تشخيص مآسي الأسرلة العربية الرسمية ما عاد يحتاج إلى جهد، فالممارسة تفضحه. ربما يحتاج العربي تذكيراً أكثر عن شيوع خيانة من صُنفوا بـ"النخب"، منذ تشكلت الثورات المضادة للربيع العربي في 2011. لم يظهر قول "فلسطين ليست قضيتي" من "مثقفي" الاستبداد فجأة، ولا استنباط رهط التزوير الديني والتراث الإسلامي، ليلتقيا تحت عناوين "الصلح". ولعلنا سنسمع أن "أولى القبلتين" كذبة، في سياق أكاذيب تطبيع الانحطاط الأخلاقي والسياسي الرسمي، أمام احتلال متغطرس.
وليس غريباً، في السياق، غياب تَفجّع صاحب شعار "تكسير أرجل الفلسطينيين"، الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إذ يلعب المال السياسي، وديكتاتورية الجغرافية، والانهيارات القيمية، دوراً في انحدار متواصل لهذه المؤسسة المشلولة.
وليس صادماً ولا مفاجئاً في تحالف حاكم أبوظبي مع الاحتلال الإسرائيلي، أن يقرأ العربي التحول المؤسف للرياض إلى مجرد مُلحق بسياسات أبوظبي، وأن يمارس بوقاحة (صهر دونالد ترامب) جاريد كوشنر، استعلائية تطاول العرب، خصوصاً الكويت، لرفضها الانخراط في المدرسة الأميركية- الصهيونية.
مقابل واقع رسمي عربي مُستَوطأ، لم يتردد غربيون، سياسياً وإعلامياً، بمن فيهم يهود معارضون للاحتلال، في التحذير من "الاحتيال" المبرر للتطبيع باسم الحقوق الفلسطينية. ويرى بعضهم، ممن يقاطع الاحتلال أكاديمياً وتجارياً بوصفه "أبرتهايد"، أن ذلك الانحدار التطبيعي سيراكم انفجار موجات آتية في الشارع العربي.
في كل الأحوال، طرح الدكتور عزمي بشارة، في حوار التلفزيون "العربي" معه، مساء الأربعاء الماضي، خلاصة الرد الفلسطيني على هذه الهرولة نحو الاحتلال بـ"جبهة موحدة" وإعادة تشكيل منظمة التحرير فوراً، بمؤتمر وطني جامع للكل، بمن فيهم الشتات ومبادراتهم المتتالية. بالمناسبة، فإن الواقع الرسمي المهلهل، الساعي إلى تهميش قضية فلسطين، عاشه الفلسطيني وحركته الوطنية، في مؤتمر "قمة عَمان" (نوفمبر/تشرين الثاني 1987) قبل شهر من اندلاع انتفاضة الحجارة.
في المحصلة، ظهر بالشواهد والأدلة التاريخية أنه لم ولن ينفع مع الشعب الفلسطيني تهديده لإجباره على الاستسلام، بما في ذلك "تنصيب قيادة بديلة مطواعة"، أو تلويح مبطن بـ"طرد فلسطينيي الإمارات والسعودية"، أو أي ممارسات جرّبها الاحتلال، بما فيها الاغتيالات وتفجير الوضع الداخلي. وستفشل عملية حرف بوصلة العربي عن فلسطين، على الرغم من تسخير كل الإمكانيات، المعروفة الرعاية والمنشأ.