تكسير الأقلام سياسياً
عمر الجنابي
إعلامي عراقي مستقل يقول: قلمي سلاحي الوحيد... ولا أفكر بالتخلي عنه"
ولكي لا يموت الأمل فيهم، وحتى لا يرفعوا الراية البيضاء لليأس والانكسار عاد أبناء تلك المناطق الموجوعة إلى مقاعد الدراسة من المخيمات ومن المناطق التي فروا إليها بحثاً عن استقرار مؤقت من هول فوضى المعاناة والألم، ومن جوف كل ذلك صنعوا لأنفسهم مصباحاً أناروه وسط طريقهم المظلم المدمر، والذي بُعثِرَت فيه صور الأحلام والطموحات، فصار لزاماً عليهم الوصول إلى الهدف المبتكر بالأمل المنتزع المصوّر في الأذهان النقية.
لا حقائب ولا قرطاسية ولا دفاتر وألواناً زيتية، وحدها المعوناتُ وبعض الأوراق والكتب المهترئة ما حصلوا عليه في وحشتهم ليبدؤوا الخوض في بحر اللغة وعلومها، وليجبروا الكسور ويتفاعلوا مع كل معادلة تعيد لهم شيئاً من التاريخ والأرض التي زرعت في فجواتها جيناتهم وسقيت بكل فصيلة من دمائهم، فتلك الحياة مدرسة وهم خير طلابها، ومن جدَّ وجد العلم والمعرفة وواجه كلّ أنواع الظلم والطغيان.
لكن للأحلام كوابيس، وكابوس الطلبة النازحين كان قاسياً ومُفزِعاً كواقعهم، حيث أبت السياسةُ أن تحلّ عنهم، ليقعوا ضحية التقارب السياسي بين كتلة وزير التربية محمد إقبال الصيدلي وجهاتٍ أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن، فتقرر أن تكون نتائجهم في امتحانات البكالوريا غشاً جماعياً بعقوبة جماعية شبيهة بتلك التي ساوت مدنهم بالأرض، ليتساوى الطلبة بالرسوب في جميع موادّهم الدراسية، وينجح من أراد بهم وبأهلهم سوءاً في مهمته، وليبدأ فصل جديد من الألم والخيبة في وطن نزعت فيه الرحمة من قلوب من يحكمونه وساد الظلم والجور مفاصله، وأبيدت فيه الأرواح والعقول وحتى الحجر، وولّى زمن الأنين، فما عاد حتى الصراخ يُجدي مع كل من طغى واستكبر.
وحتى تنهي وزارة التربية كل الآمال وتوصدَ كل الأبواب أمام الطلبة النازحين لم تتوانَ عن ارتكاب جريمة أخرى بحق هؤلاء المظلومين، حيث لُدغوا من الجحر ذاته، فأدخلت الخلافات الشخصية والصفقات السياسية للوزير في عمله مرة أخرى، وليقرر الوزيرُ الصيدلي، والذي من المفترض أن يكون له من اسمه نصيب، إغلاقَ المدارس المجانية الخاصة التي افتتحها رجلُ أعمال عراقي في مناطق لجوء النازحين بإقليم كردستان شمال البلاد، والتي عددها ثماني عشرة مدرسة، واحتضنت واحداً وعشرين ألف طالب من النازحين العرب إلى محافظات الإقليم، والتي لا توجد فيها مدارس تدرّس باللغة العربية، كون جميع سكان تلك المحافظات من الكرد العراقيين، إضافة إلى خمس مدارس في مناطق النزوح على امتداد العراق، وعلى الرغم من تحقيق طلبة تلك المدارس نتائج باهرة في امتحانات البكالوريا، حيث اجتاز خمسة وسبعون طالباً التسعين بالمائة من المعدل النهائيّ لطلبة السادس الإعدادي. فهل يمكن لوزير أقسم على حمل أعباء التعليم ومصير الأجيال على عاتقه أن يصرّ على إغلاق تلك المدارس رغم درايته بأن الطلبة النازحين مدنُهم مدمرةٌ وغيرُ قادرين على دفع تكاليف المدارس الخاصة الأخرى، والتي تحصل على دعم وزارة التربية، على الرغم من ارتفاع أجور الدراسة فيها، في وقت عجَزَ فيه الوزير ووزارته عن تأمين مدارس مجانية تكفي لهذا الكمّ الكبير من الطلبة النازحين، إلا أنه لم يتردد في غلق المدارس التي وظفت عشراتِ الخريجين من النازحين ضمن كوادرها التدريسية، وساعدت آلاف الطلبة في البقاء ضمن عجلة التعليم التي يبدو أنّ هناك من يسعى لعدم مواكبتهم لها كأقرانهم في باقي أنحاء البلاد.
ألم يشعر الوزير بالخجل لأنّ امتحاناتِ وزارته شابَها الغشّ في جميع المراكز بلا استثناء وعلى نسبٍ متفاوته، ولم يجرؤ على فتح تحقيق بأسبابه، بينما نراه استأسدَ على الطلبة النازحين، وألغى امتحاناتهم، وأعطاهم درجة الصفر التي كان يستحقها هو وطاقمه، بعد هذه النتائج الامتحانية المتدنية، وذلك الخلل الواضح في العمليتين التدريسية والامتحانية؟!
الإصرارُ على تأخر شباب العراق في التعليم ووضعُ العراقيل وصنعُ العثرات في طريقهم سبلٌ خبيثةٌ يتبعها سياسيو المصادفة الذين غشّوا في كل شيء حتى في أهدافهم المعلنة في الانتخابات، فظنوا أنّ الشباب كمثلهم، لكنّ الحبر سيبقى يرطب أوراقنا والنور سيبقى مضاء في دروبنا مهما عتّمت أفكاركم، ومهما حيكت الشباك، ستنطق أقلامنا، ولن تنكسر، وستمحو الممحاة كل القوانين والقرارات الجائرة بحق الأشراف.
إعلامي عراقي مستقل يقول: قلمي سلاحي الوحيد... ولا أفكر بالتخلي عنه"