خلّف التقرير السنوي الجديد للمجلس الأعلى للحسابات بالمغرب، وهو أعلى هيئة رقابية في مجال تدبير المرافق العمومية، صدمة شديدة للرأي العام المغربي، لما تضمّنه من معطيات خطيرة حول نتائج الفحص الذي قامت به الهيئة الرسمية المكلفة بمراقبة جودة الأغذية المتداولة في الأسواق المغربية.
التقرير المتعلّق بالمكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية أبان عن فساد أو تلوّث أو انعدام المراقبة بشأن المواد الغذائية الأكثر استهلاكا من طرف الأسر المغربية، وهي كل من الخضر والفواكه واللحوم والحليب ومشتقاته.
التقرير الرسمي الذي أشرف على إعداده خبراء يحملون صفة قضاة تابعين للمجلس الأعلى للحسابات، قال إن المغرب "لا يتوفر على رؤية واضحة وسياسة عمومية مندمجة في مجال السلامة الصحية للمنتجات الغذائية".
وعلاوة على ضعف المراقبة داخل التراب المغربي، سجّل التقرير سهولة اختراق بعض النقط الحدودية، ما "يُصعب عمليات المراقبة بسبب تهريب الحيوانات الحية والأدوية البيطرية ومبيدات الآفات الزراعية، وكذا دخول أنواع كثيرة من المواد الغذائية المجهولة المصدر والوضع الصحي".
من بين ما أسفرت عنه تحريات فريق الفحص، عدم خضوع الخضر والفواكه الموجهة للاستهلاك الداخلي لأي مراقبة لمدى خلوها من بقايا المبيدات التي تستعمل في الزراعة. "وعلى عكس المنتجات المعدة للتصدير (التي تمر بالضرورة عبر محطات التعبئة)، والتي تخضع لمراقبة صارمة لبقايا المبيدات الزراعية، فإن المنتجات الموجهة للسوق المحلية لا تشملها هذه المراقبة"، يقول التقرير.
وبعدما أكدت الوثيقة الرسمية أن استخدام مبيدات الآفات الزراعية يعد أحد التدابير الرئيسية لتحسين الإنتاجية، عادت لتستدرك بالقول إن هذا الاستعمال ينبغي أن يخضع لعدد من الشروط للحد من الآثار الضارة التي قد تسببها هذه المبيدات. "وتشمل هذه الشروط استخدام المكونات النشطة المصادق عليها للزراعة المعنية، واحترام المقدار المصادق عليه والمشار إليه في ملصق المنتج وكذا احترام مدة ما قبل الجني، وهي المدة التي يجب أن تفصل بين العلاج الكيميائي وجني المزروعات (الفواكه والخضروات)، حيث يمكن أن يؤدي عدم احترام هذه المدة الزمنية من قبل المنتجين إلى وجود نسب عالية من بقايا المبيدات في الفواكه والخضروات، مما قد يسبب مشاكل خطيرة لصحة الإنسان ويضر بالبيئة".
وسجّل الخبراء التابعون للمجلس الأعلى للحسابات، أن مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية لا تمارس اختصاص المراقبة في أسواق الجملة للفواكه والخضر لأنها تعتبر أن هذه الوحدات غير منظمة بما فيه الكفاية ولا تتوفر على نظام لتتبع الفواكه والخضر والنباتات العطرية من المزرعة إلى السوق.
تفسير أكده خبراء المجلس، حيث اعتبروا أن التنظيم الحالي لأسواق الجملة لا يمكّن "ولا يشجع المنتجين على وضع نظام للتتبع كما هو الشأن بالنسبة للمنتجات الموجهة للتصدير والتي تمر بالضرورة عبر محطات التعبئة".
في مجال منتجات الحليب ومشتقاته، قال التقرير إنه أحصى 2700 مركز لجمع الحليب بالتراب المغربي، منها 1900 تابعة لتعاونيات الحليب. "إلا أن ثلاثة مراكز منها فقط تتوفر على اعتماد على المستوى الصحي من المكتب".
وأكد التقرير أن معظم مراكز جمع الحليب لا تحترم مقتضيات النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري العمل بها، كما أنها لا تستجيب للشروط المحددة في المواصفة القياسية المغربية المتعلقة "بدليل الممارسات الجيدة في مجال النظافة عند إنتاج الحليب النيئ وجمعه ونقله".
أما اللحوم الرائجة في الأسواق المغربية، فقال التقرير إن جلها لا يخضع للمراقبة، حيث لاحظ المجلس من خلال زيارات متعددة لأماكن الذبح (المجازر الجماعية والمذابح القروية)، أن هذه المنشآت لا تتوفر على الوسائل الضرورية التي تمكنها من الاستجابة للمتطلبات القانونية المنصوص عليها بخصوص إتلاف المحجوزات.
وسجل المجلس الأعلى للحسابات غياب إطار قانوني لاستخدام المواد المعدلة جينيا، "وذلك بالرغم من استمرار الجدل على الصعيد الدولي حول المخاطر التي قد يمثلها استعمال هذه المواد على صحة المستهلك".
ويعد استيراد المواد الغذائية المتضمنة لعناصر معدلة جينيا ممنوعا في المغرب بحكم القانون، "لكن يتضح أنه يتعذر في الوقت الحالي على السلطات الصحية التحقق من تضمن المواد الغذائية المستوردة لعناصر معدلة جينيا إذا لم يكن ذلك مشارا إليه صراحة في عنونة المنتج"، يقول التقرير الجديد.