06 فبراير 2017
تهافت مبرّرات التقارب مع الصهاينة
قبل قرابة الشهرين، قاد اللواء السعودي المتقاعد، أنور عشقي، وفداً بشكل غير قانوني إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، التقى المسؤول في الخارجية الإسرائيلية، دوري غولد (مؤلف كتاب "مملكة الكراهية" ضد السعودية)، وأعضاء في حكومة نتنياهو، الذي قتل قبل عامين أكثر من 500 طفل وقاصر في غزة المحاصرة. لم تكن هذه أول محاولة تطبيع خليجية، فقد سبقتها محاولاتٌ في الأعوام الماضية، وثقت في تقرير لمركز الخليج لسياسات التنمية، ولم تكن أول بادرةٍ تطبيعيةٍ لعشقي الذي سبق وأن عقد لقاءاتٍ مع الصهاينة، وزار الأراضي المحتلة، وتورد وثائق "ويكيليكس" أنه ربما بدأ الاتصال مع العدو منذ 2009.
برّر أحد أعضاء الوفد الزيارة بالقول إننا، نحن العرب، عندنا سوء فهم للمجتمع الإسرائيلي، المحب للحياة. وكأن الزيارة كانت لـهذا المجتمع، وليست أساساً للحكومة الصهيونية الأكثر تطرفاً التي كل رموزها ضد حل الدولتين، بل حتى لو افترضنا أن زعمه صحيح، وتجاهلنا أن هذا المجتمع هو مجتمع احتلال، وبسببه يوجد اليوم أكثر من خمسة ملايين لاجئ، وأنه مجتمع زاخر بالتطرّف والعنصرية (ليس ضد العرب فقط، بل حتى ضد الأفارقة، والتي تضمنت حقن اليهوديات الإثيوبيات، اللواتي سيصبحن مواطناتٍ، بحقن منع الحمل من دون علمهن)، وزاخر بالطائفية ضد المسيحيين والمسلمين، وزاخر بالمستوطنين (ومنهم الذين درّبتهم وسلحتهم دولة الاحتلال، ومن أحرقوا عائلة الدوابشة، وبمن فيهم من امتهنوا الاعتداء على الكنائس)، وزاخر بجنود الاحتياط، الذين يتحولون فوراً من "مدنيين" إلى أداة قتل، حالما يصدر أمر استدعائهم، كما حصل في حرب غزة، وحتى لو صدّقنا أنه مجتمع رائع ومتفوق، وأن المشكلة هي فقط فينا، نحن، المتخلفين، الذين لم نرتق إلى مرحلة فهم عظمة المجتمع الصهيوني. ولو افترضنا أنه مجتمع ملائكي، ستظل المشكلة قائمة: أن إسرائيل كيان استعماري استيطاني عنصري نووي قائم على التطهير العرقي، وعلى عقيدة سياسية - دينية مجنونة.
من أين يأتي هؤلاء بقدرتهم غير العادية على التسطيح؟ ما الاكتشاف العظيم في أن الإسرائيلي يحب الحياة، أو أنه استقبلك بلطف؟ هل هناك من يتصوّر أن الإسرائيلي يحب الموت، أو أنه سيستقبل وفود التطبيع بوقاحة مثلاً؟ اقرأ عن الذين زاروا هتلر والقيادات النازية، فقد كانوا أيضاً يحبون الحياة، ومتأنقين في ملبسهم ومأكلهم وأثاثهم، ومن أشدّ المعجبين بموسيقى فاغنر. التصورات الساذجة أن "الأشرار" لهم مظهر الشر، ويمكن تبيّنه من النظر إليهم أو الجلوس معهم هو تصور في أفلام الكرتون فقط.
سمعنا، في السنوات الأخيرة، حججاً أخرى كذلك لتبرير التطبيع في دول عربية، حتى أنك قد تجد سياسياً يقول: تعبنا من الحرب، ولم نكسب شيئاً من معاداة إسرائيل. وهو لم ينل شرف معاداة إسرائيل في حياته أصلاً، ولا أزعجها هو، ولا دولته في أي محفل. وقال آخرون: نحتاج إسرائيل في مواجهة إيران و"داعش". وما الذي تكرهونه في إيران وداعش، ولا يوجد في اسرائيل؟ كل كيان توسعي طائفي عنصري يجب معاداته، لا التحالف معه، وهذا يتضمن إيران وداعش وإسرائيل.
أكثر هذه المزاعم بؤساً القول إننا نتباحث في مبادرة السلام العربية التي يوجد اتجاه لتطويرها
لتصبح مبادرة إسلامية. طرحت في قمة فاس العربية في 1982 ورفضتها إسرائيل، ثم طرحت ثانية في قمة بيروت في 2002 ورفضتها، ومنعت ياسر عرفات من حضور القمة التي ما إن انتهت، حتى تبعها الرد الإسرائيلي على المبادرة في عملية "الدرع الواقي" العسكرية التي اقتحمت فيها المقاطعة في رام الله وحوصر عرفات، واستشهد نحو 375 فلسطينياً. منذها شنت إسرائيل حرباً على لبنان وثلاثة على غزة، بالإضافة إلى اعتداءاتها ضد فلسطين ولبنان وسورية والسودان والإمارات، وزادت سرقة الموارد الطبيعية الفلسطينية والسورية، واستمرّت ترفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وقرصنت السفن المتجهة إلى غزة وخطفت وقتلت ركابها، ولم تواجه أية تبعات. واستمرت الاعتقالات وهدم المنازل وتوسيع المستوطنات وجدار الفصل الذي يرفض نتنياهو إزالته، ما يلتهم نحو 50% من الضفة. هل يوجد عاقل يؤمن بإقامة "دولة" على 50% من الضفة، التي تمثل نحو 20% من فلسطين؟ والمثير أن أنصار التطبيع يعتبرون أنفسهم أهل العقلانية والواقعية السياسية.
المبادرة العربية قائمة على الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967 وحل مسألة اللاجئين، الذين تخلت الحكومات العربية عنهم، وتم إسقاطهم من أحاديث المبادرة، ولا توجد اليوم أية مطالب جادة بهذا الحق، الذي هو لب القضية. أما أراضي الـ67، فإسرائيل زادت سيطرتها عليها، وصرّح نتنياهو أن الجولان جزء أبدي من إسرائيل، وأية دولة فلسطينية في المستقبل لا بد من أن تتضمن وجوداً دائماً لقوات الاحتلال في غور الأردن، وأن شروطه لقيام "دولة" فلسطينية أن تعترف باسرائيل دولةً يهوديةً، وأن لا تملك جيشاً ولا سيطرة على مجالها الجوي، ولا تكون لها علاقات لا ترضاها إسرائيل، وأن تتنازل نهائياً عن القدس واللاجئين. كل هذه الشروط التعجيزية والمهينة في مقابل إنشاء دولة، ليس لها من صفات الدول سوى الاسم، بل وبلغت وقاحته أن قال علناً إنه لن تقوم دولة فلسطينية إذا ربح الانتخابات، والتي ربحها فعلاً. إصرار المطبعين على وهم السلام مذهل، لو أقسم لهم نتنياهو على المصحف أنه لا يريد السلام لما أثناهم ذلك.
كل اجتماعات الخيانة السرية والعلنية لن تدفع إسرائيل إلى وقف جرائمها. لا يخدعك مثقفو الهزائم، لا حل لمواجهة العدو سوى إرادة صادقة وقلوب مؤمنة، ثم كثير من السلاح وكثير من الذخيرة.
برّر أحد أعضاء الوفد الزيارة بالقول إننا، نحن العرب، عندنا سوء فهم للمجتمع الإسرائيلي، المحب للحياة. وكأن الزيارة كانت لـهذا المجتمع، وليست أساساً للحكومة الصهيونية الأكثر تطرفاً التي كل رموزها ضد حل الدولتين، بل حتى لو افترضنا أن زعمه صحيح، وتجاهلنا أن هذا المجتمع هو مجتمع احتلال، وبسببه يوجد اليوم أكثر من خمسة ملايين لاجئ، وأنه مجتمع زاخر بالتطرّف والعنصرية (ليس ضد العرب فقط، بل حتى ضد الأفارقة، والتي تضمنت حقن اليهوديات الإثيوبيات، اللواتي سيصبحن مواطناتٍ، بحقن منع الحمل من دون علمهن)، وزاخر بالطائفية ضد المسيحيين والمسلمين، وزاخر بالمستوطنين (ومنهم الذين درّبتهم وسلحتهم دولة الاحتلال، ومن أحرقوا عائلة الدوابشة، وبمن فيهم من امتهنوا الاعتداء على الكنائس)، وزاخر بجنود الاحتياط، الذين يتحولون فوراً من "مدنيين" إلى أداة قتل، حالما يصدر أمر استدعائهم، كما حصل في حرب غزة، وحتى لو صدّقنا أنه مجتمع رائع ومتفوق، وأن المشكلة هي فقط فينا، نحن، المتخلفين، الذين لم نرتق إلى مرحلة فهم عظمة المجتمع الصهيوني. ولو افترضنا أنه مجتمع ملائكي، ستظل المشكلة قائمة: أن إسرائيل كيان استعماري استيطاني عنصري نووي قائم على التطهير العرقي، وعلى عقيدة سياسية - دينية مجنونة.
من أين يأتي هؤلاء بقدرتهم غير العادية على التسطيح؟ ما الاكتشاف العظيم في أن الإسرائيلي يحب الحياة، أو أنه استقبلك بلطف؟ هل هناك من يتصوّر أن الإسرائيلي يحب الموت، أو أنه سيستقبل وفود التطبيع بوقاحة مثلاً؟ اقرأ عن الذين زاروا هتلر والقيادات النازية، فقد كانوا أيضاً يحبون الحياة، ومتأنقين في ملبسهم ومأكلهم وأثاثهم، ومن أشدّ المعجبين بموسيقى فاغنر. التصورات الساذجة أن "الأشرار" لهم مظهر الشر، ويمكن تبيّنه من النظر إليهم أو الجلوس معهم هو تصور في أفلام الكرتون فقط.
سمعنا، في السنوات الأخيرة، حججاً أخرى كذلك لتبرير التطبيع في دول عربية، حتى أنك قد تجد سياسياً يقول: تعبنا من الحرب، ولم نكسب شيئاً من معاداة إسرائيل. وهو لم ينل شرف معاداة إسرائيل في حياته أصلاً، ولا أزعجها هو، ولا دولته في أي محفل. وقال آخرون: نحتاج إسرائيل في مواجهة إيران و"داعش". وما الذي تكرهونه في إيران وداعش، ولا يوجد في اسرائيل؟ كل كيان توسعي طائفي عنصري يجب معاداته، لا التحالف معه، وهذا يتضمن إيران وداعش وإسرائيل.
أكثر هذه المزاعم بؤساً القول إننا نتباحث في مبادرة السلام العربية التي يوجد اتجاه لتطويرها
المبادرة العربية قائمة على الانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967 وحل مسألة اللاجئين، الذين تخلت الحكومات العربية عنهم، وتم إسقاطهم من أحاديث المبادرة، ولا توجد اليوم أية مطالب جادة بهذا الحق، الذي هو لب القضية. أما أراضي الـ67، فإسرائيل زادت سيطرتها عليها، وصرّح نتنياهو أن الجولان جزء أبدي من إسرائيل، وأية دولة فلسطينية في المستقبل لا بد من أن تتضمن وجوداً دائماً لقوات الاحتلال في غور الأردن، وأن شروطه لقيام "دولة" فلسطينية أن تعترف باسرائيل دولةً يهوديةً، وأن لا تملك جيشاً ولا سيطرة على مجالها الجوي، ولا تكون لها علاقات لا ترضاها إسرائيل، وأن تتنازل نهائياً عن القدس واللاجئين. كل هذه الشروط التعجيزية والمهينة في مقابل إنشاء دولة، ليس لها من صفات الدول سوى الاسم، بل وبلغت وقاحته أن قال علناً إنه لن تقوم دولة فلسطينية إذا ربح الانتخابات، والتي ربحها فعلاً. إصرار المطبعين على وهم السلام مذهل، لو أقسم لهم نتنياهو على المصحف أنه لا يريد السلام لما أثناهم ذلك.
كل اجتماعات الخيانة السرية والعلنية لن تدفع إسرائيل إلى وقف جرائمها. لا يخدعك مثقفو الهزائم، لا حل لمواجهة العدو سوى إرادة صادقة وقلوب مؤمنة، ثم كثير من السلاح وكثير من الذخيرة.