توسع فارسي قادم
تؤكد نظرة بانورامية على المشهد العراقي الحالي من دون مجال للشك حالة الانسجام والتحالف الواضحتين بين إيران وأميركا. وكما هو الحال في لعبة الأمم المبنية على المصالح، تتقاطع مصلحة الطرفين، في هذا الوقت بشكل كبير، عندما يجدان نفسيهما في مواجهة مفتوحة مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مدن ومساحات واسعة في الأراضي العراقية، حتى وصوله إلى أبواب بغداد، فبدت مسألة التنسيق العسكري بين الدولتين واضحة من خلال قيادة طيران التحالف الغربي، الغارات الجوية على أهداف داعش، بينما يكمل قاسم سليماني جنرال إيران القوي في المنطقة الاقتحامات والالتحامات البريه العسكرية مع التنظيم.
وسط كل هذا التناغم والانسجام الظاهر بين الطرفين في مواجهة الخطر الداعشي، في خندق واحد، تبدو المفاوضات السرية النووية تسير نحو اتفاق تحقق فيه إيران مكتسبات سياسية تخلصها من عبء الحصار الاقتصادي الغربي، وتعطي اقتصادها المتهالك نوعاً من الدعم والتطوير، كما يعطيها قوة إضافية لبسط نفوذها وتوسعها الإقليمي داخل دول الإقليم العربي، في مقابل تجاهل أميركي وعدم اكتراث غربي حقيقي تجاه هذا الجموح الفارسي المنفلت ضد جيرانه العرب.
ما زالت مليشيات الحشد الشعبي، التي تديرها إيران، مستمرة في تقدم بطيء نحو انتزاع المناطق والمدن من يد داعش في العراق، وتظهر الفيديوهات المصورة عمليات قتل ذات طابع مذهبي انتقامي من سكان المناطق السنية، فبات المدنيون في محافظات صلاح الدين يتعرضون لإرهاب مزدوج، سواء من داعش أو من مليشيات الحشد الشيعي التي يقودها أيقونات مذهبية تحمل سوابق في جرائم التطهير الطائفي، مثل زياد العامري وقيس الخزعلي وغيرهم من قيادات الحرب، الخاضعة في مجملها للنظام الإيراني وسليماني، وتبدو هذه القوات على استعداد لاقتحام وشيك لمدينة الموصل، بعد أن تنهي سيطرتها على تكريت.
يدلل ذلك على خطة استراتيجية تتبعها الحكومة العراقية بتوجيه إيراني، لإعادة السيطرة والنفوذ على مدن المحافظات السنية، من خلال قوات الحشد الشيعي، في مقابل سياسة واضحة، تهدف إلى إضعاف عسكري لقوى العشائر في تلك المناطق، برفض دعمهم بالسلاح الذي ما مازالوا يطلبونه من حكومة بغداد، لمواجهة امتداد داعش، من دون آذان صاغية، والتفات لطلباتهم الحثيثة.
تتجه إيران فيما يبدو نحو العمل على تحقيق طموحاتها في التوسع وبسط النفوذ، وتستخدم مخزونها الطائفي في المنطقة لزيادة الاستقطاب المذهبي وبث الكراهية وزيادة الأزمات والصراعات في الإقليم، لتحافظ بذلك على تزعمها وصدارتها ومواصلة تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية القديمة، وقد بدا ذلك التوجه واضحاً في تصريحات مستشار روحاني، علي يونسي، إن "إيران أصبحت، اليوم، إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد، سندافع عن كل شعوب المنطقة، لأننا نعتبرهم جزءاً من إيران، وسنقف في وجه التطرف الإسلامي والتكفير والإلحاد والعثمانيين الجدد والوهابيين".
ويظهر في مقابل هذا الكشف الواضح للنزعة التوسعية الفارسية تغاض أميركي، وسياسة عربية متخبطة لا تمتلك استراتيجية واضحة في مواجهة هذا النفوذ الإيراني المتعاظم، غير المكتفي بما احتله من العراق واليمن ولبنان وسورية فقط، بل عينه على الخليج العربي بأكمله.