتحدث العسكري المصري الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، عن الحادث، في منشور مقتضب، جاء فيه، "في تمام الساعة 9.25 من صباح اليوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، وأثناء قيام طائرة هليكوبتر بمهام الاستطلاع والتأمين الجوي المخطط، حدث عطل فني مفاجئ أدى إلى سقوطها بمنطقة مزارع 6 أكتوبر، على طريق القاهرة-الإسماعيلية، مما أسفر عن إصابة طاقم الطائرة بإصابات مختلفة وتم نقلهم إلى المستشفى لتلقى العلاج اللازم".
ويمتلك الجيش المصري، 321 طائرة مروحية، من أهم أنواعها، إي إتش 64 أباتشي الأميركية ، مي 8 الروسية، أيروسباسيال غازيل الفرنسية.
اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟
موقع الحادث
تبعد منطقة مشروع شركة السادس من أكتوبر (موقع الحادث)، عن القاهرة مسافة 80 كيلومتراً، وعن محافظة الإسماعيلية 60 كيلومتراً، ويقطن في المنطقة، قبائل بدوية، أشهرها (الدواغرة -الترابين – المعازة). وتعيش قبائل الدواغرة والمعازة والترابين، في مناطق القصاصين الجديدة والمحسمة والبعالوة ووادي الملاك والكيلو 11 ومنطقة الدواويس، التي تبعد خمسة كيلومترات عن مكان الحادث وتقع جميع تلك المناطق في محافظة الإسماعيلية، شمال شرقي مصر، ويتراوح تعداد كل قبيلة في تلك المناطق، بين 20 إلى 30 ألف نسمة، وفقا لأرقام تقريبية لناشطين محليين تحدثوا لـ"العربي الجديد".
أما شركة السادس من أكتوبر للتنمية الزراعية، والتي وقع الحادث على أرضها فأنشئت عام 1980، وآلت ملكيتها إلى عدد من المستثمرين المصريين، قبل أن تستحوذ هيئة الاستثمار الليبية عام 2004 على 97% من أسهمها، ويبلغ رأسمالها المرخص مليار جنيه، والمصدر 500 مليون، ويضم مجلس إدارتها سبعة أعضاء، بينهم 5 خمسة ليبيين ومصريان.
ويمتد زمام أراضي شركة السادس من أكتوبر للاستثمار والتنمية الزراعية على مسافة 11 كيلومتر على طريق مصر-إسماعيلية الصحراوي بمساحة تتعدى 33 ألف فدان، أقيم عليها أكبر مشروع زراعي تنموي، وتعتبر أهم الاستثمارات الليبية على أرض مصر، لإنتاج محاصيل عالية الجودة، وتستحوذ على 40% من صادرات مصر للبطاطس، بالإضافة إلى إنتاجها الغزير من القمح والبرتقال والبصل والخوخ والمشمش وغيرها من المحاصيل.
اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية
شهود العيان
عماد جمعة، أحد شهود العيان، ينتمي إلى قبيلة المعازة التي تقطن المنطقة، تداخل في حديث سالم أبو ناجع حول تفاصيل الحادثة، قائلا "أثناء انبطاحنا على الأرض، خوفاً من صوت الطائرة، تداخل صوت الطائرة مع صوت اصطدام قوي بالأرض".
ويتابع موضحا "بعد سماع صوت ارتطام الطائرة بالأرض بدقائق، نهضنا لاستطلاع ما يحدث، وحقيقة الصوت الذي نسمعه للمرة الأولى في حياتنا، شاهدنا دخان ينبعث من طائرة سقطت على الأرض على مسافة كيلومتر من مكان المشروع، بدت الطائرة عسكرية".
يزيد سليمان جبر على حديث رفاقه، أنهم توجهوا مسرعين نحو الطائرة، التي سقطت بعد مجادلات دارت بينهم، هل يذهبون إلى مكان الطائرة المنكوبة أم لا. حسم القرار بالذهاب عقب ربع ساعة تقريبا بحسب تقديراتهم، كانوا في مكان الحادث، تجمع العمال حول الطائرة، كما يقول جبر.
يتابع "هرع أحد المتواجدين في المكان لحظة وقوع الحادث، بدراجته النارية (موتوسيكل) نحو بوابة رسوم (كارته) الإسماعيلية لإبلاغ قوات التأمين من الجيش والشرطة المتمركزة هناك، والذين كانوا قد تحركوا بالفعل نحو الحادث بعد رؤيتهم للمشهد من بعيد".
عقب وصول القوات الأمنية، أقامت طوقا أمنيا حول الطائرة، ومنعت التصوير، وحاول بعضهم إخراج من كانوا بداخلها من المصابين، فقد رأى العامل جبر منهم، ثلاثة أشخاص يرتدون الزي العسكري، وسرعان ما طلبت الجهات الأمنية الموجودة، انصراف الموجودين من العامة، كل إلى مكان عمله.
اقرأ أيضا: نيران صديقة في مصر..4 وقائع موثقة لضحايا الجيش والشرطة
حوادث مماثلة
أواخر عام 2013، سقطت مروحية حربية للجيش المصري، بمنطقة الشلاق محافظة شمال سيناء، بعد استهدافها بصاروخ حراري، من قبل جماعات مسلحة، ما أدى إلى مقتل ستة من أفرادها، هم طاقم الطائرة، وقد أعلنت القوات المسلحة حينها أن الطائرة سقطت نتيجة عطل فني، لتتبنى بعدها جماعة أنصار بيت المقدس المسلحة (ولاية سيناء حالياً) استهداف الطائرة.
وفي شهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، أعلنت القوات المسلحة، عن سقوط طائرة تابعة لها بالفيوم ما أدى إلى مقتل ستة جنود. وقبل ثلاثة أشهر، أعلن متحدث رسمي عسكري، عن مقتل 4 من طاقم طائرة عسكرية مصرية، وإصابة اثنين آخرين، في سقوط طائرة عسكرية صباح 13 أغسطس/آب الماضي، في منطقة سترة جنوب شرقي واحة سيوة، غربي البلاد، مضيفاً أنه أثناء أعمال المطاردة والملاحقة للعناصر الإرهابية، حدث عطل فني مفاجئ لإحدى الطائرات نتج عنه سقوطها، بحسب قوله.
وفي شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الجاري سقطت طائرة ركاب روسية كانت تقل على متنها 224 راكباً قتلوا جميعاً، بعدما تم تفجيرها بقنبلة زرعت داخلها، وقد أعلنت أيضا ولاية سيناء من خلال بيان رسمي عن تبني إسقاطها، فيما نفت الجهات المعنية في التحقيق بادئ الأمر استهدافها، وأنه من المرجح أن تكون سقطت نتيجة عطل فني.
اقرأ أيضا: صراع الجيش والداخلية في مصر.. المعركة على النفوذ
مدير سابق لكلية الدفاع الوطني: المنطقة خالية من الجماعات المسلحة
اللواء محمد الغباري، المدير الأسبق لكلية الدفاع الوطني والخبير العسكري، يقول إنه من المرجح أن تكون طائرة الهيلوكوبتر التي سقطت صباح اليوم بمنطقة مشروع السادس من أكتوبر الزراعي، سقطت نتيجة عطل فني في محركيها، مستبعدا استهدافها من قبل مسلحين.
يضيف أن المنطقة التي سقطت بها الطائرة خالية من الجماعات المسلحة التي تستهدف الجيش والشرطة، لكن يوجد بها بعض الخارجين عن القانون من تجار المخدرات والسلاح، وتم تعقب الكثير منهم وإلقاء القبض عليهم.
وأضاف أن من تبقى من تجار السلاح والمخدرات بمنطقة مزارع السادس من أكتوبر تجري ملاحقته من قبل الشرطة لضبطهم، مشيرا إلى أن إمكاناتهم التسليحية لا تستطيع إسقاط طائرة، ولا تتعدى حملهم لفرد خرطوش محلي الصنع، أو أسلحة آليه سرقت أثناء الثورة.
وأشار الغباري إلى أن القوات المسلحة سوف تعلن عن كامل التفاصيل بشفافية واضحة، بعد الوقوف على حقيقة الأمر.
أما رئيس الشركة المصرية للمطارات السابق، اللواء طيار جاد نصر، فقال إن أسباب عطل الطائرات الفني والتي تؤدي إلى سقوطها واردة، وهذا لا يعني فرضية الإهمال في الكشف على محركات الطائرة قبل الإقلاع.
وأضاف أنه من المرجح أن يكون حدث عطل فني للطائرة المنكوبة أثناء رحلة الطيران، نافياً عدم قدرته على توقع العطل الذي سقطت بسبب طائرة الجيش، قائلا لـ"العربي الجديد":"التحقيقات سوف تكشف عن ذلك بعد وقوف جهات التحقيق على طبيعة العطل الفني الأساسي وراء سقوطها".
في ظل الغموض، الذي يكتنف الحوادث المتكررة لسقوط الطائرات على أرض مصر، وحالة تضارب المعلومات التي لازمت الوقائع المشابهة، يبدو أن الحادثة الأخيرة ستُضم إلى سابقاتها التي دائما ما كان سببها "العطل الفني".