تنظيمات القاعدة وأخواتها في إدلب: "حراس الدين" بنسختها الأردنية (3)

14 أكتوبر 2018
شهدت إدلب اقتتالاً بين الفصائل (عمر حاج قدّور/فرانس برس)
+ الخط -
يعود اسم تنظيم "حراس الدين" مجدداً ليتصدر أخبار اتفاق سوتشي المتعلق بمحافظة إدلب السورية، في ظل بيانهم الرافض لمقرراته، كأول جماعةٍ "جهادية" في سورية، تُعلن هذا الموقف الواضح في رفضها الاتفاق كلياً. وكان اسم "حراس الدين" قد ظهر للعلن للمرة الأولى، في 27 فبراير/ شباط الماضي، عبر إصداره بيانه الأول بعنوان "أنقذوا فسطاط المُسلمين"، أي الغوطة الشرقية لدمشق، التي كان النظام قد بدأ فيها هجوماً دموياً، سقط ضحيته مئات القتلى والجرحى، وأفضى بالمحصلة إلى بسط سيطرته الكاملة هناك في إبريل/ نيسان الماضي. بيانُ التنظيم الجديد حينذاك، تزامن أيضاً مع اقتتالٍ شرس شهدته مناطق شمال غربي سورية، بين "هيئة تحرير الشام"، التي تُشكل "جبهة النصرة" عمادها الأساسي، من جهة، وما كان يُعرف بـ"جبهة تحرير سورية"، المكونة من "حركة أحرار الشام" و"حركة الزنكي" من جهة أخرى. التزم "حراس الدين" الحياد في الاقتتال، مع دعوته لوقف المعارك بين الطرفين، و"تخفيف الضغط عن الغوطة الشرقية". وإذا كان اسم "حراس الدين"، قد ظهر للمرة الأولى رسمياً، في نهاية فبراير الماضي، فإن التنظيم أقدم من اسمه هذا، إذ إن قصة تأسيسه سابقة لظهور بيانه الأول، وقد بدأت بواكير فصولها، في يوليو/تموز 2016، عندما أعلن أبو محمد الجولاني، زعيم "جبهة النصرة"، فك ارتباطه تنظيمياً عن "قاعدة الجهاد" (القاعدة)، وهو ما دفع قياديين وعناصر تحت إمرة الجولاني، للانزواء بعيداً عن "الجبهة" الجديدة، لكونها لم تعُد تابعة لـ"القاعدة" التي يفتخرون بمبايعتها.

غير أن تحول "النصرة" لـ"جبهة فتح الشام"، وفكّ ارتباطها تنظيمياً بـ"القاعدة"، لم يكن سبباً كافياً لكثيرين من قياداتها، كي يتخلوا عن بيعتها، قبل أن تتسارع التطورات العسكرية في الميدان السوري، وتفقد المعارضة السورية شرقي حلب نهاية ديسمبر/كانون الأول 2016، ولتبدأ لاحقاً أولى جولات مسار أستانة في 23 يناير/كانون الثاني 2017، الذي قسّم مختلف الفصائل العسكرية على اختلاف توجهاتها، في شمال غربي سورية، بين رافضٍ ومشاركٍ في هذا المسار الذي شهد جولات متعددة خلال 2017 و2018.

وبعد خمسة أيامٍ من أول اجتماعٍ في أستانة ضم ممثلين عن المعارضة السورية المسلحة، ووفداً من النظام السوري، برعاية روسية-تركية-إيرانية، أعلن في شمال غربي سورية، تأسيس جماعةٍ عسكرية جديدة، ضمّت حينها كبرى المجموعات "الجهادية"، الرافضة بطبيعة الحال لأي محادثاتٍ سياسية، تحت اسم "هيئة تحرير الشام"، وتضم "جبهة فتح الشام"، و"حركة نور الدين زنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"جيش السنة"، لتكون "الهيئة" الوليدة، بمثابة تكتل الرافضين لمسار أستانة، بقيادة "جبهة النصرة - فتح الشام".

ومع خروج "هيئة تحرير الشام"، بات عددٌ غير قليل من عناصر وقادة "النصرة" يقرأون تغيرات مزاج الجولاني، معتبرين إياه متخلياً في براغماتيتهِ عن نهج "القاعدة"، ولتبدأ فكرة تأسيس تنظيم جديد، يسير على خط "القاعدة" تتبلور، رغم انضمام بعض شخصيات "حراس الدين" القيادية لـ"هيئة تحرير الشام" قبل الخروج منها ومن أبرزهم أبو همام الشامي، المعروف أيضاَ بأبو همام العسكري، لكونه كان القائد العسكري لـ"هيئة تحرير الشام"، قبل أن يصبح القائد العام لـ"حراس الدين" لاحقاً.



وحسب مصادر متعددة، في شمال غربي سورية، مطلعة على التغيرات التي حصلت بتنظيماتٍ جهادية، فإن شخصياتٍ بارزة بهذه التنظيمات، حملت على أبو محمد الجولاني، القائد العام لـ"النصرة-فتح الشام"، ثم القائد الفعلي لـ"هيئة تحرير الشام"(القائد الرسمي عند تأسيس الأخيرة كان هاشم الشيخ –أبو جابر)، لكونه تخلى عن "نهج القاعدة"، لكن هؤلاء الرافضين لما يعتبرونها "براغماتية" الجولاني، وأبرزهم إياد طوباسي (أبو جليبيب)، وسامي العريدي (شرعي النصرة سابقاً وحراس الدين حالياً)، وأبو خديجة الأردني، لم يجابهوا "فتح الشام"، بقدر ما جمدوا نشاطهم فيها تقريباً، قبل أن يبدأوا التحرك لتشكيل جسم جديد بعد ولادة "هيئة تحرير الشام". ومع تشكيل "هيئة تحرير الشام"، انقسم أتباع "القاعدة"، بين فريقين؛ الأول يعتبر أن التشكيل الجديد ضروري كون "النصرة- فتح الشام" كانت تسعى لإسقاط تنظيمها من لوائح الإرهاب الدولي، وعلى هذا فإن الميّالين لفكرة "الهيئة" الوليدة، اعتبروها تتماشى في أدبيات الجهاديين مع "فقه الواقع"، بينما الثاني رفض الفكرة، لكونها برأيهم ابتعادا عن "نهج القاعدة" الصارم، الرافض لتمييع "تطبيق الشريعة" وفق ما تمليه التطورات.

وعلى الرغم من أن معظم الرافضين لمشروع "الهيئة" هم من العناصر والقيادات غير السورية، (أبو جليبيب، أبو خديجة، سامي العريدي يحملون الجنسية الأردنية مثلاً، وهناك شخصيات أخرى كثيرة غير سورية)، إلا أن بعض القيادات السورية أيضاً، حسمت أمرها لاحقاً من "هيئة تحرير الشام"، وانحازت عنها أمثال أبو همام الشامي (العسكري)، وهو شخصيةٌ لا تظهر للإعلام، والمعلومات الشحيحة المتوفرة حوله، أنه من الذين انضموا لـ"القاعدة" في أفغانستان، وشارك في نشاطها بالعراق، بعد الغزو الأميركي (2003).

وبدأ الفريق الرافض لـ"الهيئة" بعد تأسيسها، تجميع صفوفه، مستغلاً وجود مئات العناصر غير القيادية التي جمدت نشاطها الجهادي رفضاً لـ"هيئة الجولاني"، محاولاً إنشاء نواةٍ صلبة، تمثل "نهج القاعدة الصحيح".
لكن "هيئة تحرير الشام"، التي تملك جهازاً أمنياً أسسته قيادات عسكرية اكتسبت خبرة سنوات طويلة من النشاط "الجهادي"، من أفغانستان والعراق وغيرها، كشفت توجهات الرافضين لـ"الهيئة"، في محاولاتهم تأسيس فصيلٍ مستقلٍ يكسب مباركة قيادة "القاعدة" وغطاءها "الشرعي" وبالتالي دعمها المادي والإعلامي، فبدأت "الهيئة" في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ملاحقة هؤلاء الساعين لما يعتبرونه "إحياء فكر القاعدة الصحيح" في سورية، وقبضت على كثيرٍ منهم.



واعتبرت "هيئة تحرير الشام" في بياناتها أثناء حملة الملاحقة والاعتقالات هذه، أنها تعمل على ملاحقة الساعين لتهشيم الصف، وقبض جهازها الأمني، على إياد طوباسي (أبو جليبيب)، وسامي العريدي (شرعي النصرة العام سابقاً)، فضلاً عن عشرات العناصر الآخرين المقربين من هؤلاء.

في المقابل، فشلت الحملة في القبض على شخصياتٍ قيادية أخرى، أمثال أبو القسام (خالد العاروري)، وأبو خديجة الأردني وأبو هاجر الأردني، وغيرهم، لكنها في المحصلة كشفت هشاشة علاقة أبو محمد الجولاني، بالقائد العام لـ"القاعدة" أيمن الظواهري، الذي وجه على خلفية الحملة، بياناً أواخر نوفمبر الماضي لأتباعه، اعتبر فيه أن الجولاني "نكث العهد" مع "القاعدة". وأعلن الظواهري في بيانه مباركةً ضمنية لجهود الذين يعملون على إحياء "نهج القاعدة الصحيح" في سورية، قبل أن يخفف لهجته الحادة ضد "الهيئة" و"الجولاني" في بياناتٍ لاحقة، غداة نجاح ضغط "القاعدة" على الجولاني، الذي أطلق سراح شخصيات اعتقلها بسبب هذا الخلاف.

وعموماً، فإن غموض قائد "حراس الدين" أبو همام الشامي (أو العسكري كما يطلق عليه بالأوساط الجهادية)، انعكس في غموض التنظيم الذي يقوده، إذ لا بيانات كثيرة لهذا التنظيم، ولا نشاط واضحا لهم. كما أن معظم المصادر التي حاورتها "العربي الجديد" في إدلب، أكدت أن لا مكان ثابتا لوجودهم، بمعنى أنهم لا يسيطرون فعلياً على قرى أو بلداتٍ بعينها، إنما يتوزعون جغرافياً، في عددٍ من قرى إدلب وقريباً من ريف اللاذقية الشمالي. وتجمع معظم المعلومات التي تمت مقاطعتها حولهم، على أن عدد عناصر التنظيم بين ألف و1500 عنصر، يقودهم عسكرياً وتنظيمياً أبو همام الشامي، و"شرعياً" سامي العريدي.

ونجح مؤسسو التنظيم عبر علاقاتهم بالأوساط الجهادية في شمال غربي سورية، باستقطاب مجموعاتٍ صغيرة، اختلفت حول الولاء لـ"جبهة فتح الشام" ثم "هيئة تحرير الشام"، ووجدت في "حراس الدين" ملاذاً لها. وأبرز هذه المجموعات آخر من تبقى من تنظيم "جند الأقصى"، و "جند الملاحم"، و"جند الشريعة"، و"جيش الساحل"، و"جيش البادية"، وعدد من المجموعات التي تطلق على نفسها وصف "السرايا"، أمثال "سرية غرباء"، و"سرية الساحل".

لا يملك تنظيم "حراس الدين" والمجموعات المنضوية فيه، وفرة بالسلاح الثقيل، وفق مُطلعين في محافظة إدلب، كما أن عددهم الصغير نسبياً قياسا بالفصائل الكبيرة، النافذة هناك (خصوصاً الجبهة الوطنية للتحرير –هيئة تحرير الشام)، دفعهم لاتباع سياسة "لا نؤذي أو نحارب أحدا، كي لا نتعرض للأذى أو حرب استئصال". وعلى هذا الأساس، اعتمدوا الحياد في اقتتال الفصائل الذي حصل غداة تأسيسهم، فيما يعتبرون أن موقف رفض سوتشي، ضروري، لكونهم ينظرون لأنفسهم كـ"عصارة بقايا قاعدة الجهاد" في سورية، ولإحراج خصمهم "هيئة تحرير الشام" التي لم ترحب بالاتفاق ولم ترفضه رسمياً حتى اليوم.