14 نوفمبر 2024
تكتيكات المسماري وكلاب جحا
قيل إن جحا قام من نومه، وقد عقد العزم أن يتاجر في العسل في حوران، ورُوي أيضا أنه أراد أن يتاجر في المراكب في اليمن، واليمن، كما قيل، أهل صناعة في المراكب من قديم الزمان. أما ما روي أخيرا عن جحا أنه أراد أن يتاجر في "الخردة" المنهوبة من الصحراء الغربية في ما بعد الحربين، علّه أراد أن يكون على مقربةٍ من المسماري، كي يسمع حكايات جحا طفلا، إلا أن جحا، على الرغم من اتساع أحلامه، سواء أكان في حوران أم اليمن أم الصحراء الغربية، لم يكن معه مليم واحد يخصه، أي من عرقه وكدّه، فيحكى أنه ذهب إلى والده، يشرح له مشروع سفره وتجارته، ويطلب منه، مرّة واحدة، أن يبيع له البقرة، كي يسافر بفلوسها مع وعده بأضعاف ثمنها، وشرح جحا للوالد خطة التجارة. شرح له والده أن أهل اليمن شطّار في صناعة السفن، فرد جحا: نتعلم الصناعة. .. قال الوالد: وأهل حوران أهل تجارة، لأنهم قبائل عربية في الأصل هاجرت وعرفت طرق التجارة بعد انهيار سد مأرب. .. رد جحا: التجارة قِرش والقرش معانا.
قال له الوالد: أما حكاية الخردة من الصحراء فهذه عبط، وأنت لا تملك جِمالا للأحمال الثقيلة، ولا تعرف الطرق والمهالك والألغام. .. في هذه المرة "حرن" جحا وقال: أما الحرب والقنابل والألغام فأنا لها، والمهم أن تعطيني ثمن البقرة وسترى. .. فأعطاه الوالد ثمن البقرة، وسافر جحا غربا حتى وصل إلى مطروح، ورأى البحر أول مرة. وخلال شهر أو أقل لم يفارق مطروح، وكان قد أنفق ثمن البقرة إلا قليلا على اللوكاندات والشاي والدخان، من دون أن يرى أن دبابة مرمية من مخلفات الحرب ولا مدفعا، فعاد جحا (تكتيكيا) إلى قريته، كما عادت جيوش المسماري إلى قواعدها تاركةً صناديق الذخائر.
هل حكيت تلك الحكايات له وهو طفل عن جحا قبل أن يشتري الساعة غالية الثمن، وقبل أن يعمل في الإعلام العسكري بسنوات من داخل خيمة أحمد سعيد ومحمد الصحّاف، ويأكل العيش والطعمية وسط طرابلس، بعد أن ينتصر على ثلاثة ملايين من أهلها معهم ما يوازي 21 مليون قطعة سلاح، وهو المنقول آلاف الكيلومترات بجيش قوامه من المرتزقة؟
عاد جحا بالطبع إلى قريته في قطار بضاعة، ولم يعد في جيبه سوى قرشين، فلجأ إلى آخر "تكتيكة هزلية ضاحكة" يبرر لوالده حصاد التجارة وعائدها الوفير، وكي يضمن زغاريد القرية وفرحها، كما اعتاد جحا في كل جولاته، خصوصا وأن القرية سمعت عن تجارته في عسل في حوران، ومراكب في اليمن، وخردة من الصحراء الغربية المليئة بالدبابات والمدافع القديمة.
بالقرب من قريته، مال جحا بالقرشين على قريةٍ قريبةٍ من قريتهم مشهورة بولادة الكلاب الكثيرة، فاشترى عشرين كلبا بقرش وطوقا من حديد علق به الأجراس والشخاليل بقرش، وربط العشرين كلبا في حبل من ليف طويل وراء بعضها، وعلّق الطوق بالأجراس والشخاليل في عنق الكلب الأمامي من الحبل، ودخل القرية مهللا. صحا والد جحا، وكعادته، كان قد شبع من أفعال جحا وأفاعيله، فضحك في أسى وسكت، وسأل: أين ثمن البقرة؟ فرد جحا ضاحكا: "صل على النبي وطُل بس لأبو طوق وشخاليل... اللي قدامي ده... ده بس بتلات بقرات".
ضحك والد جحا، وطلب العوض من الله في بقرته، أما المسماري فما زال "يتكتك" بالقرب من سرت على بعد 500 كيلومتر من طرابلس التي دخل وسطها مرارا، وأكل فيها العيش والطعمية. وقد يفكر في الأيام التالية بمساعدة ودودة من أولاد الشيخ زايد، بعد أن يفقد عمله الحالي، أن يتاجر في الخردة في اليمن، خصوصا وأن فيها مدافع قديمة مرمية من زمن فوق تلال الجبال من أيام جمال عبد الناصر، وأن يبتعد تماما عن مهنة الإعلام العسكري، وإن لم يتبق له أي أمل في أي تجارةٍ، ولم يفِ أولاد زايد في توفير عمل له في اليمن، حتى تجارة الخردة، فالبحر أمامه كي يتاجر في المراكب في الهند أو السند، فقد يرى جحا آخر هنديا ينتظره هناك من ألف سنة.
هل حكيت تلك الحكايات له وهو طفل عن جحا قبل أن يشتري الساعة غالية الثمن، وقبل أن يعمل في الإعلام العسكري بسنوات من داخل خيمة أحمد سعيد ومحمد الصحّاف، ويأكل العيش والطعمية وسط طرابلس، بعد أن ينتصر على ثلاثة ملايين من أهلها معهم ما يوازي 21 مليون قطعة سلاح، وهو المنقول آلاف الكيلومترات بجيش قوامه من المرتزقة؟
عاد جحا بالطبع إلى قريته في قطار بضاعة، ولم يعد في جيبه سوى قرشين، فلجأ إلى آخر "تكتيكة هزلية ضاحكة" يبرر لوالده حصاد التجارة وعائدها الوفير، وكي يضمن زغاريد القرية وفرحها، كما اعتاد جحا في كل جولاته، خصوصا وأن القرية سمعت عن تجارته في عسل في حوران، ومراكب في اليمن، وخردة من الصحراء الغربية المليئة بالدبابات والمدافع القديمة.
بالقرب من قريته، مال جحا بالقرشين على قريةٍ قريبةٍ من قريتهم مشهورة بولادة الكلاب الكثيرة، فاشترى عشرين كلبا بقرش وطوقا من حديد علق به الأجراس والشخاليل بقرش، وربط العشرين كلبا في حبل من ليف طويل وراء بعضها، وعلّق الطوق بالأجراس والشخاليل في عنق الكلب الأمامي من الحبل، ودخل القرية مهللا. صحا والد جحا، وكعادته، كان قد شبع من أفعال جحا وأفاعيله، فضحك في أسى وسكت، وسأل: أين ثمن البقرة؟ فرد جحا ضاحكا: "صل على النبي وطُل بس لأبو طوق وشخاليل... اللي قدامي ده... ده بس بتلات بقرات".
ضحك والد جحا، وطلب العوض من الله في بقرته، أما المسماري فما زال "يتكتك" بالقرب من سرت على بعد 500 كيلومتر من طرابلس التي دخل وسطها مرارا، وأكل فيها العيش والطعمية. وقد يفكر في الأيام التالية بمساعدة ودودة من أولاد الشيخ زايد، بعد أن يفقد عمله الحالي، أن يتاجر في الخردة في اليمن، خصوصا وأن فيها مدافع قديمة مرمية من زمن فوق تلال الجبال من أيام جمال عبد الناصر، وأن يبتعد تماما عن مهنة الإعلام العسكري، وإن لم يتبق له أي أمل في أي تجارةٍ، ولم يفِ أولاد زايد في توفير عمل له في اليمن، حتى تجارة الخردة، فالبحر أمامه كي يتاجر في المراكب في الهند أو السند، فقد يرى جحا آخر هنديا ينتظره هناك من ألف سنة.