بدا واضحاً خلال الأيام القليلة الماضية أنّ المنطقة العربية تتأهّب لبدء إطلاق المرحلة الأولى من خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، وذلك من خلال مجموعة من اللقاءات والاجتماعات المكوكية في عدد من العواصم العربية.
ففي الوقت الذي يستعد فيه مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وصهر ترامب، كبير مستشاريه، جاريد كوشنر، لجولة عربية تشمل 5 دول خليجية، بينها قطر والسعودية والإمارات، للحصول على دعم للشق الاقتصادي من الخطة مع ما يمثله هذا التوجه من إحياء لنظريات "السلام الاقتصادي" وفكرتها القائمة على رشوة الفلسطينيين ببعض الإغراءات الحياتية الاقتصادية، في مقابل تخلّيهم عن حقوقهم السياسية التاريخية، كشفت مصادر مصرية وعربية مطلعة عن لقاء استخباراتي عقد في الرياض. وضمّ اللقاء رئيس جهاز الاستخبارات المصري اللواء عباس كامل، ورئيس الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج، ورئيس الاستخبارات السعودية خالد الحميدان في الرياض الأسبوع الماضي، قبيل زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى المملكة للقاء الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، والتي بدأت مساء أول من أمس الاثنين.
وقالت المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إنّ الاجتماع ناقش الورقة "شبه النهائية" لصفقة القرن، لتحديد موعد انطلاقها، إذ من المقرّر أن يقوم كوشنر وغريبنلات بعرض الشِقّ الاقتصادي من الخطة خلال جولتهما العربية نهاية شهر فبراير/ شباط الحالي. وفي الإطار ذاته، قال مصدر عربي خليجي تحدث لـ"العربي الجديد"، إنّ التسوية الأميركية باتت أقرب من أي مرحلة سابقة، وذلك بسبب متغيرات عدة. وأوضح أنّ أزمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشبهات تورُّط ولي العهد السعودي في الجريمة، وترافقها مع المساعي الحثيثة للنظام المصري لإدخال تعديلات على الدستور تسمح ببقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في الحكم مدى الحياة، عزّزت من فرص تمرير الصفقة في المرحلة الحالية، بعد حصول النظامين السعودي والمصري على إشارات بعدم الاكتراث بدعوات مساءلة بن سلمان في قضية خاشجقي، وكذلك غضّ الطرف عن التعديلات الدستورية للنظام المصري في ظلّ حالة الرفض السياسي من جانب المعارضة لها. وأضاف المصدر أنّ السعودية أدت دوراً كبيراً في ممارسة ضغوط على كل من السلطة الفلسطينية والأردن لانتزاع موافقة مبدئية على إطلاق التسوية، مقابل حِزم اقتصادية للجانبين بشكل يعوض سلطة رام الله عن العقوبات الاقتصادية الأميركية الأخيرة.
من جهته، قال مصدر مصري رفيع المستوى إنّ المسؤولين في جهاز الاستخبارات المصري سعوا خلال زيارة وفدي "الجهاد الإسلامي" و"حماس" لإقناعهما باستغلال الفرصة والحصول على أكبر قدر من المكتسبات للقضية الفلسطينية في الوقت الراهن، عبر إعلان دولة بشكل مبدئي، ثمّ التحدّث بعد ذلك عن زيادة مساحاتها وحقوقها، لافتاً إلى أنّ الموقف المصري شهد تغيراً ملحوظاً مطلع العام الجاري، وبات أقرب كثيراً لوجهة النظر السعودية التي يتبنّاها ولي العهد، والتي تتفق على التمسّك بحدود الـ1967 كمبدأ عام، مع إعلان دولة بحدود مؤقتة، والسعي بعد ذلك للوصول إلى حدود الـ1967. يذكر أنه من المقرر أن يحضر كوشنر مؤتمر وارسو، الذي يعقد اليوم وغداً في العاصمة البولندية، للمشاركة في مباحثات بشأن قضايا إقليمية عدة، بينها ما تسمى عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وبحسب المصدر المصري، فإنّه من المقرّر أن تشمل جولة كوشنر العربية كلاً من مصر والأردن على الرغم من عدم إعلان ذلك حتى الآن، لكن المؤكد أنها لن تشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ويأتي ذلك فيما قال مصدر خليجي لـ"العربي الجديد"، إنّ إسرائيل، والإدارة الأميركية الحالية، استطاعتا خلال الفترة الماضية إشراك أطراف عربية في عملية تمرير الصفقة، بعد اكتفاء تلك الأطراف في مرحلة سابقة بالموافقة عليها فقط من دون دعمها بشكل معلَن، موضحاً أنّ "في مقدمة تلك الأطراف سلطنة عمان" التي شارك مسؤولون منها في لقاءات بحثت تفاصيل متعلقة بخطة التسوية، مع ترحيب السلطنة بتقديم الدعم السياسي والاقتصادي اللازم. ومن المتوقّع أن تتناول المحادثات في السعودية بين الرئيس الفلسطيني والعاهل السعودي، توفير شبكة أمان اقتصادية بعد العقوبات الأميركية على السلطة الفلسطينية.
وفي السياق، قال حسين الشيخ، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، في حديث لوسائل إعلام فلسطينية، إنّ إدارة ترامب تمارس ضغوطاً على البنوك العربية والدولية لمنع تحويل الأموال إلى السلطة الفلسطينية، مضيفاً أنها بهذه الطريقة منعت وصول منحة بقيمة 10 ملايين دولار من العراق، التي كان من المفترض أن يتم تسليمها من خلال جامعة الدول العربية، لأن البنوك رفضت تحويل الأموال إلى حساب السلطة الفلسطينية أو إلى صندوق استثمار منظمة التحرير الفلسطينية. وكان مسؤولان في الإدارة الأميركية قد أكدا في تصريحات، الاثنين الماضي، أنّ المسودة النهائية لـ"صفقة القرن" انتهت وتمتدّ على نحو 175 إلى 200 صفحة، مؤكدين أن خمسة مسؤولين فقط اطلعوا عليها. وقال المسؤولان إن بلورة خطة السلام الخاصة بالرئيس الأميركي دونالد ترامب قد انتهت، وإنه تم إطلاعه على مضامينها.