يعتبر تل الزندان من أكبر المواقع الأثرية والتاريخية الشاخصة في محافظة ديالى، ويَقع على بعد 12 كلم جنوب بلدة المقدادية، ويعود إنشاؤه إلى العهد الساساني بين القرنين الثاني والثالث الميلادي.
وتل الزندان عبارة عن بناء ضخم على شكل مستطيل يمثل طراز البناء في ذلك العهد، وكان يتكون من 16 برجاً بقي منها 12 برجاً، وله بابان. ويبلغ سمك جدار البرج 19 قدماً ويحوي كل منها ثلاث فتحات معدة لوقوف حارسين، وهذا ما يؤكد الغرض الأساسي من التصميم الذي استخدم آنذاك لصد الهجمات الرومانية.
ونسج القرويون وسكان البلدات المجاورة القصص والحكايات عن تل الزندان بعضها خيالي أو أسطوري على سبيل المتعة والإثارة أو لردع الصبيان من الصعود إلى التل، خوفاً عليهم من الأفاعي والعقارب التي كانت تلف المكان. وتحكي إحدى القصص عن الكائن الحجري الذي يظهر ليلاً مع اكتمال القمر ويبحث عن عن المتخاصمين لعقابهم، وأخرى عن الجن الذي يسكن التل ويبحث عن الصبيان المشاكسين.
يقول رئيس المجلس المحلي في بلدة المقدادية عدنان التميمي، إن الآراء بشأن تل الزندان الذي يقع على مقربة من البلدة، متضاربة بين السكان وخصوصاً كبار السن، وتشير المعلومات إلى تشييده في الفترة المحصورة ما بين القرنين الثاني والثالث الميلادي.
ويوضح أن المعلم الأثري الشاخص من أهم وأكبر المواقع الأثرية في ديالى، وهو على شكل مستطيل من الخارج ومحصن بجدران سميكة مبنية من الطين والصخر، كما أن الناس يتداولون عدة قصص حوله. ويقال إنه شيد في عهد الساسانيين لاتخاذه مقراً عسكرياً أو قلعه لصد الهجمات والحروب، وهناك من يقول إنه كان عبارة عن سجن ساساني أو مكان لمملكة أو مقر عسكري فارسي.
فراس الداغستاني مُدرس كان يقطن قرية الشيشان، القريبة من التل يقول لـ"العربي الجديد": "قبل أن أهجر قريتي، كثيرًا ما صعدت فوق ذلك البناء الجميل ولاحظت أن المادة بين الطابوق بيضاء وقوية جدا وأقوى من الإسمنت، وكثيرا ما سمعنا أنها ناتجة من مزج مادة الجص بماء العظام لما تحتويه العظام من مواد كلسية وصمغية وجيلاتينية، كما يوجد بجانبه بناء أصغر منه يقال إنه كان مطبخًا يطبخ فيه الطعام وينقل إلى المدائن ومنها إلى كسرى باليد من جندي إلى آخر ويصل ساخناً الى طبق كسرى، لكنّ البناء ذا الحجم الأصغر هدمه الأهالي للاستفادة من الطابوق، وأغلب دور مدينة شهربان القديمة (المقدادية) مبنية من هذا النوع من الطابوق المسطح لما له من مواصفات القوة والمتانة".
ويعتبر أحد كبار السن في المنطقة، وهو عبد الله القيسي، أن "المكان منجم مهم لكل من لديه هواية نسج القصص الخيالية، أو لديه شغف بقصص من العالم الآخر مثل الجن والكائنات الأسطورية وغيرها". ويضيف: "بسبب براءة أهل المنطقة وطبيعة معيشتهم والمجتمع المتصالح مع نفسه، صاروا يتناولون تلك القصص من زوايا عدة وكلها على سبيل المتعة والإثارة والتخويف للصبيان، وحتى العجائز كن يصعدن هناك للدعاء ظناً منهن أنها أرض مميزة".
ويتابع: "إن هذا البناء يعود إلى قرية الشيشان ويحدها من الشمال، كما يحد قرية الأسود من الجنوب، متوسطا أراضيَ زراعية ويحوي بداخله عدة أنفاق ودهاليز. وعلى الجهات المعنية إيلاء تلك المواقع اهتماماً حقيقياً لأنها تعنى بتاريخ المحافظة وتعود بالفائدة لسكان المدينة إذا ما استغلت بالشكل المناسب كما يحدث بالتعامل مع الآثار والحفاظ عليها في جميع دول العالم، لا سيما تلك التي تحتضن عددًا من الآثار وما أكثرها في بلدنا العراق.
ويكشف رئيس مجلس محافظة ديالى علي الدايني في شهر إبريل/نيسان الماضي، أن 95 بالمائة من المواقع الأثرية في المحافظة مندثرة تحت التراب ولم يتم استكشافها، مؤكداً أن المجلس نجح في إيقاف أكثر من 40 شخصاً تجاوزوا هذه المواقع.
ويلفت إلى أن المحافظة تضم أكثر من 800 موقع أثري تمتد لحقب وعصور مختلفة بعضها عمره أكثر من 5 آلاف سنة يعود لحضارة أشنونا والسومريين، وإن 5 بالمائة منها خضع لعمليات تنقيب من قبل فرق الاستكشاف، والبقية لا يزال مطمورا تحت التراب.
وتعاني مواقع أثرية عدة في محافظة ديالى (57 كلم) شمال شرقي بغداد من الإهمال والتجاوز، ما هدد بزوالها خاصة في المناطق الزراعية والنائية.