يبدو أن العلاقات المصرية ـ الأميركية لا تسير وفق ما يتمناه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إذ إن مصادر دبلوماسية مصرية تحدّثت لـ"العربي الجديد" عن أنّ "هناك توتراً شديداً بين الطرفَين بسبب إعادة فتح قضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية ومراكز المجتمع المدني، لا سيما أنّ معظم المنظمات محل التحقيق تلقّت الأموال الخاصة بها من جهات أميركية رسمية بعلم الحكومة المصرية قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وبعدها".
وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، يوم الأحد، عن تلقي وزير الخارجية المصري، سامح شكري اتصالاً هاتفياً من نظيره الأميركي جون كيري، الذي انتقد مصر بلهجة حازمة، الأسبوع الماضي، واعتبر أنّ "مصر لا تضمن مناخاً مناسباً لعمل المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان". وعبّر كيري عن قلقه العميق إزاء قرارات منع السفر والمطالبات القضائية بمنع بعض النشطاء من التصرف في أموالهم.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، في بيان له، إن الاتصال "تناول العديد من الملفات الإقليمية، خصوصاً سبل دعم العملية السياسية في سورية، واستكمال الإطار الدستوري والقانوني الداعم لحكومة الوفاق الوطني الليبية، وتوفير الدعم الدولي لها. كما تضمن الاتصال بين شكري وكيري، بحسب وزارة الخارجية، تنسيق جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، ومتابعة مسار العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة ومصر، إذ "أكّد وزير الخارجية الأميركي التزام الولايات المتحدة بدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي في مصر، وفقاً للوزارة.
وخلا البيان الرسمي من ذكر قضية حقوق الإنسان، مخالفاً بذلك ما تؤكده المصادر الدبلوماسية المصرية، أنّ "هدف الاتصال الأساسي، كان التعبير عن القلق الشديد من الحالة التي وصل إليها الملف الحقوقي في مصر، والتساؤلات الأميركية عن سبب ودوافع القرار المصري بحظر النشر عن قضية تمويل المنظمات. بالإضافة إلى ما إذا كانت القاهرة تخطط لمزيد من الإجراءات القمعية ضد هذه المنظمات، أم أنها تراجع موقفها القانوني تجاهها برمته"، بحسب هذه المصادر.
وتضيف المصادر الدبلوماسية المصرية أنّ كيري تساءل أيضاً، خلال الاتصال، عن سبب فتح القضية من جديد، معبراً عن مخاوف واشنطن من أن تكون هذه الخطوة بداية حملة لترهيب أو إبعاد النشطاء الحقوقيين من مصر. ورد شكري أنّ "هذه الإجراءات تتم بواسطة القضاء، وبمعزل عن أي تدخل من السلطة السياسية. مصر دولة تتسم بالاستقلال المؤسسي، والوزارة المختصة بتنظيم عمل المجتمع المدني (التضامن الاجتماعي) توافق على جميع المنح والتمويلات الأجنبية التي تصل المنظمات المصرية عن طريقها، وتلك التي يتم إبلاغها بها، وفقاً للمصادر المصرية ذاتها.
اقرأ أيضاً: السيسي يردّ على واشنطن بحظر نشر تفاصيل "التمويل الأجنبي"
وتصف المصادر الاتصال بأنه كان "فاتراً"، مشيرة إلى أنّ تصريحات كيري ضد السياسة المصرية في هذا الملف فتحت الباب أمام انتقادات دول أخرى لمصر، ومنها ألمانيا، وبريطانيا، وهولندا. بالإضافة إلى اجتماع عقده الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الأسبوع الماضي، مع مدير مركز القاهرة لحقوق الإنسان، بهي الدين حسن، وهو أحد المتهمين في قضية التمويل الأجنبي. وتؤكد المصادر أن الاجتماع الذي عقده السيسي مع المسؤولين عن أزمة التمويل، الاثنين الماضي، كان يهدف إلى أن تبادر مصر إلى اتخاذ خطوة هجومية على الدوائر الأجنبية "المتربّصة بها"، أو التي يمكن وصفها على الأقل بـ"غير المرتاحة لأسلوب الحكم في مصر". إلّا أن وزارة الخارجية متباطئة حتى الآن في تنفيذ توجيهات السيسي بـ"تحسين صورة مصر في الخارج، وذلك بسبب صعوبة المهمة، ووجود صور ذهنية سلبية مسبقة عن نظام الحكم"، وفقاً للمصادر.
وفي حوار صحافي لجريدة "اليوم السابع" التي أصبحت المتحدث شبه الرسمي بلسان النظام، أعاد شكري التوتر الذي يصيب العلاقات المصرية ـ الأميركية إلى ضغوط مجموعة العمل الخاصة بمصر في واشنطن، والتي سلّمت خطاباً للرئيس الأميركي، باراك أوباما تطالبه بمزيد من الضغط على مصر بسبب قضية التمويل. وقال شكري إنّ هذه المجموعة "تقدم خطاباتها منذ العام 2008. وكل خطاباتها تؤجج وتحفز الإدارة الأميركية، سواء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو حتى في عهد حكم الإخوان المسلمين، واليوم. هذه خطابات بصيغة واحدة تدعو الإدارة الأميركية إلى مزيد من الضغط على مصر لتتحول البلاد إلى ما يرضي هذه المجموعة. ونحن نرى أعضاء هذه المجموعة وخلفياتهم، ومنهجهم الدائم أن مصر غير صالحة، وأنها لا تسير في الاتجاه السليم. وتساءل شكري، في حواره الصحافي، عمّا إذا كان هذا الاتجاه الذي يرتضيه الشعب المصري، أم أنّه من المفترض أن نسير في اتجاه يرتضيه كاتبو هذه الخطابات أو أعضاء هذه المجموعة".
وبحسب المصادر الدبلوماسية، تبدو تصريحات شكري هروباً من واقع تفاقم القلق الأميركي والأوروبي إزاء الأوضاع الحقوقية في مصر، على خلفية تزامن حادث مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، وتضارب التبريرات المصرية له. يُضاف إلى ذلك، كشف الصحافة لإعادة فتح قضية التمويل، مع اتساع العلم العام بالتوتر داخل سجن العقرب، نتيجة حملة الإضراب عن الطعام بين نزلائه. وترى هذه المصادر أنّ شكري يتّبع في هذا الهروب غير المنطقي من الأحداث سياسة السيسي، الذي اعتبر في خطاب رسمي أن حادث قتل ريجيني بعد تعذيبه مؤامرة ضد استقرار مصر. وقارب السيسي بينها وبين حادثة تفجير الطائرة الروسية فوق سيناء نهاية العام الماضي.
وتعتبر المصادر الدبلوماسية ذاتها أن فصل النظام الحاكم في مصر بين هذه الوقائع الثلاث، وغيرها من الأحداث التي تترك أثراً سلبياً، مثل التوسع في الاعتقالات من دون أوامر قضائية، وتفاقم ظاهرة الاختفاء القسري "ينظر إليها الغرب كسلسلة واحدة من الوقائع المرتبطة، والتي تعكس تردياً حقوقياً في مصر، وتوجهاً لتكريس حكم غير ديمقراطي". وتشدد المصادر التي تشغل مناصب حالية في وزارة الخارجية على "صعوبة المهمة التي تواجه الوزارة في تحسين صورة مصر، مع إصرار السيسي على التعامل مع كل واقعة على حدة. فرداً على أسئلة ريجيني، يثير السيسي الحديث عن مقتل مواطن مصري في إيطاليا، ورداً على أسئلة التمويل يتحدث عن استقلال القضاء، ورداً على الانتقادات الحقوقية الأخرى يتحدث عن مراعاة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمصريين لا السياسية فقط"، واصفة هذه السياسة بأنها "سطحية للغاية".
وعن تبعات توتر العلاقة المصرية ـ الأميركية، وما إذا كانت ستؤثر سلباً على العلاقات الاقتصادية وتنفيذ برنامج المعونة، تقول المصادر: "هذا الملف من الصعب أن يتأثر بهذه السرعة، لكن التوتر قد يعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه من برود في عامَي 2013 و2014، بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين، وقبل إجراء انتخابات رئاسة الجمهورية. وهو ما يحصل حالياً في المصاعب التي تواجه السلطات الحالية لإعادة مد جسور الثقة مع دول أوروبا الكبرى في ظل استمرار غموض قضية ريجيني"، وفقاً للمصادر.
اقرأ أيضاً سقوط رواية مقتل ريجيني: إيطاليا مقتنعة بتورط الأمن المصري