09 يونيو 2023
توحّدوا كي تنجحوا
ينمو شعور بالقهر بين أصحاب الضمائر من السوريين بعمومهم، وهم يشاهدون قوى إقليمية ودولية تتفاوض على تقرير مصيرهم ومصير بلدهم ومستقبله من دون مشاركتهم، حيث يغيب السوريون، بينما يحضر من وكلَّوا أنفسهم نيابة عنهم. ويستفزّهم النفاق الدولي بأن القرار يعود إلى الشعب السوري، ولكن لا أحد يتحدث عن تمكين هذا الشعب من اتخاذ قراره وقول كلمته.
يستفزّهم أن كل الكارثة السورية تختزل بتشكيل لجنةٍ دستوريةٍ، يصر الروس وإيران والنظام على أن يكون لهم فيها الكلمة الفصل لتفصيل دستورٍ على مقاس النظام القائم، وإجراء استفتاء وانتخابات مسبقة النتائج وفق الطريقة السورية العريقة التي تديرها وزارة الداخلية السورية، وبدون ذلك لن يتقدّموا خطوة بهذا الاتجاه، وسيستبدلون به مسارا آخر كما استبدلوا مسار جنيف الأممي وأتوا بمسارين روسيين: أستانة وسوتشي، وهم قادرون على ذلك، في ظل تراجع اهتمام الولايات المتحدة أولا، وأوروبا ثانيًا، بالملف السوري والصراع الدائر في سورية وعليها.
في الوقت نفسه، تبدأ ظروف جديدة بالنضوج مع قرب وصول الصراع المسلح إلى نهاياته الأخيرة. ومع تراجع صوت المدافع، وتراجع المال السياسي الخارجي، يتراجع الخطاب الطائفي والإثني تدريجيًا، وتدريجيًا ترتفع الدعوات لخطاب وطني جامع، فعلى جبهة المعارضة يرتفع الصوت المعارض بالنقد الذاتي الصريح، ويتناول ما كان محرمًا من قبل، إذ تقرّ
المعارضة بهزيمتها عسكريًا بسبب تشرذمها، وخوف المجتمع الدولي من أن يؤدّي تشرذمها إلى الفوضى، في حال سقوط نظام الأسد (خبرة ليبيا)، وخوفه من سيطرة التوجهات الإسلامية على فصائلها وصبغها بصبغةٍ جهادية. وتنتقد ظاهرة الفصائلية العسكرية التي تشارف على نهايتها، وقد اكتسبت سمعةً سيئة بسبب ممارساتها، وتحول الجزء الأكبر من قياداتها أمراء حرب، وظهور أنهم الأكثر استعدادًا للارتهان للخارج، وأن المعارضة قدمت مثالًا سيئاً في إدارة المناطق التي سيطرت عليها، ما عزّز الموقف الدولي السلبي تجاهها في أن تكون بديًلا للنظام. وأن مؤسسات المعارضة من مجلس وطني وائتلاف وحكومة مؤقتة وهيئة تفاوض، والتي لم تشكل بإرادة السوريين، قد فشلت، أو تم تفشيلها، ولم تستطع تحقيق أشياء تُذكر، وهي مسيّرة من دول خارجية.
على مستوى النظام وداعميه، يستمر الخطاب الإقصائي نفسه، وأن كل ما فعلوه صحيحٌ ومبرّر، ولكن على مستوى حواضن النظام، ينمو الغضب نتيجة الأزمة الداخلية التي تشتد وتشتد، وتنتابهم خيبة أمل واسعة، إذ لا يتحقق شيءٌ من الوعود الكثيرة التي وعدهم بها النظام بعد توقف القتال، فلم تبدأ إعادة الإعمار ولن تبدأ، ولم تولد فرص عمل جديدة، ولم تتحسّن الخدمات، بل يصبح الوضع أسوأ حالًا، وتشعر حاضنته بالقهر، بسبب استشهاد عدد كبير جدًا من أبنائها، وما خلفوه من أيتام وأرامل، وعجز النظام عن تعويضهم وإهماله لهم، وتركهم لمصائرهم، بينما أبناء المسؤولين ورجال الأعمال سالمون غانمون، وقد بدأت أصوات الاحتجاج داخل مناطق النظام بالارتفاع، مكتشفين أن انتصاره بفضل الدعم الروسي والإيراني نصر أسوأ من الهزيمة. وفي المقابل، توسع إيران سيطرة مليشياتها وتنوع نشاطاتها لترسيخ نفوذها داخل سورية ومجتمعها، فتفتح الحسينيات والجامعات، وتسيطر على مدارس وتشتري عقارات في مدن عدة وغيرها.
تحث هذه الأوضاع على رد فعلٍ إيجابيٍ لدى مجموعات من النشطاء السوريين لإطلاق مبادرة تستجيب لاحتياجات هذه اللحظة التي تشكل مفرقًا في تاريخ سورية، وتشكيل جسم سياسي يطلق حراكًا سياسيًا يمثل الصوت السوري، ويبرز ما يريده الشعب، ويفرض وجوده ودوره على اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ولكن هذه المساعي تعاني من "المرض السوري" المستفحل، فالجميع يريد أن يطلق مبادرة لوحده، فما أن يجتمع بضعة سوريين حتى يكتبوا وثيقةً، وينظموا مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي، و يبدأوا الحوار والنقاش والتحليل، وكأن الوثائق ونقاشات الغرف هي ما يوصلهم إلى مأربهم، فترى في وقتٍ واحد مبادرات صغيرة عديدة، ما يبقي الجهود منفردة مبعثرة ومشتتة، بدلاً من الاجتماع والوحدة لإطلاق مبادرة كبيرة واحدة قادرة، في تكرارٍ للخطأ مرة ثانية. ولن يتحقق قيام جسم وحراك سياسي له وزن وتأثير وقادر على فرض الصوت السوري من خلال مبادرات عديدة صغيرة متفرقة، تتحاور على صفحات وسائل التواصل.
ويتحقق إسماع الصوت السوري من خلال: مبادرة واحدة كبيرة تؤسس جسمًا سياسيًا يطلق حراكًا سياسيًا بخطاب وطني جامع، وهوية وطنية لسورية الواحدة. وأن يعمل هذا الحراك بشكل مؤسسي، ويطرح رؤية وطنية للتعاطي مع الصراع الدائر في سورية وعليها على المديين، القريب والبعيد، ويعمل من أجل حاضر سورية ومستقبلها. ويتواصل مع فئات واسعة من النخب السورية لاكتساب تأييد شعبي سوري واسع ومصداقية، وليحقق وزنًا وانتشارًا جغرافيًا واسعًا داخل سورية وخارجها، حيث يوجد لاجئون ومهاجرون سوريون. ويقوم بنشاطات منوعة على مستوى الداخل السوري، وعلى مستوى كل دولة فيها وجود سوري ملموس، ويتواصل مع المؤسسات السياسية والإنسانية، ويلتقي بالأحزاب والمنظمات النقابية والإنسانية والجامعات ووزارات الخارجية وأعضاء البرلمان، وبكتّاب ومثقفين وصحافيين، لشرح القضية السورية، ويقيم ندواتٍ ويشارك في برامج تلفزيونية، وينظم وقفات احتجاجية ونشاطات في الوقت نفسه، في مدن عديدة وغيرها من أشكال النشاط السياسي السلمي.
هذا الجسم السياسي الكبير وواسع الانتشار والنشيط، والذي يعمل بذكاء، ويجيد مخاطبة المجتمع العالمي كفيل بفرض نفسه على خريطة العمل السياسي الدولي الخاص بسورية، وكسب ثقة الوطنيين السوريين أينما كانوا.
ولكن ثمة تحديات تواجه تشكيل هذا الحراك السياسي، إذ يتراجع الاهتمام الدولي بالملف
السوري، بعد أن اكتسبت المعارضة السورية سمعةً سيئةً في الأوساط الدولية، ولن يرحب المجتمع الدولي بسهولة ببروز لاعب سياسي جديد، يعبر عن مصالح السوريين. وهذا الانسحاب الأميركي من الملف السوري يفسح في المجال أمام التغوّل الروسي. وثمة شعور بالإحباط بين السوريين، بسبب فشل مؤسسات المعارضة، وخذلان المجتمع الدولي، ما يجعل السوريين متشكّكين بجدوى أي مبادرة.
ولكن، في مقابل التحديات، ثمة ظروف تساعد على قيام مبادرة حقيقية ناجحة، فالضرورة تفرض وجود صوت سوري مستقل بخطاب وطني جامع، يعبر عن الشارع السوري العريض، ويعمل من أجل سورية ومستقبلها، وثمّة إدراك سوري واسع لهذه الضرورة، ففي النهاية لا يمكن تجاهل صوت أصحاب القضية. كما أن وجود مشكلة ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، ومثلهم نازحون في الداخل، وتعقيدات إعادة الإعمار وملف العدالة الانتقالية، وانتشار الفقر وتدهور الخدمات ومستويات المعيشة، ستبقى القضية السورية على نارٍ ساخنة سنوات، وتشكل الجاليات السورية التي أصبحت كبيرة بسبب التهجير واللجوء أداة مساعدة على النجاح. ومن جهة النظام، ثمّة خيبة أمل لدى حواضن النظام، بسبب عجز السلطة عن تنفيذ وعودها والأزمة الطاحنة، تخلق مناخًا مناسبًا للنشاط السياسي، وتقبل البديل، وتفسح في المجال لتقارب سوري بين حواضن المعارضة وحواضن الموالاة.
كلمة السر ومفتاح النجاح هي: تشاوروا وتوحدوا وأطلقوا مبادرة مشتركة، كي تنجحوا، فلا تفشلون ثانية.
في الوقت نفسه، تبدأ ظروف جديدة بالنضوج مع قرب وصول الصراع المسلح إلى نهاياته الأخيرة. ومع تراجع صوت المدافع، وتراجع المال السياسي الخارجي، يتراجع الخطاب الطائفي والإثني تدريجيًا، وتدريجيًا ترتفع الدعوات لخطاب وطني جامع، فعلى جبهة المعارضة يرتفع الصوت المعارض بالنقد الذاتي الصريح، ويتناول ما كان محرمًا من قبل، إذ تقرّ
على مستوى النظام وداعميه، يستمر الخطاب الإقصائي نفسه، وأن كل ما فعلوه صحيحٌ ومبرّر، ولكن على مستوى حواضن النظام، ينمو الغضب نتيجة الأزمة الداخلية التي تشتد وتشتد، وتنتابهم خيبة أمل واسعة، إذ لا يتحقق شيءٌ من الوعود الكثيرة التي وعدهم بها النظام بعد توقف القتال، فلم تبدأ إعادة الإعمار ولن تبدأ، ولم تولد فرص عمل جديدة، ولم تتحسّن الخدمات، بل يصبح الوضع أسوأ حالًا، وتشعر حاضنته بالقهر، بسبب استشهاد عدد كبير جدًا من أبنائها، وما خلفوه من أيتام وأرامل، وعجز النظام عن تعويضهم وإهماله لهم، وتركهم لمصائرهم، بينما أبناء المسؤولين ورجال الأعمال سالمون غانمون، وقد بدأت أصوات الاحتجاج داخل مناطق النظام بالارتفاع، مكتشفين أن انتصاره بفضل الدعم الروسي والإيراني نصر أسوأ من الهزيمة. وفي المقابل، توسع إيران سيطرة مليشياتها وتنوع نشاطاتها لترسيخ نفوذها داخل سورية ومجتمعها، فتفتح الحسينيات والجامعات، وتسيطر على مدارس وتشتري عقارات في مدن عدة وغيرها.
تحث هذه الأوضاع على رد فعلٍ إيجابيٍ لدى مجموعات من النشطاء السوريين لإطلاق مبادرة تستجيب لاحتياجات هذه اللحظة التي تشكل مفرقًا في تاريخ سورية، وتشكيل جسم سياسي يطلق حراكًا سياسيًا يمثل الصوت السوري، ويبرز ما يريده الشعب، ويفرض وجوده ودوره على اللاعبين الإقليميين والدوليين.
ولكن هذه المساعي تعاني من "المرض السوري" المستفحل، فالجميع يريد أن يطلق مبادرة لوحده، فما أن يجتمع بضعة سوريين حتى يكتبوا وثيقةً، وينظموا مجموعة على وسائل التواصل الاجتماعي، و يبدأوا الحوار والنقاش والتحليل، وكأن الوثائق ونقاشات الغرف هي ما يوصلهم إلى مأربهم، فترى في وقتٍ واحد مبادرات صغيرة عديدة، ما يبقي الجهود منفردة مبعثرة ومشتتة، بدلاً من الاجتماع والوحدة لإطلاق مبادرة كبيرة واحدة قادرة، في تكرارٍ للخطأ مرة ثانية. ولن يتحقق قيام جسم وحراك سياسي له وزن وتأثير وقادر على فرض الصوت السوري من خلال مبادرات عديدة صغيرة متفرقة، تتحاور على صفحات وسائل التواصل.
ويتحقق إسماع الصوت السوري من خلال: مبادرة واحدة كبيرة تؤسس جسمًا سياسيًا يطلق حراكًا سياسيًا بخطاب وطني جامع، وهوية وطنية لسورية الواحدة. وأن يعمل هذا الحراك بشكل مؤسسي، ويطرح رؤية وطنية للتعاطي مع الصراع الدائر في سورية وعليها على المديين، القريب والبعيد، ويعمل من أجل حاضر سورية ومستقبلها. ويتواصل مع فئات واسعة من النخب السورية لاكتساب تأييد شعبي سوري واسع ومصداقية، وليحقق وزنًا وانتشارًا جغرافيًا واسعًا داخل سورية وخارجها، حيث يوجد لاجئون ومهاجرون سوريون. ويقوم بنشاطات منوعة على مستوى الداخل السوري، وعلى مستوى كل دولة فيها وجود سوري ملموس، ويتواصل مع المؤسسات السياسية والإنسانية، ويلتقي بالأحزاب والمنظمات النقابية والإنسانية والجامعات ووزارات الخارجية وأعضاء البرلمان، وبكتّاب ومثقفين وصحافيين، لشرح القضية السورية، ويقيم ندواتٍ ويشارك في برامج تلفزيونية، وينظم وقفات احتجاجية ونشاطات في الوقت نفسه، في مدن عديدة وغيرها من أشكال النشاط السياسي السلمي.
هذا الجسم السياسي الكبير وواسع الانتشار والنشيط، والذي يعمل بذكاء، ويجيد مخاطبة المجتمع العالمي كفيل بفرض نفسه على خريطة العمل السياسي الدولي الخاص بسورية، وكسب ثقة الوطنيين السوريين أينما كانوا.
ولكن ثمة تحديات تواجه تشكيل هذا الحراك السياسي، إذ يتراجع الاهتمام الدولي بالملف
ولكن، في مقابل التحديات، ثمة ظروف تساعد على قيام مبادرة حقيقية ناجحة، فالضرورة تفرض وجود صوت سوري مستقل بخطاب وطني جامع، يعبر عن الشارع السوري العريض، ويعمل من أجل سورية ومستقبلها، وثمّة إدراك سوري واسع لهذه الضرورة، ففي النهاية لا يمكن تجاهل صوت أصحاب القضية. كما أن وجود مشكلة ستة ملايين لاجئ سوري في دول الجوار، ومثلهم نازحون في الداخل، وتعقيدات إعادة الإعمار وملف العدالة الانتقالية، وانتشار الفقر وتدهور الخدمات ومستويات المعيشة، ستبقى القضية السورية على نارٍ ساخنة سنوات، وتشكل الجاليات السورية التي أصبحت كبيرة بسبب التهجير واللجوء أداة مساعدة على النجاح. ومن جهة النظام، ثمّة خيبة أمل لدى حواضن النظام، بسبب عجز السلطة عن تنفيذ وعودها والأزمة الطاحنة، تخلق مناخًا مناسبًا للنشاط السياسي، وتقبل البديل، وتفسح في المجال لتقارب سوري بين حواضن المعارضة وحواضن الموالاة.
كلمة السر ومفتاح النجاح هي: تشاوروا وتوحدوا وأطلقوا مبادرة مشتركة، كي تنجحوا، فلا تفشلون ثانية.