شهدت محافظة شمال سيناء في الأيام الأخيرة تصاعداً في الغارات الجوية التي استهدفتها، في أعقاب الهجوم الدموي الذي نفذه تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" على كمين للجيش المصري في 16 فبراير/ شباط الحالي، وأدى لمقتل 16 عسكرياً، بينهم ضباط. وقد كانت لإسرائيل حصة في هذه الغارات، إذ استهدفت طائراتها مدينتي رفح والشيخ زويد، فيما لم يعرف مدى تأثر "ولاية سيناء" بالغارات التي من المفترض أنها استهدفت مراكز ومواقع تمركز تابعة له في المحافظة.
وفي تفاصيل المشهد الميداني، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، إنه منذ وقوع الهجوم على كمين "جودة 3" على طريق مطار العريش، شنّ الطيران الحربي أكثر من ثلاثين غارة على مدن رفح والشيخ زويد وجنوب العريش، فيما لم تعرف هوية الطيران في أكثر من مرة، خصوصاً ذلك الذي ينفّذ الغارات في مناطق رفح وجنوب الشيخ زويد. لكن نظراً إلى أن هذا الطيران ينسحب من اتجاه البحر إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإن ذلك يشير إلى أنه إسرائيلي الهوية، بالإضافة إلى أنّ الغارات التي يشنها الطيران الحربي في العريش غالباً ما تكون من فعل الطيران الحربي المصري.
وأضافت المصادر نفسها، والتي رفضت الكشف عن هويتها، أنّه من المؤكّد أن الاستهدافات تتركّز على نقاط تمركز تابعة لـ"ولاية سيناء". إلا أنّ التنظيم في المقابل لم يعلن عن أي خسائر بشرية أو مادية في صفوف مجموعاته في أعقاب القصف الجوي المتصاعد في الأيام الأخيرة، فيما كانت بعض الغارات تستهدف أراضٍ زراعية فارغة، أو منازل تم تهجير سكانها منها على يد الجيش المصري خلال العملية العسكرية الشاملة وما قبلها، في مدينتي رفح والشيخ زويد. وهو ما قد يضعف احتمال تعرّض التنظيم لضربات قوية على يد الطيران الحربي سواء كان المصري أو الإسرائيلي، فيما لا تزال الطائرات الحربية بدون طيار تحلق بشكل شبه دائم في أجواء المحافظة عموماً.
ورصدت "العربي الجديد" خلال الأيام الماضية، تحليق الطيران الحربي على ارتفاعات منخفضة في أجواء مدينتي رفح والشيخ زويد، حيث شنّ غارات مكثفة على منطقة غرب رفح وجنوب الشيخ زويد، بدون الإبلاغ عن وقوع إصابات، وفق ما أكدت مصادر طبية في مستشفى العريش العام لـ"العربي الجديد"، في أعقاب القصف الجوي الذي تركز تحديداً خلال أيام الجمعة والسبت والأحد، بالتزامن مع قصف مدفعي من الكمائن والارتكازات العسكرية على طول الطريق الدولي الرابط بين مدن محافظة شمال سيناء.
اقــرأ أيضاً
وفي التعقيب على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد"، إنّ "النظام المصري وحلفاءه يحاولون تعويض الفشل الأمني الذريع في ساحة القتال البرية بين الجيش والتنظيم، بالقصف الجوي من قبل الطائرات الحربية المصرية والإسرائيلية، في محاولة للتغطية على الخسائر البشرية الفادحة التي مني بها الجيش في الآونة الأخيرة، رغم مرور أكثر من عام على بدء العملية العسكرية الشاملة التي كان المراد منها القضاء على تنظيم ولاية سيناء، الذي لا يزال يحتفظ بجزء كبير من قوته العسكرية والبشرية". وأضاف "لكن رغم هذه المحاولات، إلا أنّ القصف الجوي لن يحقق الأهداف المرجوة منه بالقضاء على التنظيم، في ظلّ عدم وجود سيطرة أمنية كاملة على الأرض من قبل قوات الجيش والشرطة المنتشرة في سيناء".
وبرأي الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، فإنّ "كثافة القصف الجوي على سيناء قد لا تكون ذات تأثير حقيقي على ولاية سيناء، بالنظر إلى أنّ الجيش المصري يفتقد للمعلومات عن تحركات التنظيم وقدراته وأماكن انتشاره، بدليل نجاح الأخير في تنفيذ الهجمات في الوقت والمكان اللذين يحددهما، بدون أن تتمكّن الاستخبارات المصرية من الوصول لمعلومات مسبقة عن نية التنظيم تنفيذ الهجمات وبالتالي التصدي لها. ويستثنى من ذلك القصف الجوي الإسرائيلي، الذي يأتي بناءً على معلومات استخباراتية تجمعها قوات الاحتلال عبر وسائل تكنولوجية حديثة. وبالتالي قد يكون القصف الجوي الإسرائيلي أكثر إيلاماً للتنظيم من القصف المصري الذي قد يكون الجيش المصري يستخدمه في المرحلة الحالية كإجراء احترازي من وقوع هجمات، عبر استمرار القصف والتحليق المستمر للطيران الحربي في أجواء المحافظة، خصوصاً خلال الليل والفجر، وهي الأوقات التي يعتمدها التنظيم لشنّ هجماته النوعية".
يشار إلى أنّ الجيش المصري بدأ عملية عسكرية واسعة النطاق في التاسع من فبراير/ شباط 2018 في شمال سيناء، وهي لا تزال مستمرة، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين والعسكريين المصريين، عدا عن هدم وجرف عشرات المنازل والمزارع في مدن محافظة شمال سيناء، من دون تحديد موعد لانتهائها، خصوصاً في ظلّ استمرار هجمات التنظيم ضدّ أهداف الجيش كافة.