ويفرض الموروث الشعبي على المرأة في موريتانيا إخفاء حملها احتراماً لمن هم أكبر منها أو خوفاً من العين والحسد، وتلجأ الحامل إلى ارتداء ملابس فضفاضة لإخفاء علامات حملها والبقاء في المنزل أكبر فترة ممكنة، وتؤثر هذه العزلة سلباً على عملية الوضع وصحة الجنين.
ومع تطور المجتمع وتأخر سن الزواج والإنجاب وإقبال النساء على سوق العمل، بدأ مشكل إخفاء الحمل يخنق طموح الموريتانيات ويؤثر سلباً في مستقبلهن الوظيفي وإكمال دراستهن وتقلد مناصب هامة.
إجازة أمومة أم عزلة؟
تفضل غالبية النساء الحوامل الاختفاء عن الأنظار في مرحلة الحمل، وأخذ إجازة للراحة والتزام البيت قبل الولادة بفترة طويلة، ما يؤثر سلباً في أدائهن الوظيفي. وتقول ميمونة بنت سيداتي (35 عاماً، موظفة) إن العادات الاجتماعية تفرض على المرأة الحامل التزام البيت ما أن يبدأ بطنها بالظهور خوفاً من أن تصاب بمكروه أو تطالها عين حاسد، كما أن تقاليد احترام الكبير تمنع الحوامل من التصرف على سجيتهن أمام الأكبر سناً".
وتضيف ميمونة، وهي أم لطفلين، أنها اضطرت لأخذ إجازة طويلة وهي في الشهر الرابع من فترة الحمل، من أجل الراحة واحتراماً للمعتقدات الاجتماعية السائدة في البلاد، وتشير إلى أن هذه الإجازة الطويلة أثرت على إجازة ما بعد الوضع التي تقلصت كثيراً، كما أثرت على درجة استفادتها من الترقية الوظيفية وحتى من الاستفادة من الاجازة مستقبلاً.
الزواج والإنجاب
تؤثر هذه العادات في مستقبل النساء في مناطق واسعة من موريتانيا وخصوصاً مناطق الشرق والوسط، التي تحكمها المعتقدات الشعبية وتسكنها قبائل متعصبة لتقاليدها، ويستهجن المجتمع عمل الحامل وظهورها المتكرر علناً، فيما لايزال وجود امرأة حامل في منصب سامٍ نادراً جد في موريتانيا.
ويزيد من احتمال تزامن حمل المرأة ووصولها إلى موقع قيادي، تأخر سن الزواج والإنجاب عما كان عليه في السابق، حيث تؤجل بعض النساء العاملات مشروع الزواج والإنجاب إلى ما بعد الاستقرار الوظيفي وتحقيق الأحلام والطموحات العملية، فيما تفضل غالبيتهن التبكير بالزواج والإنجاب قبل الحصول على الوظيفة أو قبل تحمّل مسؤوليات مهمة في القطاع الذي يعملن به.
ويقول محمد عبد الله ولد حمادي، أخصائي نساء وتوليد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إن الحمل ليس حالة مرضية تستدعي المكوث في البيت والامتناع عن العمل، كما أنه ليس حالة عادية يمكن للمرأة أن تمارس فيه حياتها كما كانت تفعل في السابق، لأن فترة الحمل هي فترة تحتاج خلالها المرأة إلى رعاية خاصة ومتابعة طبية مستمرة لتأمين حمل سليم وتجنب المضاعفات التي يمكن أن تحدث.
ويشير الطبيب إلى أن بعض السيدات الحوامل اللواتي يزرن عيادته يجدن صعوبة في دخول المؤسسات التي يعملن بها وهن في مرحلة متقدمة من الحمل، وأن بعض رئيسات المصالح الإدارية يرفضن الاستمرار في العمل أثناء الحمل بداعي أنهن لم يعدن قادرات على إعطاء الأوامر لمرؤوسيهن، وتحمل ضغوط العمل وهن بهذه الحالة.
مقابل هذه النظرة التقليدية للمرأة الحامل، يشير الطبيب إلى أن هناك بعض الحوامل يتمسكن بالعمل بعناد ومكابرة وهنّ في حاجة حقيقية للراحة والرعاية، وينصح الطبيب الحامل بالعمل طالما أن ظروف حملها تسمح بذلك، والحرص على الاسترخاء أثناء العمل والاستئذان قبل مواعيد المغادرة الرسمية، وتجنب الضغوط والعمل المضني خصوصاً في آخر فترة الحمل.
معتقدات متوارثة
يرى الباحث الاجتماعي محمد محمود ولد بدر الدين في حديثه لـ"العربي الجديد" أن العادات والمعتقدات الشعبية المتوارثة منذ القدم تتحكم في سلوك الموريتانيين وحياتهم الاجتماعية، وهي معتقدات مرتبطة بعالم الخيال والموروث الشعبي، ومن بينها معتقدات تدعو إلى حماية المرأة الحامل بإخفائها عن الأعين وحمل خرزة أو حجاب لدرء العين والتوقف عن العمل.
ويشير الباحث إللى أن عزلة الحامل قد تسبب لها الإحباط والاكتئاب، كما أن قلة الحركة وعدم ممارسة رياضة المشي يؤثران سلباً على صحتها. ويضيف أن بعض الحوامل يفقدن العائد المالي من عملهن ولا يستفدن من التدرج الوظيفي الذي ناضلن من أجل الوصول إليه، لاسيما أن بعض المؤسسات تكرس فجوة في الأجور بين النساء اللاتي حصلن على عطلة للأمومة وبين زملائهن الرجال.
ويشير إلى أن المجتمع والوسط الوظيفي يشجعان الحامل على العزلة والانقطاع عن العمل من دون داع من خلال السماح بأخذ إجازة وعدم الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف، والتشكيك في قدرة الحامل على تحمل المسؤوليات العملية إذا كانت تشغل مركزاً وظيفياً هاماً ومحاصرتها بالانتقادات والشكوك والضغط عليها لأخذ إجازة مبكرة.
ويحذّر الباحث من استمرار هذه العادة في الأجيال القادمة ويقول "الحرمان من العمل ومن الترقية الوظيفية يتسبب بتأثيرات نفسية واجتماعية واقتصادية وإنتاجية كبيرة يجب أخذها في عين الاعتبار قبل إرغام المرأة الحامل على الاختفاء وقتل طموحها في النجاح الوظيفي، لاسيما مع وصول النساء إلى المراكز القيادية وحرص الدولة على بعث روح شبابية في الإدارات والسماح للقيادات النسائية الشابة بالوصول إلى مراكز هامة وهنّ في مقتبل العمر ولازلن يطمحن إلى تحقيق أمومتهن إلى جانب طموحهن العملي، عكس ما كان عليه الأمر في السابق حيث لا يتم تعيين النساء في مراكز سامية، إلا بعد أن يتجاوزنهن مرحلة الإنجاب احتراماً لمبدأ التدرج الوظيفي والأقدمية".