لا تزال أزمة اللاجئين تؤرق الدول الأوروبية، مع استمرار وصول الآلاف منهم إلى حدود دول العبور الأوروبية. وفي حالة الحدود بين النمسا وألمانيا، حيث يصل الآلاف من البشر في محاولة الاستمرار شمالاً نحو ألمانيا، تسعى سلطات البلدين لإيجاد حلول بديلة لمشهد تكدّس بشري يومي يحاول عبور الحدود بشكل غير منظم، لم يفد فيه تدخّل الشرطة للسيطرة على الوضع. وتم التوصل إلى اتفاق بين البلدين يتمثّل في إيجاد "خمس نقاط ساخنة" لوقف التدفق اليومي. النقاط الساخنة تلك ستكون نقاطاً حدودية، حيث سيكون على اللاجئين والمهاجرين العبور من خلالها. وبحسب ما نقلت وكالة الأنباء الألمانية عن متحدثة باسم وزارة الداخلية الألمانية فإن الهدف "هو وضع إجراءات أكثر تنظيماً".
وكانت السلطات المحلية في ولاية بافاريا قد عبّرت ولوقت طويل عن عدم رضاها على سوء التواصل والتنظيم مع الجانب النمساوي، الذي جرى انتقاده في الأيام السابقة بسبب السماح للاجئين بالعبور بشكل كثيف وبالآلاف يومياً. وطالبت الولاية دائماً بضرورة التنسيق الأفضل بين الطرفين، لما يحمله ذلك من تسهيل لعملية تسجيل اللاجئين وتنظيم فرزهم.
النقاط الساخنة الحدودية ستسمح بدخول حوالى 50 شخصاً في الساعة، وهو ما كان يطالب به وزير داخلية ألمانيا توماس دي مايزير، حين انتقد السلطات النمساوية على قيامها بنقل المهاجرين نحو الحدود الألمانية وتركهم هناك، ليحاولوا الدخول ليلاً في وضع غير لائق للبشر. وكانت الشرطة النمساوية قد رفضت تلك الاتهامات ودخلت الدولتان في تفاوض أدى في النهاية إلى اتفاق يخفف الضغط الكبير على حدود ألمانيا الجنوبية.
وعلى الرغم من رفض سياسيي ألمانيا لسياسة بناء الجدران ونصب الأسلاك الشائكة بين الدول، إلا أن القلق يعتري قيادات ألمانية من "غياب التعاطف والتفهم الشعبي لتدفّق اللاجئين". وبحسب ما قال الرئيس الألماني يواكيم غوك، فإن "هناك حدوداً لقدراتنا، وإمكانيات إدخال الناس محدودة أيضاً، حتى لو لم نكن نعرف بعد عن أي سقف يجري الحديث".
القلق عند السياسيين الألمان من فقدان الدعم الشعبي لهم مع انخفاض حادٍّ في شعبية المستشارة أنجيلا ميركل، يتزايد مع ارتفاع أعداد المتدفقين من كوسوفو وألبانيا، البلدين اللذين تراهما ألمانيا آمِنَيْن، وتعتبر القادمين منهما مهاجرين اقتصاديين يبحثون عن عمل، وفق ما يقوله سياسيون وشارع ألماني بات يُعبّر عن تذمره من تكاليف بلده في استقبال تلك الأعداد الكبيرة. وفي جهة أخرى، يعبّر الألمان أيضاً عن دهشتهم الكبيرة من أعداد المهاجرين الضخمة ممن يدعون بأنهم سوريون، للحصول على إقامات بينما هم ليسوا كذلك.
وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية الألماني في سبتمبر/أيلول الماضي: "نحن نرى لاجئين سوريين لا يعرفون العربية. هناك جوازات سفر مزورة يحملها أشخاص وهم يدّعون بأنهم سوريون". وتعالت حينها الدعوات إلى تسريع بحث طلبات اللجوء لكي تجري إعادة من حضر من دول البلقان، أو ادعى بأنه من سورية ولم يكن كذلك.
اقرأ أيضاً: عشرات الآلاف في أوروبا يتظاهرون دعماً للاجئين.. وآلاف ضدهم
في المقابل، يتخوّف حزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في كوادره المتوسطة والمتدنية من تراجع التأييد الشعبي لميركل، ما ينعكس سلباً على شعبية الحزب. وتحذر بعض شخصيات الحزب من أن يجري إطلاق تسمية "عنصريون" على من يعارضون سياسة اللجوء، وهو ما ذهب إليه مقرر الشؤون الداخلية في الحزب فولفانغ بوسباخ بالقول: "أحذر من وضع المنتقدين في إطار أنهم يمارسون الكراهية ضد الأجانب". كما أن رئيس وزراء ولاية بافاريا، هورست سيهوفر، يُعرف عنه تأييده لمواقف رئيس الوزراء الهنغاري المتشدد، فيكتور أوربان، رافضاً شيطنة تصريحات المعارضين لتدفق آلاف اللاجئين.
وكشف معهد "فورسا" لاستطلاعات الرأي، في استطلاع نشره الأسبوع الماضي، تراجع التأييد لـ"الاتحاد الديمقراطي المسيحي" بنقطتين أي حصوله فقط على 36 في المائة من تأييد المستطلعين، وهي أقل نسبة تأييد في السنوات الثلاث الأخيرة، بينما التحالف الذي تقوده ميركل، مع الاجتماعيين الديمقراطيين، أظهرت استطلاعات أخرى خسارته خمسة في المائة عما حصل عليه في انتخابات 2013 حين جرى تشكيل الحكومة.
المقلق حزبياً وشعبياً هو تقدّم اليمين المتشدد واستفادته من أزمة الحكومة الألمانية مع تدفق المهاجرين، فيما يبث ارتفاع الخطاب المتشدد حالة قلق بين نخب وأحزاب المجتمع الألماني، مع كل رقم جديد يخرج عن أعداد المتدفقين، ويخشى يسار الوسط من أن ذلك التقدم سيزيد من التحريض المباشر وغير المباشر ضد الأجانب في ألمانيا، وهي حالة باتت تعيشها عدد من المجتمعات في أوروبا الغربية والشمالية، فعلى الرغم من وجود عشرات القضايا الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تُشكّل أرضية لتقدُّم تلك الأحزاب والقوى، إلا أن اللعب على وتر اللجوء والهجرة يزيد الأمر تعقيداً من حيث التحديات داخل أحزاب اليسار ويسار الوسط والمجتمعات المهاجرة حديثاً، أو تلك التي تقيم منذ عقود، مخافة اختلال العلاقات الداخلية بشكل سلبي.
اقرأ أيضاً: أوروبا شرقية وغربية مجدداً: حصص إلزامية للاجئين ومحطات بديلة