وكتبت صحيفة "قانون" المستقلة، في مقال تصدر عنوانه على غلافها، أن ممثل روسيا في الأمم المتحدة أعلن أن بلاده اتفقت مع إسرائيل حول الوجود الإيراني في سورية، وأشارت إلى أن الشارع الإيراني يتوقع من مسؤوليه الذين يقفون بوجه المطالب الأميركية والغربية المتزايدة وينتقدون تحالف هؤلاء مع كيان إسرائيلي يقتل الأطفال، أن يبدوا ردّ فعل مماثل إزاء روسيا، وأن يطبقوا المبدأ الرئيسي الذي تقوم عليه السياسة الخارجية الإيرانية، والذي يقول "لا شرقية ولا غربية".
وأضافت صحيفة "قانون" أنه "لم يكن من المُفترض أن تترك روسيا ظهرَ إيران خالياً في مرحلة ما بعد داعش، وأن تتفق مع العدو الأول للإيرانيين، لكن هذا يؤشر إلى عدم الوفاء الروسي تاريخياً". ورأت أن مسؤولين في النظام السوري لا يزالون يدافعون عن إيران، وأنهم أصدروا ردود فعل على ما وصفته بـ"المطامع الروسية"، وكان آخرها ما جاء على لسان وزير الخارجية وليد المعلم.
ونقلت الصحيفة كلام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي رأى أن مغادرة القوات الإيرانية من سورية قد تعني موافقة تل ابيب على بقاء بشار الأسد في السلطة، وهو ما يعني "وجود خطة لحذف إيران من ساحة المقاومة"، وأن أعداءها الذين لم يصلوا إلى نتيجة بالترهيب "بدأوا باستخدام سلوك الترغيب والتطميع".
ولم تبتعد مجلة "سازندغي" الإصلاحية المعتدلة كثيراً عن هذا التوجه، إذ نشرت صورة للأسد على غلافها وهو يرتدي عباءة، وكتبت عنواناً مفاده "تخطي إيران؟"، قائلةً إن روسيا وسورية اتفقتا على مستقبل الأسد، وأشارت إلى وجود حديث عن تقارب سوري - سعودي، واحتمال مشاركة الأسد في القمة العربية المقبلة، كما أشارت للملف ذاته الذي طرحته "قانون" بالقول إن إسرائيل ليست لديها مشكلة في إبقاء الأسد رئيساً بحال خروج القوات الأجنبية من سورية، متسائلةً عن معنى كل هذا، وما إذا كان يعني أن الأسد يعود إلى مرحلة ما قبل الحرب في سورية، كما تساءلت عن دور فلاديمير بوتين في وضع الاستراتيجية الجديدة بين دمشق وموسكو.
رسمياً، يستعد الرئيس حسن روحاني لزيارة الصين، بهدف حضور الاجتماع الثامن عشر لرؤساء دول "منظمة شنغهاي"، ومن بينهم بوتين، الذي سيلتقيه هناك في وقت لاحق خلال الشهر الحالي. وقبل ذلك، كان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني الأعلى علي شمخاني قد دعم التوجهات الروسية في سورية، في تصريحات لافتة.
وقال شمخاني أخيراً إن بلاده تقف مع المسعى الروسي الرامي إلى إخراج من وصفهم بالإرهابيين من منطقة الحدود السورية - الأردنية، مؤكداً عدم حضور إيران هناك.
وأضاف أمين مجلس الأمن القومي الإيراني، في مقابلة نشرتها وكالة "فارس" للأنباء قبل أيام، أن السياسة الخارجية والأمن الدولي لا يمكن فصلهما عن السياسة المحلية والأمن القومي، معتبراً أن سياسة إيران الخارجية تشكل امتداداً لسياستها الداخلية، وتسعى إلى تحقيق ما يصب لصالح الأمن القومي وتأمين مصالح النظام.
ومن اللافت كذلك صدور تصريح لمستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي في الشأن ذاته، إذ قال إنه يجب على إيران أن توجه نظرتها نحو الشرق لا نحو الغرب، قاصداً بذلك روسيا والصين، ودافع عن موسكو التي رأى أنها رفضت مشروعاً بريطانياً يهدف إلى إدانة إيران في اليمن، بل واعتبر ولايتي أن بوتين استطاع الفصل بين الملف النووي من جهة، والملفين الصاروخي والإقليمي اللذين تستخدمهما أطراف غربية من قبيل فرنسا للضغط على طهران من جهة أخرى، مؤكداً في تصريحات حديثة، أن روسيا لا تريد فرض إملاءاتها على إيران، وأن تعاون الطرفين معاً ضروري للغاية، خاصة في المسائل العسكرية الدفاعية.
ورداً على كلام ولايتي بالذات، كتب مستشار الرئيس الإيراني، حميد أبو طالبي، في تغريدة على "تويتر"، أن "سياسة لا شرقية ولا غربية استراتيجية ثمينة تهدف للتوحد حول مفهوم سياسة خارجية مستقلة، والسعي لتغيير ذلك والدعوة لاستدارة نحو الشرق يُخالف شعارات الثورة الإسلامية ورؤية الإمام الخميني، ويتسبب بانقسام المجتمع لمدافعين ومعترضين على التوجه نحو الشرق أو الغرب". وأشار أبو طالبي إلى أن هذا المبدأ مذكور ومدون دستورياً، واللوحة المعلقة على أبواب الخارجية الإيرانية التي تقول "لا شرقية ولا غربية، إنما جمهورية إسلامية" ليست مجرد لوحة وشعار.
ولطالما كانت العلاقات الإيرانية - الروسية حذرة، كون التجارب التاريخية تركت بصمات ثقيلة على مسارها، ولطالما ارتفع مستواها مع تقاطع مصالح كلا الطرفين الاقتصادية والسياسية على حد سواء، وكلما ازداد التوتر بين موسكو وواشنطن.
ومرّت العلاقات بين روسيا وإيران بمراحل شدّ وجذبٍ مختلفة طيلة القرون الأربعة الماضية، ونَقلَها تفكك الاتحاد السوفييتي إلى مستوى آخر، فطهران لم تعد ترى في روسيا تهديداً لحدودها الشمالية بعد ذلك، واطمأنت موسكو من جهتها إلى سياسة الجمهورية الإيرانية مع الوقت.
واندفعت طهران كثيراً نحو موسكو بعد أزمة البرنامج النووي التي بدأت عام 2002. ورغم أن روسيا وافقت على العقوبات على إيران، لكنها استفادت كثيراً من التصعيد إزاءها بعلاقات تجارية ونووية وعسكرية مميزة.
ورغم الخلاف بينهما على تقسيم بحر قزوين الواقع شمالي إيران، إلا أن التحولات الإقليمية، وخاصة ما جرى في سورية، عزز العلاقة بين البلدين، حتى أن إيران فتحت قواعدها وأجواءها مؤقتاً للمقاتلات الروسية المتجهة نحو سورية، وهو ما حذر من تبعاته كثر في الداخل، مبدين عدم ثقتهم بموسكو، وهذا ما بدأ يطفو على السطح مع ارتفاع وتيرة الحديث عن الوجود الإيراني في سورية، وخاصة مناطق الجنوب التي تقلق إسرائيل.