أنهى ممثلون عن مليشيا "الحشد الشعبي" في العراق ومسؤولون محليون في محافظة ديالى شرقي البلاد، إلى جانب زعامات قبلية ونواب في البرلمان، سلسلة لقاءات استمرت لأكثر من يومين في بغداد وبعقوبة، العاصمة المحلية لمحافظة ديالى المضطربة منذ أسابيع عدة، وذلك في إطار جهود وقف الهجمات التي تستهدف قرى وقصبات شمال شرقي المحافظة، وحملت طابعا طائفيا من قبل مسلحين يرتدون الزي العسكري.
مصادر رفيعة في بغداد كشفت لـ"العربي الجديد" عن أن الاجتماعات التي عقدت في اليومين الماضيين كانت بتكليف من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، آخرها زيارة للقيادي في مليشيا "الحشد" وزعيم منظمة "بدر" هادي العامري إلى بعقوبة، وعقده اجتماعا مغلقا مع محافظ ديالى وقادة الشرطة والجيش، وزعامات محلية ونواب في البرلمان ومجلس المحافظة.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن التحقيقات التي خلصت لها قوات الجيش تشير إلى تورط مليشيا "منفلتة" في الهجمات التي طاولت مناطق شمال شرق بعقوبة، خاصة مناطق الحوض وأبو خنازير والكبة وأبو كرمة والمخيسة ومحيط المقدادية وعدة نواح أخرى، سواء بالقصف الصاروخي بواسطة قذائف الهاون أو بالهجمات المسلحة.
وأكدت المصادر أن التحقيق استبعد فرضية كونها هجمات إرهابية من تنظيم "داعش"، واكتفى بوصفها بـ"مليشيا منفلتة"، وفي مواضع أخرى من التقرير "عصابات إجرامية"، لافتة إلى أن "التحقيقات أشارت إلى استخدام سيارات حكومية في تلك الهجمات، تمكنت من اجتياز نقاط التفتيش وحواجز الجيش العسكرية والوصول إلى تلك المناطق واستهداف مواطنين فيها.
وبلغ مجموع تلك الاستهدافات خلال شهرين فقط أكثر من 42 استهدافا بين قذيفة هاون وإطلاق نار وعبوات ناسفة واغتيال بشكل مباشر في 8 مناطق شمال شرق ديالى، عجزت قوات الأمن عن ملاحقة مرتكبيها أو حتى "إكمال تحقيق مهني بها عقب حدوثها".
وأشارت المصادر إلى أن التحقيق بات الآن بيد رئيس الوزراء العراقي، وسلمت نسخ منه إلى جهاز المخابرات والأمن الوطني وقيادة "الحشد الشعبي".
واليوم الاثنين، وصل رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عثمان الغانمي إلى بعقوبة، وفقا لما أكدته تقارير محلية عراقية أشارت إلى أن الغانمي، يرافقه ضباط كبار في وزارة الدفاع، عقدوا "سلسلة لقاءات موسعة مع القيادات الأمنية، لبحث الوضع الأمني وسبل تعزيز الاستقرار الداخلي".
ومساء أمس الأحد، عقد هادي العامري مؤتمرا صحافيا في مدينة بعقوبة، بحضور محافظها والقيادي أيضا بمليشيا "بدر" مثنى التميمي، إلى جانب مسؤولين آخرين.
وتحدث العامري عن إطلاق يد الشرطة في اعتقال من يثبت تورطه في محاولة إذكاء الفتنة الطائفية حتى لو كانوا من منظمته "بدر"، وعدم التسامح بحق المتورطين أيا كانوا، دون أن يشير إلى أن الهجمات من تنفيذ تنظيم "داعش"، وهو ما فسره مراقبون أيضا على أنه اعتراف غير مباشر بتورط جهات مسلحة بهجمات الأخيرة.
وتابع العامري: "نخشى من بعض الجهلاء وأمراء الحرب أنهم يريدون إعادتنا إلى الطائفية مرة أخرى"، مضيفا "تحدثنا مع رئيس الحكومة على أنّه يجب أن ننشط عملنا ونحث جهودنا لعدم ترك منطقة رخوة يعود الإرهاب منها مرة أخرى".
وشدد "لن نسمح ولن نتساهل مع كل من يريد أن يعيدنا إلى الطائفية، ونرفض بشكل قاطع أن تكون هناك ردات فعل في حال وقع تفجير بمنطقة شيعية، ويكون عمل معاكس بمنطقة سنية، وهذا مرفوض"، مدافعا عن نفسه بالقول: "لم أدعم أي إنسان متهم بالطائفية، ويجب أن توجه كل جهودنا باتجاه محاربة الإرهاب، ويجب اعتقال كل من يحاول إعادتنا للمربع الأول".
مثنى التميمي محافظ ديالى، والمتهم هو ومقربون منه بهجمات ذات دوافع طائفية وقعت في مناطق عدة من ديالى خلال السنوات التي سبقت سيطرته على منصب المحافظ منتصف عام 2015، أوضح، خلال المؤتمر الصحافي ذاته الذي عقد عصر أمس الأحد، أنه "تم الاتفاق على تفعيل مذكرات الاعتقال والقبض على المجرمين والعصابات"، مبينا أنّ "لقاءنا مع (هادي) العامري ركزنا فيه على أن يخول القادة الأمنيون باعتقال أي شخصية صدرت بحقها مذكرات قبض"، موضحا أنه "لا توجد خطوط حمراء لأي شخصية تعمل على إثارة وضع طائفي أو إرهابي بالمحافظة".
وتسببت موجة العنف المتصاعدة بعدد من بلدات ديالى، ومنها المخيسة والكبة وأبو كرمة، بنزوح عشرات الأسر منها إلى مناطق أخرى خارج محافظة ديالى، مثل إقليم كردستان المجاور وبغداد وصلاح الدين.
وتوجه أصابع الاتهام إلى مليشيات محددة بالوقوف وراء تلك الهجمات، أبرزها "العصائب" و"بدر" و"النجباء" و"حزب الله العراقي"، إلا أن تلك الفصائل عادة ما تعلن عن استنكارها لتلك الاتهامات وتنفي وقوفها وراء أي منها.
الخبير بشؤون محافظ ديالى وعضو مجلسها الأسبق علي القيسي أوضح، لـ"العربي الجديد"، أن الهجمات الأخيرة ليست إرهابية وتقف وراءها مليشيات مسؤولة عن جرائم التغيير الديمغرافي في المحافظة، وتستخدم مقدرات الدولة من سيارات وأسلحة كونهم يملكون صفات رسمية فيها.
وأضاف "الأمر الجيد بالموضوع أنهم مكشوفون لأصحاب القرار في بغداد، سواء الحكومة أو قادة الفصائل المسلحة أو البرلمان، والناس ينتظرون إجراءات محددة تبدأ من معاقبة قوات الجيش التي سمحت بعبورهم واستهداف الناس وقتلهم، وانتهاء بالمتورطين والتعامل معهم بشكل لا يقل عن التعامل مع إرهابيي داعش".