ووفقًا لصحيفة "الرأي" الأردنية شبه الرسمية، التي أوردت التفاصيل اليوم الثلاثاء، فقد حكمت المحكمة بالتعويض للمدعيتين بالحق الشخصي، ولكل منهما بمبلغ 15 ألف دينار (21 ألف دولار) على والدة الزوج، والزوج، وشقيقه، بحيث يدفع كل مدعى عليه هذا المبلغ للضحية. وحكمت على المدانين الثلاثة، عملاً بأحكام قانون الاتجار بالبشر بالأشغال المؤقتة مدّة ثلاث سنوات، وبالتعويض المالي على جناية الاتجار بالبشر، وجنح حجز الحرية، والتهديد، والإيذاء. وتولى مركز تمكين للمساعدة القانونية متابعة هذه القضية والمطالبة بالتعويض للضحيتين لما لحق بهما من ضرر واستغلال لوضعهما الصحي والعائلي، بعد أن وصلته مقابلة كلا الشقيقتين في دار الكرامة (مأوى) الضحايا المحتملين لجرائم الاتجار بالبشر.
ووفقاً لقرار الحكم الصادر في 16 فبراير/ شباط الماضي، فإنّ والدة زوجي الضحيتين وهما شقيقتان، أجبرتهما على ممارسة الدعارة مع 9 زبائن يوميا، وكانت تتقاضى ما يقارب 1500-2000 ألف دينار (2100 - 2800 دولار) يومياً منهم. وقد انكشفت قصة الشقيقتين بالصدفة، فأخوهما يعمل سائق تاكسي، وأثناء إيصاله أحد الركاب، عرض عليه صورهما في بيت للدعارة، فأخبر والدته بما حصل فقاما بإخبار إدارة حماية الأسرة.
وجرى تحويل الضحيتين إلى وحدة مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، ثم إلى المدعي العام الذي وصف الجرم بالاتجار بالبشر وجرت المحاكمة. ووفقاً لما جاء في الوقائع، فإن فصول القضية بدأت بدخول الفتاتين إلى مركز إصلاح وتأهيل الجويدة، في العاصمة عمان، إحداهما موقوفة إداريا لحمايتها نتيجة تعرضها لجريمة اغتصاب، والأخرى على تهمة شهادة زور، وهناك تم التعرف إلى والدة المتهمين.
وبالعودة إلى بدايات الجريمة، فقد تعرّفت إحدى الضحيتين (التي تعرّضت للاغتصاب) على والدة الزوجين في السجن؛ حيث كانت في ظل حماية أمنية خوفا على حياتها. وأثناء ذلك، عرضت الوالدة على الفتاة الضحية أن تساعدها وتخرجها من السجن. وبالفعل، ساعدتها مستغلة تعرّضها للاغتصاب ووضعها المادي السيئ. وخططت بعدها لتزويجها من ابنها.
وتبين فيما بعد بحسب قرار الحكم أن هذه المرأة كانت تختلق الجرائم كي تدخل السجن، لاستغلال الموقوفات إدارياً، وأن ابنيها تزوّجا عدّة مرّات لتنفيذ مخطط الوالدة الإجرامي.
وتعاني الفتاة الضحية من مشاكل مادية ونفسية؛ إذ إنّ شقيقها يعاني من أمراض نفسية، ووالديها منفصلان ووضعهما المادي سيئ، يضاف إلى ذلك تعرّضها للاغتصاب. كل تلك الأسباب مجتمعة، أدت إلى أن يوافق الأهل على خطبة ابنتهم دون السؤال عن الزوج.
وتشير ملفات القضية إلى أن والدة الزوج كانت تجبر الضحية على ممارسة الدعارة منذ فترة الخطوبة وبعلم خطيبها، وعندما علمت أن الضحية لها شقيقة، عرضت على العائلة أن تزوجها لابنها الآخر، وهو ما حصل. وتم عقد زواج الشقيقتين في يوم واحد، وبدأت والدة الزوجين بإجبار الضحيتين على ممارسة الدعارة مع 9 زبائن يومياً. وأفادت الضحيتان بأن والدة زوجيهما كانت تهددهما باستمرار بإخبار عائلتهما أنهما تمارسان الدعارة، رغم أنها هي من تجبرهما على ذلك، وهي من تتقاضى المال من الزبائن. وتؤكد إحدى الضحيتين أنها عندما رفضت ممارسة الجنس تم ضربها ووضع رأسها في مقعد الحمام، ولم تتمكنا من الإفلات لأن أبواب المنزل كانت دائماً مغلقة ومحاطة بالكاميرات، فضلاً عن أنها تحتجز جوازي سفر الفتاتين.
وذكرت الضحيتان أن والدة الزوج كانت تجبرهما على تناول حبوب تدعى "الكبتاغون"، كي تسهرا مع الزبائن، كما أنها لم تكن تسمح لهما بزيارة عائلتيهما طوال الفترة، سوى لمرتين وبوجود والدة الزوجين. وأفاد تقرير فحص الذكاء، الذي تم إجراؤه للضحيتين، بأنهما تعانيان من ضعف في الفهم العام والإدراك لذا جرى تحويلهما إلى مستشفى المركز الوطني للصحة النفسية، ليبين أن العمر العقلي لكلا الضحيتين لا يتجاوز عشر سنوات، رغم أن عمر إحداهما 29 عاما والأخرى 27 عاما.
وأفادت والدة الضحيتين بأنها اعتبرت فرصة الزواج لابنتها التي تعرّضت للاغتصاب هي "غسل للعار"، وبينت أن أسرتها تعاني من الفقر ولا يوجد معيل لها إلا ولدها، بعد أن انفصلت عن زوجها، لافتة إلى أن والدة الزوجين كانت تعطيها مبلغ 20 ديناراً (28 دولاراً) في كل زيارة.
من جهتها، قالت مديرة مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان ليندا كلش لـ"العربي الجديد"، إن القرار سابقة قضائية، يمكن البناء عليها في قضايا أخرى، مشددة على أنه إنصاف وتعويض معنوي عما لحق بالضحيتين من أضرار نفسية وجسدية في قضية من قضايا الاتجار بالبشر. وأضافت أن المركز تابع القضية منذ البداية مع وحدة الاتجار بالبشر وكذلك مع دار كرامة، وهي مؤسسة اجتماعية حكومية تتبع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية ومع جميع الأطراف المعنية بالقضية خاصة في الجانب القضائي. وأكدت كلش ضرورة متابعة الأشخاص الذين يتعرضون للاتجار بالبشر، من أجل إعادة تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع مرة أخرى، لإنقاذهم وتقديم الرعاية النفسية والاجتماعية والصحية لهم.
وأوضحت أن كثيراً من الناس يعتقدون أن جريمة الاتجار بالبشر ترتبط بالعمالة الوافدة والعمال المهاجرين، لكن في الحقيقة هناك قضايا اتجار بالبشر أحيانا تكون في مجتمعاتنا القريبة، لافتة إلى أن هذه القضية متفردة في تفاصيلها لكن تقع أحيانا قضايا مشابهة تمس المجتمع.
وأشارت إلى ضرورة الفصل بين السجينات، مشيرة إلى أن بيئة السجن ساهمت في رسم فصول هذه القصة المحزنة والتي تنتهك كرامة الإنسان بكل تفاصيلها، موضحة أن الفتاتين رغم بلوغهما عمريا، إلا أن نضوجهما العقلي، وفق التقارير الطبية، يبلغ حوالي عشرة أعوام. ودعت كلش إلى الحذر قبل الإقدام على الارتباط والبحث عن تفاصيل الشريك الآخر، للابتعاد عن الوقوع ضحية لمثل هؤلاء الأشخاص.
ودعت جميع الأشخاص في حال الشك في وجود عملية اتجار بالبشر إبلاغ الجهات المعنية، موضحة "رغم أن الحماية من الاتجار بالبشر هي واجب الدولة والسلطة، إلا أن دور المجتمع يمثل علامة فارقة في مثل هذه القضايا، وكذلك يقع على الحكومة واجب متابعة الأسر الفقيرة والمهمشة". وأكدت ضرورة توفير الحماية الاجتماعية خاصة للأسر الفقيرة وتلك التي تعاني من صعوبات صحية، فضلا عن الاهتمام بعدة مرتكزات لمواجهة الاتجار بالبشر أهمها الوقاية ثم الحماية، وكذلك الملاحقة القانونية، وإعادة إدماج الضحايا في المجتمع.