ما زالت بعض المدن الفلسطينية تتمسك بالتكايا، التي ازدهرت في العهود الأيوبية والفاطمية والعثمانية. فقد كان عملها يتركز على إيواء طلاب العلم والزوار وتقديم الطعام لهم في أحد أوقاف الدولة الإسلامية. ليتبدّل عملها الخيري في العصر الحاضر إلى توزيع الطعام على العائلات الفقيرة والمحتاجة.
ولعلّ من أشهر تكايا فلسطين التكية الإبراهيمية في مدينة الخليل التي أنشئت في عهد السلطان صلاح الدين الأيوبي عام 1279 للميلاد. ويقول عمار الخطيب (أبو أنس) أحد القائمين على التكية، والذي يعمل فيها منذ 25 عاماً، إنّ أهالي مدينة الخليل بشكل عام يحافظون على هذه التكية، ويستمرون في تقديم الطعام فيها على مدار العام، وذلك عملاً بما أمر به صلاح الدين الأيوبي عند إنشائها، حيث جعلها وقفاً لطلاب العلم وسكان المدينة وزوارها.
وكانت التكية عند إنشائها، كما يقول أبو أنس، تحتوي على أقسام لمبيت هؤلاء، بالإضافة إلى الأقسام المخصصة بإعداد الطعام وتقديمه، إلا أنها اليوم تقتصر على إعداد الطعام وتقديمه.
ومما يميز التكية الإبراهيمية عن غيرها من التكايا أنها لا تغلق أبوابها على مدار العام، وتعمل يومياً على تقديم الطعام. ويعرف عنها تقديم وجبة "الجريشة" يومياً. وهي وجبة معدّة من القمح المجروش والمسلوق. كما يتم طبخ اللحوم والدواجن يومي الجمعة والإثنين من كل أسبوع على مدار العام. أما في رمضان فلا تقدم الجريشة بل تطبخ اللحوم والدواجن وتوزع على شكل وجبات يومية للفقراء.
وبالعودة إلى التاريخ، فقد كان يقدم الطعام في التكية خلال الفترة الأيوبية ثلاث مرات يومياً. وكان العاملون فيها يدقون الطبول لإشعار الناس بوقت تقديم الطعام. ولم يقتصر الأمر على تقديم الطعام للبشر، بل امتد إلى خيول الزوار التي كان يقدم لها الشعير.
وتوالى الاهتمام بالتكية الإبراهيمية من مختلف الدول الإسلامية التي تعاقبت على حكم فلسطين. ففي العهدين الفاطمي والعثماني تم فرز مخصصات سنوية لها حتى تستمر في العمل على مدار العام. كما أوقف لها العديد من الملوك والسلاطين العقارات.
مضايقات الاحتلال
واستمر موقع التكية في الجهة الجنوبية من الحرم الإبراهيمي حتى العام 1964 حيث تم نقلها للجهة الشمالية من الحرم. لكن بعد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، أصبحت تعاني التكية من ضيق المكان الذي تتواجد فيه، إذ يمنع الاحتلال توسعتها، بالترافق مع تضييقه على سكان البلدة القديمة في الخليل، والذين يمنعهم من أي توسعة أو ترميم بالرغم من توفر التمويلات اللازمة لمثل هذه الأعمال.
كذلك، مرت التكية الإبراهيمية بفترات عصيبة خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي مع سعيه المستمر إلى تهويد مدينة الخليل وبالتحديد البلدة القديمة فيها. كما عانت خلال انتفاضة الأقصى (2000- 2005) من تكرار إغلاق الطرق إليها ومنع التجول في المدينة، ما حال دون وصول الكثير من الناس إليها للانتفاع بما تقدمه لهم.
وبالإضافة إلى تكية الخليل توجد تكية في مدينة نابلس، باسم تكية نابلس الخيرية. وهي حديثة الإنشاء، فقد افتتحت للمرة الأولى قبل ثلاث سنوات، وتحديداً عام 2012 تحت إشراف من لجنة زكاة نابلس.
وفي هذا السياق، يقول الشيخ حسنين العفوري الناطق الإعلامي باسم لجنة زكاة نابلس لـ"العربي الجديد" إنّ اللجنة عملت على إنشاء التكية قبل ثلاث سنوات انطلاقاً من الأهمية التي تعود بها التكايا على المجتمع، وما تعكسه من قيم التكافل انطلاقاً من آيات القرآن الكريم.
وينوه العفوري إلى أنّ مدينة نابلس كانت تحتوي على تكايا في مختلف الفترات التاريخية. وكانت التكايا تقدم الطعام للمحتاجين والأسر المستورة، إلاّ أن ظروف الاحتلال أدت إلى انقطاع عمل التكايا حتى إنشاء التكية الأخيرة. كما يشير إلى الفعالية الكبيرة لعمل تكية نابلس الحالية، مع تقديمها أكثر من 2000 وجبة طعام يومياً للعائلات المحتاجة خلال شهر رمضان الحالي. كذلك يلفت إلى أنّ تكية نابلس تعمل على تقديم وجبات الطعام مرتين أسبوعياً طوال العام لتلك العائلات. وتستمد التكايا في فلسطين تمويلها الأساسي من أهل الخير والعطاء في كل مدينة وذلك عن طريق صناديق الزكاة والتبرعات المباشرة. وهو ما يؤكد كثيرون على أنّه يعزز من قيم التكافل بين أفراد المجتمع. كما يقبل على العمل في التكايا العديد من المتطوعين من الشبان والشابات من مختلف أطياف المجتمع، ما يعزز من قيم الانتماء الاجتماعي لديهم.
اقرأ أيضاً: غزّة والضفّة تتحدّيان الفقر: "حملات" لمساعدة المحتاجين في رمضان