تقرير فرنسي: قلق من تَوَسُّع "الحيادية"على حساب الديانات

04 ابريل 2017
فتحت كوّة الإسلاموفوبيا والعداء للإسلام (Getty)
+ الخط -
عبَّرَ التقرير السنوي 2016-2017 الذي يصدره "مرصد العلمانية" الفرنسي، والذي نشر اليوم الثلاثاء 4 أبريل/نيسان، عن القلق الذي يراود مختلف الديانات، وخاصة الإسلام، من توسّع مجال "الحياديّة"، على حسابها.

وركز التقرير الذي صادف نشره اشتعال الحملة الانتخابية الرئاسية في فرنسا، وأيضا الظروف الأمنية الصعبة ومختلف التهديدات التي تواجهها، على العمل الذي أنجزه المرصد، سنة 2016، في عدة ميادين، ومنها تكوين الموظفين في مختلف المجالات. وكان لا بدّ من أخذ مواقف ممثلي مختلف الديانات في فرنسا بعين الاعتبار، وكانت هذه المواقف صريحة في تعبيرها عن بعض القلق من القوانين التي تصدُرُ في أجواء الانفعال والتأثر (ومن بينها القرارات والمراسيم التي ظهرت بعد مختلف الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا، منذ سنة 2015)، والتي تعد أحد أسباب "تراجع الحريات الفردية".

ويترأس المرصد الذي يعود تأسيسة للرئيس فرانسوا هولاند سنة 2013، جان- لويس بيانكو، الذي يتميز باتخاذه مواقف متسامحة من العلمانية، خلافا لآخرين متعصبين في قراءتهم لقانون 1905، وهو ما جعله في العام الماضي، يصطدم برئيس الحكومة الفرنسي، حينها، مانويل فالس، وبكثير من مساعديه.

وكشف التقريرالجديد معالم القلق التي تنتاب ممثلي الديانات في فرنسا من توسّع مجال "الحياديّة"، مع ما يترافق من مخاطر تتهدد حرية التعبير عن قناعات شخصية. كما أبرز قلقا آخر، عبّر عنه باحثون وجامعيون، من رؤية العلمانية تتحدد من جديد من خلال قوانين جديدة تمت خصّيصاً للدين الإسلامي.

 

وتميَّز موقف الإنجيليين في فرنسا، وفق التقرير، بتأكيدهم على أن الإجراءات الزجرية لوزارة الداخلية لما ترى فيه "دعوات تخريبية" وأيضا "تأطيرها لتمويل الأديان"، إضافة إلى تعزيز سلطات وزارة الداخلية في مسألة فتح وإغلاق أماكن العبادة: "لا يمكن أن تخدع أحدا. لأن الأمر يتعلق بقوانين ظرفية، تستهدف بشكل عام تأطير الإسلام ولكنها لا تُرضينا. أولا، لأن الحرية مِلكيّة لا يمكن تقسيمها، وثانيا، لأن ما سيُطبَّق على إحدى الديانات سيمسّ، حتماً، الديانات الأخرى".

كما أن ممثل الطائفة اليهودية لم يُخف قلقه من التوترات التي تخلقها الممارسة الدينية، ومن بينها حق الطالب في اختيار مدرسة لا تفتح يوم السبت أو مسائل الذبح اليهودي أو ختان الأولاد وغيرها. علما أن المسألتين الأخيرتين تمسان أيضا مسلمي فرنسا.   

وأشار التقرير إلى سوء فهم العلمانية والعلاقات التي لا تزال متوترة، في كل فرنسا، حين تحتك العلمانية مع الظاهرة الدينية.

وناشد المسؤولين السياسيين وأيضا وسائل الإعلام وكل من يشتغل على الأرض، ألا يربطوا بين العلمانية وبين جل مشاكل فرنسا الاجتماعية وإخفاقاتها، ومن بينها "حياة الغيتو في بعض الأحياء الفرنسية" أو "الانزواء الطائفي" أو "فقدان مَعالم الثقة في المستقبل"، ولا ما يخصّ مسألة التفاوت بين الرجل والمرأة.  

وحرصا من المرصد على إشاعة جوّ من الثقة، في ظروف صعبة لا تخلو من بعض الوشاية وشيء من العنف، دفعت السلطات لسنّ قوانين ومراسيم "غير مبرَّرَة"، قام بتوزيع "دليل عملي"، كما ساهَم في تكوين موظفين في المستشفيات والسجون ومؤسسات وزارتي التربية الوطنية والأديان. كما طالب رئيس المرصد السلطات العمومية بتعزيز هذا المسعى.      

وذكّر التقرير بأن "العلمانية" الفرنسية لا تزال غير مفهومة، ويتم اختزالها في كثير من الأحيان، في قضيتي الحجاب وممارسة الديانة الإسلامية في فرنسا.

واعترف أيضا بالعزلة الكبرى التي تعاني منها فرنسا في المَحافل الدولية. إذ لا تزال قضية حظر الحجاب، التي تم إقرارها سنة 2004، والتي يقول كثير من الباحثين إنها فتحت كوّة في عالَم الإسلاموفوبيا والعداء للإسلام، مَصْدراً لانتقادات عالميّة واسعة، تَعتَبرُ التصرف الرسمي الفرنسي "نوعا من العداء تجاه المسلمين" على الرغم من أن الحكومة الفرنسية أرادته قانونا "ضد كل العلامات الظاهرة التي تُحيل على دين معين". كما يعترف التقرير أن قضية البوركيني التي أشعلت فرنسا، في الصيف الماضي، وكاد البعض أن يستصدر في شأنها قانوناً،  جلبت على فرنسا "انتقادات لاذعة".

ولم يفت رئيس المرصد، بيانكو، أن يؤكد على أن من الرائج استخدام العلمانية لقول الشيء ونقيضه. وهو ما جعله يعبّر عن "استغلال" خطير لهذا المفهوم "المبدأ الأساسي للجمهورية"، والذي لا ينتمي "لا لليمين ولا لليسار".

وخلص جان- لويس بيانكو، إلى القول بأن مكافحة التمييز والغيتو، يجب أن "تتمّ عبر سياسات أكثر صرامة مما شهدناه لحد الآن"، وهذا ما يتمّ من خلال "فرض احترام دولة القانون، في كل التراب الوطني".