تفاهم "مسد" وقدري جميل: ترسيخ للنفوذ الروسي

01 سبتمبر 2020
بدأت العلاقة بين الأكراد والروس منذ 2015 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

لا تفوّت موسكو فرصة من أجل ترسيخ وجودها في الشمال الشرقي من سورية، إذ دفعت حزب "الإرادة الشعبية" بزعامة قدري جميل، والذي يدور في فلك السياسة الروسية، إلى توقيع "مذكرة تفاهم" في موسكو، أمس الإثنين، مع "مجلس سورية الديمقراطية" الذي يُعرف اختصاراً بـ"مسد"، وهو الذراع السياسية لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد). ووفق المذكرة، اتفق الطرفان على أن الأزمة في سورية "بنيوية أضيفت إليها تعقيدات التدخل الخارجي والمراهنة عليه، وأن كل الخيارات الأمنية والعسكرية كان مصيرها الفشل". كما اتفقا على أن "سورية الجديدة، هي سورية موحّدة أرضاً وشعباً، وهي دولة ديمقراطية تحقق المواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية"، وأن "الحل السياسي هو المخرج الوحيد من الأزمة السورية". كما طالبا بـ"حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية"، مع الإبقاء على "الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سورية"، وتطوير التجربة على المستوى الوطني العام، ودمج "قسد" ضمن "الجيش السوري" على أساس صيغ وآليات يتم التوافق عليها، وإشراك "مسد" في العملية السياسية بكافة تفاصيلها وعلى رأسها اللجنة الدستورية السورية، وفق المذكرة.

وقال بسام إسحق، رئيس المجلس السرياني الوطني وعضو الهيئة الرئاسية في "مسد"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن المذكرة التي وُقّعت في موسكو "تأتي في سياق جهود مجلس سورية الديمقراطية في دعم وتعزيز الحوار والتوافق بين مختلف القوى السياسية السورية حول الشكل السياسي لسورية المستقبل بما يلبي تطلعات ومصالح الشعب السوري". وأشار إلى أن "مسد" يأمل من الروس "معرفة تطلعات السوريين الممثلين في هذه المذكرة"، مضيفاً: "نأمل أن يلعبوا (الروس) دوراً ايجابياً في دعم القرار الدولي 2254 سياسياً، بحيث يعطي فسحة لمشاركة جميع القوى السياسية السورية من دون تهميش لأي جهة أو صوت سوري". وأعرب إسحق عن اعتقاده بأن جميع القوى السورية يجب أن تشارك في تطبيق القرار المذكور، مضيفاً: "لا يمكن أن ينجح القرار 2254 إن لم تشارك فيه جميع الفعاليات السورية، وإلا سينتقل الاستبداد من شكل إلى آخر".

إسحق: نأمل أن يكون للروس دور إيجابي في دعم القرار 2254
 

ويؤكد توقيع المذكرة أن موسكو تحاول ترسيخ وجودها في منطقة شرقي نهر الفرات الغنية بالثروات، والتي يسيطر الأكراد السوريون على جلها من خلال "قسد" المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. والعلاقة السياسية بين السوريين الأكراد والجانب الروسي ليست طارئة، إذ بدأت في خضم خلاف تركي روسي انفجر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2015 عقب إسقاط طائرة روسية من قبل الأتراك في الشمال الغربي من سورية، ودعم الطيران الروسي الوحدات الكردية مطلع عام 2016 لطرد فصائل مدعومة من الجيش التركي من مناطق واسعة في ريف حلب الشمالي.

كما سمحت موسكو لـ"الإدارة الذاتية" الكردية بافتتاح "ممثلية" لها في العاصمة الروسية في سياق مناكفة الأتراك، ولكن سرعان ما تراجع الروس خطوات عن دعم الأكراد في سورية مع عودة العلاقات مع أنقرة إلى طبيعتها منتصف عام 2016. ومطلع 2018، منحت موسكو الضوء الأخضر لأنقرة للبدء في عملية عسكرية واسعة النطاق أطلق عليها اسم "غصن الزيتون" انتهت بطرد الوحدات الكردية من منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي. وفتحت العملية التركية في شرقي الفرات في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي والتي حملت اسم "نبع السلام" الباب واسعاً أمام الروس لدخول الشمال الشرقي من سورية، إذ لجأ إليهم الأكراد من أجل رعاية اتفاق يضع حداً للعملية التركية، على أن تنسحب "قسد" أكثر من 30 كيلومتراً في العمق السوري على طول الحدود السورية التركية شرقي نهر الفرات والبالغة نحو 450 كيلومتراً، وتسيير دوريات تركية روسية مشتركة، وهو ما تحقق ضمن اتفاق تركي روسي لا يزال يحكم المنطقة.

وحاولت موسكو التمدد أكثر في منطقة شرقي نهر الفرات، مستغلة حاجة الأتراك والأكراد لها، إذ أقامت قواعد عسكرية دائمة لها ونقاط انتشار وتمركز، لا سيما في منطقة القامشلي ضمن محافظة الحسكة، وفي منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي وفي منطقة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي. وتشهد المنطقة منذ ذاك الحين تنافساً بين الروس والأميركيين وصلت إلى حدود الاشتباك اللفظي بين عسكريين من البلدين، في محافظة الحسكة، حُوصر على الفور كي لا ينزلقا إلى صراع عسكري في المنطقة.

كما حاول الروس سحب الأكراد إليهم من خلال رعاية عدة لقاءات بين قياديين أكراد والنظام السوري في دمشق وقاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، إلا أنها لم تثمر عن شيء بسبب رفض النظام الاعتراف بحقائق سياسية وعسكرية وثقافية خلقها الأكراد على الأرض. كما أن واشنطن لم ترحب بأي عودة للنظام إلى منطقة شرقي الفرات، في ظل معطيات سياسية تشير إلى سعي الأميركيين إلى ردم الهوة بين الأكراد والمعارضة السورية المرتبطة بالأتراك لتقاسم الإدارة في شرقي الفرات بين الطرفين، ولكن يبدو أن أنقرة ترفض هذا التوجه لأنها لا تريد شرعنة أي وجود كردي في الشمال الشرقي من سورية.

الأكراد يريدون من توقيع المذكرة اعترافاً روسياً بحكم ذاتي لمنطقة شرقي نهر الفرات

من جهته، رأى الكاتب السوري المتخصص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، أن "موسكو تريد حصة أو أي شكل من أشكال النفوذ في الشمال الشرقي من سورية"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن الروس "يريدون دفع قدري جميل ليكون لاعباً في منطقة شرقي نهر الفرات". وأعرب عن اعتقاده بأن الأكراد يريدون من توقيع المذكرة اعترافاً روسياً بحكم ذاتي لمنطقة شرقي نهر الفرات، مقابل السماح للروس بلعب دور في المنطقة إلى جانب الأميركيين، مضيفاً: "ما يجري لعبة مصالح بين عدة أطراف، لا مكان فيها لمصالح الشعب السوري".