بدأ مسار التواجد التركي في شمال العراق، يتخذ أبعاداً جديدة، مع إعلان مسؤول عراقي بارز في إقليم كردستان، عن اجتماع هام مرتقب في أربيل، يضمّ ممثلين عن الجانبين الأميركي والتركي ومسؤولين عن الإقليم، لبحث تنسيق تحرّكات الأطراف الثلاثة في الحرب ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كأول اجتماع ثلاثيّ من هذا النوع.
ويكشف رئيس ديوان رئاسة إقليم كردستان فؤاد حسين، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الاجتماع سيُعقَد على الأغلب في أربيل، وسيضم ممثلين عن الولايات المتحدة وتركيا وإقليم كردستان"، مبيناً أن "الهدف من الاجتماع هو تعزيز التنسيق بين الجهات الثلاث حول الحرب ضد تنظيم داعش".
وتمّ الاتفاق حول الاجتماع خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني إلى العاصمة التركية أنقرة، الأسبوع الماضي، وفقاً لحسين. ويؤكد قيادي بـ"التحالف الكردستاني" ذلك، مؤكداً أن "الأطراف الثلاثة ينسّقون أمنياً وعسكرياً، كونهم يمثلون شركاء ثقة في العراق".
مع العلم أن العلاقات بين كردستان وتركيا دخلت مرحلة متقدمة من التفاهم، وتجسّد ذلك بالاهتمام الذي حظيت به زيارة البرزاني الأخيرة لأنقرة، مع وضع علم إقليم كردستان في صالة الاجتماع، التي التقى فيها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بالبرزاني، وتكرّر الأمر أثناء لقاء رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والبرزاني.
اقرأ أيضاً: وساطة أميركية بين بغداد وأنقرة... والعراق يستعين بالأمم المتحدة
وتفيد تقارير لوسائل إعلام تابعة للحزب "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة البرزاني، بأن "رئيس الإقليم التقى، وبعيداً عن الإعلام، مؤسس حزب العمال الكردستاني المسجون في تركيا عبد الله أوجلان، وأن اللقاء تمّ في أنقرة وليس في جزيرة إيمرالي (التي يقضي فيها أوجلان عقوبة السجن مدى الحياة منذ عام 1999)".
ويكشف اللقاء بحدّ ذاته تطوراً في الموقف التركي من قضية السلام وإنهاء العنف الداخلي بالاستفادة من البرزاني وأوجلان، بهدف سحب البساط من تحت الجناح المسلح المتطرّف في حزب "العمال الكردستاني"، الذي بات خاضعاً لإيران.
وبحسب مراقبين فإن التنسيق التركي ــ الكردي حول ملفات عديدة مشتركة آخذ في التحسن، وهو بخلاف العلاقات بين أنقرة وبغداد، التي انتقلت لمرحلة توتر واضح، بسبب وجود قوة تركية بالقرب من مدينة الموصل، شمالي العراق.
وأثار تواجد القوة التركية ردود فعل غاضبة ببغداد وبقية العراق، عدا إقليم كردستان، ودخلت المرجعية الشيعية في النجف على خط الأزمة، إثر مطالبة ممثل عن المرجع علي السيستاني العراقيين، بـ"إعداد أنفسهم لمواجهة الاحتلال التركي".
وتشير تحليلات المراقبين إلى أن "الأتراك يرغبون بالمشاركة في تحرير مدينة الموصل، بسبب البعد المذهبي للموضوع، كما يرغب الأتراك في مراقبة تحركات حزب العمال الكردستاني من ذلك الموقع، ومنع تمدّد مسلحيه إلى تلك المنطقة، خصوصاً سنجار الاستراتيجية، الواقعة بين العراق وسورية".
وقد أثارت جولات البرزاني الشهر الحالي على عواصم عربية، ثم تركيا، حفيظة الإيرانيين. ما دفع وكالة "ارنا" إلى الخروج بتقرير، يوم الجمعة، شنّت فيه هجوماً على الزيارة، مشيرة إلى أن "البرزاني يزور تركيا من دون صفة رسمية، سوى كونه رئيس حزب".
ولفتت الوكالة في تقريرها أيضاً إلى أن "زياراته إلى كل من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وبعدها العاصمة السعودية الرياض، ثم أنقرة، تكشف علاقته بالحلف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم هذين البلدين". قبل أن تسخر في التقرير من الزي الكردي للبرزاني، على الرغم من أنه لم يكن يرتديه أثناء الزيارة. وأثارت هذه السخرية، ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي بين الأكراد في إيران والعراق، ما دفع الوكالة إلى سحب التقرير وتقديم الاعتذار.
ويعتقد المحلل السياسي الكردي أن "تركيا لا ترغب بأن ترى نفسها محاطة بثلاثة دول يحكمها الشيعة هي إيران والعراق وسورية، وأنها تتعامل منذ فترة، تحديداً في الملف الاقتصادي مع اقليم كردستان كدولة، وهي عندما ترغب بإرسال قوات إلى عمق الأراضي العراقية، فإنها ربما أرادت حماية استقلال الإقليم، وهو ما يفسّر صوت الصراخ على سيادة العراق". ويختم كريم كلامه قائلاً إن "البرزاني سيعلن الدولة الكردية حتى لو اضطر لإعلانها على أراضٍ تابعة لمحافظتين، والعالم سيرحّب بها ومن سيقف ضدها في الداخل، عليه أن يجهز الإجابة للتاريخ".
اقرأ أيضاً: البرزاني في أنقرة... عهد كردي ـ تركي جديد