بدأ التقارب المصري – الأوغندي – الجنوب سوداني يثير جدلاً واسعاً لدى أوساط سياسية أفريقية، لا سيما في السودان. وبرز هذا التقارب مع زيارة قام بها رئيس النظام المصري، عبدالفتاح السيسي، إلى عاصمة أوغندا، كمبالا، في ديسمبر/كانون الأول 2016، وزيارة رئيس جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، إلى القاهرة الشهر الماضي، في ظل تواتر المعلومات بشأن اتفاق أمني بين الدول الثلاث.
وأثرت التطورات في علاقة القاهرة وكمبالا وجوبا، بشكل أكبر على علاقة حكومة جوبا مع كل من الخرطوم وأديس أبابا. فبعدما كانت العلاقات الإثيوبية-الجنوب سودانية قد شهدت تطورات إيجابية سابقاً، أتت ردة فعل أديس أبابا بطلب استفسار من جوبا بشأن زيارة سلفاكير إلى القاهرة، لتعكس عدم ارتياح إثيوبي، وفق ما ذكرت مصادر مطلعة، مضيفة أن الطرف الجنوب سوداني حاول تطمين الإثيوبيين بهذا الصدد. وفي مؤشر على انزعاج الحكومة السودانية من زيارة سلفاكير، تجاهلت الخرطوم تحديد موعد رسمي لاستقبال سلفاكير بعدما كان قد اقترح أن تتم في 17 يناير/كانون الثاني الماضي.
وذكرت مصادر أن مصر بدأت تساهم بتدريب وتجهيز معارضين في الخرطوم وأديس أبابا، فضلاً عن تقديم دعم لوجستي إلى جوبا لإعانتها في حربها ضدّ المعارضة المسلحة بقيادة نائب رئيس جنوب السودان السابق، رياك مشار. وهذه المعارضة اتهمت أخيراً مصر بقصف مواقع لها في مدينة ملكال بولاية أعالي النيل خلال تجدد القتال فيها. ونشرت صور لطائرة عسكرية تحمل العلم المصري قالت إنها شاركت في الهجوم على قواتها إلى جانب قوات حكومة جوبا. لكن القاهرة نفت ذلك، وأكدت أنها لم تنفذ أي هجوم على قوات مشار في ملكال وأن المعارك المندلعة هناك منذ يوم الجمعة الماضي تدور بين فصائل المعارضة المنشقة على نفسها.
واعتبر مراقبون أن المعارضة السودانية، بما فيها المسلحة، ستستفيد من التناقضات الماثلة في الإدارة الأميركية الجديدة، والعداء الذي أظهره الرئيس دونالد ترامب، تجاه الخرطوم، من خلال ضمها لقائمة الدول التي تم تقييد إجراءات دخول رعاياها إلى أراضي الولايات المتحدة. ويأتي ذلك في ظل تسريبات حول عزم ترامب مراجعة القرار الذي وقعه سلفه، باراك أوباما، قبيل مغادرته البيت الأبيض، والذي نص على تعليق جزئي للعقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان.
في هذا السياق، أكد خبراء أن القاهرة ستلعب دوراً ضد النظام الحاكم في السودان، في المرحلة المقبلة، لا سيما أن الأولى ترى في النظام السوداني مصدر تهديد لاستقرارها، بسبب احتضانه عدداً من قيادات "الإخوان المسلمين". واعتبروا أن الملف الليبي سيكون في دائرة الصراع بين الطرفين، في وقت ستحاول فيه القاهرة تقليص دور الخرطوم في هذا الملف. ومن المرجح أيضاً أن تقود مصر تحركات من أجل تصنيف السودان باعتباره داعماً للتطرف، وفق الخبراء. وأشاروا إلى أن القاهرة ستستغل عداء ترامب للإسلاميين، لا سيما أنه من المتوقع أن يمنح الرئيس الأميركي الجديد القاهرة ثقلاً اقتصادياً يمكنها من لعب دور في محاربة التطرف، الأمر الذي ستستفيد منه لتعزيز تدخلاتها في السودان.
وأكدت مصادر أن هناك تركيزاً مصرياً على الحزب "الاتحادي الديمقراطي الأصل" بزعامة محمد عثمان الميرغني، شريك الحكومة السودانية في الحكم، لا سيما أنه يمثل حليفا تاريخيا للقاهرة. والهدف المصري يتمثل في التأثير عليه وإعادته لصفوف المعارضة لتقويتها شعبياً، نظراً لقوة هذا الحزب وتمدده في الأوساط الشعبية السودانية. وذكرت المصادر أن الخرطوم على علم بتحرك النظام المصري وتحاول إغلاق أي ثغرة قد يستغلها لإنجاح مساعيه.
وبالفعل، برزت خلافات بين النظام في الخرطوم والحزب الذي يقوده الميرغني، والذي تحرص الحكومة على بقائه في السلطة ليمنحها ثقلاً شعبياً. ولوّح قادة من الحزب، مراراً، بالانسحاب من الحكومة. وشرعت لجنة مشتركة بين حزب "المؤتمر الوطني" الحزب "الاتحادي الديمقراطي" سلسلة اجتماعات لحسم حصص الأخير في الحكومة الجديدة. لكن المصادر أكدت أن الخلافات تلقي بثقلها على هذه الاجتماعات.
ويعتقد المحلل السياسي، دينق دينق، أن المصريين سيحاولون خلال الفترة المقبلة تقديم جنوب السودان كبديل للخرطوم في ما يتعلق بمحاربة التطرف والحد منه. وقال إن نجاح المحاولة المصرية سيدفع واشنطن للعمل "على دعم جوبا من ذاك المنظار" بحسب تعبيره. ورأى أن "التحالف المصري – الأوغندي – الجنوب سوداني" من شأنه أن يهدد الاستقرار في الإقليم ويعمل على تلاشي "الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا"، فضلاً عن إضعاف "مجلس السلم والأمن الأفريقي"، ما يتطلب محاصرة الخطوة والتركيز على إيجاد الاستقرار في الجنوب وحسم مشكلة سد النهضة الإثيوبي، وفق قول دينق.
واستقبلت مصر معارضين سودانيين وفتحت مكاتب لهم، واحتضنت عدداً من قيادات "التجمع الديمقراطي" الذي تكون في مطلع التسعينيات ومع وصول النظام الحالي للحكم، من قبل أحزاب المعارضة التاريخية بينها حزب "الأمة" و"الاتحادي الديمقراطي" والحزب "الشيوعي". كذلك، شهدت القاهرة توقيع اتفاق المصالحة بين الحكومة السودانية و"التجمع الديمقرطي" في يوليو/تموز 2005، والذي أنهى صراعاً سياسياً استمر 15 عاماً.