بعد أن جمع متعلقاته الشخصية فى حقيبة سفر كبيرة، استقل سامح كامل الموظف فى مجلس مدينة العريش سيارة أجرة وإلى جواره زوجته، مسرعا إلى المدرسة الابتدائية القريبة من منزله، لاصطحاب طفليه، في رحلة سفر "قد تكون بلا عودة"، كما يقول، إذ يخشى كامل أن يلقى مصير 6 من معارفه المصريين الأقباط الذين قتلوا خلال الشهر الجاري في حوادث إرهابية، بعد استهدافهم من قبل مسلحين.
من بين ركاب الحافلة الصغيرة (الميكروباص) التي استقلها سامح وعائلته، كان هناك 12 قبطيا من بين الركاب الستة عشر، يشكلون 4 أسر، وجدوا أنفسهم متجمعين من غير اتفاق ومتوجهين إلى كنيسة الإسماعيلية التي تبعد قرابة 200 كيلومتر عن موطنهم في مدينة العريش، من أجل النجاة بحياتهم واللحاق بأقارب ومعارف نزحوا من مدينتهم وتركوا أعمالهم وبيوتهم، بعدما تلقوا تهديدات بقتلهم في منشورات تم إلقاؤها أمام منازلهم تتوعدهم بالقتل والحرق، كما يروي سامح.
تهجير 1000 قبطي
أثناء وقوفه في شرفة منزله الواقع في حي الزهور (أحد أقدم أحياء العريش)، شاهد سامح الطيار في قرابة الساعة الحادية عشرة من مساء الخميس، واقعة قتل الضحية كامل يوسف، الشهير بـ"أبوروماني"، ويقول سامح لـ"العربي الجديد"، :"أبو روماني يعمل سباكا، ومعروف لأفراد الحي، كان يقف إلى جوار ابنته أمام كشك صغير يشترون بعض المستلزمات، في لحظات ظهر 3 مسلحين ملثمين وطاردوه، حاول الهروب منهم، ودخل إلى منزله الذي اشتعلت فيه النيران، بعد أن غادره المسلحون".
يضيف سامح، "صعدت برفقة عدد من الجيران إلى منزل الضحية، وجدناه ملقى فوق سطح المنزل والنار تشتعل في جثته، وحاولنا إطفاء النار التي أشعلها المسلحون فى جزء من منزل الضحيه".
"بسبب هذه الحوادث رحل 1000 قبطي، عن مدينة العريش منذ الأسبوع الماضي"، كما يكشف الأنبا بموا أسقف السويس في تصريحات خاصة لـ"العربى الجديد"، موضحا أن كنائس الإسماعيلية المدينة الأقرب للنازحين، تستضيف 50 أسرة والباقون تم نقلهم إلى مدينة السويس".
ويصل تعداد الأقباط في العريش إلى حوالي 1700 مواطن ينتمون إلى 60 أسرة تقطن حي الصفا و60 اسرة أخرى وسط المدينة بما فيها ضاحية السلام و20 أسرة تقطن في حي السمران بمدينة العريش، وفقا لحصر الأنبا بموا، والذي رفض تحميل مسؤولية ما حدث للدولة، قائلا : "لا نحمل أحدا المسؤولية، ما يحدث من الإرهاب في العريش يطاول الجميع، مسلمين ومسيحيين وجيشاً وشرطة".
النقل من العمل وترك البيوت والأملاك
يتمنى سامح كامل أن توافق المحافظة على نقله إلى أي محافظة أخرى حتى لا يضطر إلى تقديم استقالته، إذ لا ينوي العودة إلى العريش في ظل تزايد استهداف الأقباط بعد أن نشر تنظيم "ولاية سيناء"، النسخة المحلية من "داعش"، شريط فيديو في منتصف فبراير/شباط الجاري، تبنى فيه حادث تفجير الكنيسة البطرسية في العباسية الذي وقع في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتسبب في سقوط 29 قتيلاً أغلبهم من النساء والأطفال داخل الكنيسة، متوعدا الأقباط في مصر، متهما إياهم بإصدار أحكام مشددة ضد الإسلاميين، ذاكرا اسم القاضي إميل حبشي عبدالمسيح (رئيس محكمة استئناف الإسماعيلية)، والذي عاقب بالإعدام 14 من أعضاء التنظيم في سيناء المتورطين في ارتكاب تفجيرات وقعت في العريش عام 2011.
ويذكر سامح أن مديره فى العمل أبلغه بأن المحافظة منحت جميع الأقباط من العاملين فيها، إجازة لمدة شهر بشكل ودي، كما أن مدرسة أطفاله تقبلت غيابهم، وعرضت عليه، إعادتهم في نهاية السنة الدراسية لأداء الامتحان دون تسجيلهم في كشوف الغياب.
ولا يختلف حال سامح كثيرا عن رامي مينا الشاب الذي تزوج فقط منذ عام، والذي ينتظر إنهاء إجراءات بيع محله الذي يملكه في العريش، من أجل مغادرة المدينة هو وزوجته الحامل في شهرها الرابع.
ويؤكد رامي، أنه في حال عدم إتمام البيع، فإنه سيوكل محاميا لإنهاء الإجراءات دون البقاء في المدينة التي لم تعد "مدينتهم بعد قتل 6 أقباط في شهر واحد" كما يقول.
وغادر الستيني روماني خليل، الذي عاش قرابة 40 عاما في العريش ويعمل بهيئة البريد، العريش يوم الأربعاء الماضي بصحبة أبنائه وزوجاتهم، قائلا لـ"العربي الجديد":" المصالح الحكومية مثل البريد ومجلس المدينة والشهر العقارى أعطوا الموظفين شهر إجازة وطبعا ده بشكل ودي وليس بشكل رسمي، ولن يتم تسجيل الغياب، أخذت اولادي الذين يعملون في الشهر العقاري ومجلس المدينة ونزلنا إلى القاهرة، إذ نمتلك بيتا في منطقة العبور، لكن الأزمه يعاني منها أكثر من لا يملك بديلا".
وبسبب الأحداث الأخيرة، ترك 200 طالب مصري قبطي دراستهم في جامعة سيناء، ورحلوا إلى محافظاتهم خوفاً على حياتهم، ومن بينهم مينا نبيل طالب بكلية طب الأسنان في جامعة سيناء، المملوكة لرجل الأعمال المقرب من النظام حسن راتب.
يقول مينا لـ"العربي الجديد":"العديد من الطلاب الأقباط تركوا الدراسة والمدينة الجامعية، والسكن التابع للكنيسة"، وأضاف أيضا أنهم سيلجأون إلى الدكتور اسامة كامل راتب نائب رئيس الجامعة وذلك لفتح باب نقلهم إلى الفرع الأخر من الجامعة في مدينة القنطرة شرق بالإسماعيلية.
ويؤكد سائقون يعملون في موقف الميكروباص في مدينة العريش، نقل عشرات الأسر المسيحية، على مدار الأسبوع الماضي، إلى مدينتي الإسماعيلية والسويس، فيما سافر عدد منهم إلى أقاربهم في سوهاج والمنيا بصعيد مصر، كما يروي أحمد علي سائق ميكروباص في العريش، والذي نقل خلال اليومين الماضيين 20 أسرة مصرية قبطية إلى الإسماعيلية.
وقائع استهداف أقباط سيناء
وثق معد التحقيق، أبرز محطات استهداف الأقباط في شمال سيناء في السنوات الماضية؛ وكان التهجير القسري الذي تعرضت له عشرات الأسر القبطية من رفح في سبتمبر/أيلول 2012، إثر هجوم ملثمين على محال وبيوت مملوكة لأقباط، وتوزيع منشور تحذيري يمهل أقباط رفح 48 ساعة للرحيل عنها، من أبرز تلك الأحداث، وكذلك استهداف رجال دين ومواطنين أقباط في حوادث متفرقة، أبرزها اغتيال القس مينا عبود في يوليو/تموز 2013 برصاص ملثمين، وبعده القس رافائيل موسى في يونيو/حزيران 2016، وأعلنت "ولاية سيناء" مسؤوليتها عن قتله، كما تعرض مواطنون أقباط للاستهداف على فترات متقطعة خلال السنين الماضية، منهم تاجر الأدوات الكهربائية مجدي لمعي، الذي وُجد مذبوحًا في الشيخ زويد في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013.
أين الداخلية؟
يؤكد اللواء مصطفى الرزاز، نائب مدير أمن شمال سيناء، تواصله مع وزير الداخلية بشأن تلك الأزمة، قائلا "قوات الامن انتشرت في كل شوارع مدينة العريش وتم فرض كردونات أمنية في الأماكن التي تشهد تجمعات سكنية للأقباط في المدينة.
وأضاف في تصريحات خاصة "تم تعيين كمين امني في الشارع المتواجد به مساكن للطلاب الاقباط تتبع للكنيسة".
وكشف مصدر مسؤول في وزارة الداخلية في تصريحات لـ"العربي الجديد" عن خروج 15 تشكيلا أمنيا من مديريتي الاسماعيلية والسويس للمشاركة في فرض الأمن في شوارع العريش لمنع تكرار تلك الحوادث.
عماد جاد: تراخي في حماية الأقباط ولكن
يقيم عضو مجلس النواب ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات الأستراتيجية عماد جاد، ما جرى في حق أقباط سيناء بالتراخي في حمايتهم، غير أنه استدرك سريعا، "لكن أنت في حالة حرب هناك، الوضع في العريش مختلف، لو كانت مثل تلك الاحداث وقعت في مكان أخر غير سيناء بالتاكيد كنا هنلوم الأمن لكن الامر مختلف في العريش".