وكانت السلطات العراقية برّأت الفلاحي من التهم الموجهة له، بعد عرضه على لجنة تحقيق عسكرية وإخضاعه خلال ذلك للاحتجاز في مقر عسكري ببغداد، للتأكد من صحة تسجيل مسرّب يحتوي على حديث هاتفي بين الفلاحي وشخص آخر يطلب منه تزويده بإحداثيات وجود فصائل مسلحة، ومعلومات عن مواقعها على الحدود مع سورية بطلب من المخابرات الأميركية، قبل أنّ يتبيّن أن التسجيل مفبرك.
وعلى الرغم من ذلك، فإنّ مفاعيل التسجيل والادعاء الذي قدمته كتائب "حزب الله" العراقية، ودعمته إعلامياً وسياسياً فصائل مسلحة أخرى وقوى سياسية وبرلمانيون، ما زالت حاضرة، سواء من خلال الطعن في قرار لجنة التحقيق في تبرئة الفلاحي، أو الدعوات المقابلة التي تطالب اليوم بفتح ملف "الارتباط الخارجي" في العراق. وكانت المليشيا وصفت ما حدث بالخيانة العظمى التي تؤثر على أرواح المقاتلين في المؤسسة العسكرية والفصائل المسلحة.
وأول من أمس الإثنين، كشفت وثيقة مسربة نشرتها وسائل إعلام عراقية، عن تقديم كتلة سياسية برلمانية ضمن تحالف "البناء"، (الجناح السياسي لمليشيات الحشد) شكوى جديدة ضدّ الجنرال الفلاحي بتهمة الوشاية بقتلى "الحشد الشعبي".
وبحسب وسائل الإعلام فإنّ الوثيقة قدّمت من خلال لجنة الشهداء والضحايا في البرلمان العراقي، وهو ما اعتبر إعادة فتح ملف الفلاحي مرة أخرى، والذي كان أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي براءته وعدم صحة التهم المنسوبة إليه.
في السياق، قال عضو في البرلمان العراقي عن تحالف "الإصلاح"، طلب عدم ذكر اسمه، أمس الثلاثاء، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الإصرار من قبل أطراف سياسية على اتهام قائد بارز في الجيش بالارتباط بالأميركيين أو التخابر معهم، يدفع إلى فتح ملف التخابر والتعاون مع الخارج"، معتبراً أنّ "القانون حال تطبيقه بشكل صحيح، سيطاول غالبية من هم بالعملية السياسية في العراق".
وكشف عضو البرلمان نفسه أنّ اثنين من زعماء كتل برلمانية يبحثان "إطلاق حملة جمع تواقيع واسعة لإدراج موضوع التخابر والارتباط بالخارج، وفتحه على مصراعيه داخل البرلمان، سواء كان مع الإيراني أو الأميركي"، موضحاً أنّ ذلك "يشمل السياسيين والمسؤولين الحكوميين والبرلمانيين وزعماء وقادة فصائل الحشد وقيادييها". ولفت المتحدث نفسه إلى أنّ "مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام والمنتديات والجمعيات الموجودة في العراق، ترتبط بهذا الملف، كون أغلبها واجهات استخباراتية وسياسية في البلاد"، على حد وصفه.
في غضون ذلك، حذّر مراقبون وسياسيون مما وصفوه عمليات استهداف منظمة تطاول قياديين بارزين في الجيش العراقي أو أجهزة أمنية محددة من قبل فصائل مسلحة ضمن "الحشد الشعبي" أو قوى سياسية قريبة من إيران، تحت مزاعم التخابر مع الأميركيين أو عدم الأداء الجيد. واعتبر هؤلاء أنّ الوضع الأمني ما زال هشاً ويجب فصله عن أي مناكفات سياسية، وذلك بعد مهاجمة القيادي بمنظمة "بدر"، النائب كريم عليوي المحمداوي، الأحد الماضي، جهاز مكافحة الإرهاب، معتبراً أنه "يسير وفق توجيهات الاستخبارات الأميركية"، وأنه "لم يكن له دور فاعل" في الحرب على تنظيم "داعش".
وفي هذا الإطار، قال عضو التيار المدني فلاح حسن، إنّ "الحكومة مطالبة بوضع حدّ لحشر الأجهزة الأمنية العراقية وقوات الجيش في الخلافات السياسية"، واصفاً في حديث مع "العربي الجديد"، التحرّك لفتح ملف التخابر أو الارتباط بالخارج بـ"الكوميدي"، وذلك لأن العملية السياسية في العراق "قائمة على توافق أميركي إيراني منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003".
وقال حسن إنّ "هناك قوى مرتبطة بإيران تريد ضرب أو إقصاء أطراف غير متعاونة معها، أو تجدها قريبة من التوجهات الأميركية في العراق، كما في حال الجنرال الفلاحي، وهذا بدا واضحاً منذ إقرار حكومة عبد المهدي قانوناً لهيكلة فصائل الحشد الشعبي، وعقوبات واشنطن الأخيرة على شخصيات مقربة من طهران". واعتبر أنّ فشل جهود عام 2017 من قبل قوى سياسية بتفعيل البند الثاني بقانون الأحزاب في العراق المتضمن مصادر تمويل الأحزاب والقوى السياسية، "يعطي انطباعاً بأنّ أي حراك من قبيل علاقة القوى الفاعلة في العراق بالخارج لن ينجح".
بدوره، قال الباحث والخبير في الشؤون العراقية أحمد الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه لا يتوقع لأي حراك من هذا القبيل أن ينجح "كونه غير ممكن، ولأنه لا توجد جهة سياسية مستقلة في العراق حالياً". لكن الحمداني اعتبر أنّ الملف "سيبقى ضمن دائرة التهديد أو المزايدة الإعلامية أو حتى المساومة السياسية".
وكان عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عبد الخالق العزاوي، قد كشف في تصريح صحافي أخيراً، عن معلومات تؤكد نقل قائد عمليات الأنبار، الجنرال محمود الفلاحي، إلى مديرية شؤون المحاربين التابعة إلى وزارة الدفاع، على خلفية التسريب الصوتي بتواصله مع الأميركيين، على الرغم من ثبوت براءته خلال التحقيقات. ودعا العزاوي وزارة الدفاع "إلى عدم اتخاذ قرارات مستعجلة تربك الوضع الأمني في البلاد".