توظيف الدين في مصر

13 أكتوبر 2014
+ الخط -

بعد عزل الرئيس المصري، محمد مرسي، في 3 يوليو/ تموز2013، قامت الأجهزة الأمنية بحملة كبيرة ضد قيادات جماعة الإخوان المسلمين وعناصرها وحلفائها، فضلاً عن إغلاق مؤسسات إعلامية واقتصادية وخيرية عديدة تابعة لهم، ولكن، الملفت هو الحملة ضد الشبكات الأيدولوجية (Ideological Networks) للجماعة، وما ينتج عنها من خطاب من خلال استراتيجيات متنوعة، كآلية لقطع سبل التواصل والإقناع بين الجماعة وحلفائها وبقية فئات المجتمع، ويرى مراقبون أن هذه الحملة تعتبر الأقوى منذ تأسيس الجماعة.

وتهدف هذه الخطوة إلى تعزيز سيطرة الدولة على المجال العام، والمجال الديني بصورة خاصة، وذلك ضمن مسارين رئيسيين، الأول ضرب منابر الخطاب ومنصاته، مثل منع الخطباء المعارضين الإسلاميين من اعتلاء منابر المساجد، وإغلاق فضائياتهم وصحفهم. والمسار الثاني، وهو التعاطي مع الخطاب نفسه، من خلال سياسات متنوعة.
 
يرى بعضهم أنه لكي تكون الدولة ديمقراطية وحداثية، فإنها من الضروري أن تصبح علمانية، وهذا ما سُمي بأطروحة التحوّل نحو العلمانية. ويعتبر توماس لوكمان، وبيتر برجر، بين أبرز مَن سلّطوا الضوء على هذا المفهوم. فالتحوّل نحو العلمانية، حسب وجهة نظرهم، يحتاج إلى استئصال الدين من الحياة العامة، وجعله داخل المجال الخاص للفرد فقط. وقد كان هذا توجه دول، مثل فرنسا، وتركيا قبل أردوغان، وكان أيضاً من تنظيرات حركات وطنية تسلّمت الحكم، بعد جلاء الاستعمار عن بلادها، مثل تونس، إلا أن الحال في مصر حالياً مختلف تماماً.

انبرت مجموعة من "المشايخ" و"القسيسين" في مصر، المؤيدين للانقلاب، في تكفير "الإخوان" وتقديس نظام عبد الفتاح السيسي. ولكن، ما كان غير تقليدي، هو انبراء العلمانيين، أو الليبراليين، من كتّاب وإعلاميين مؤيدين للنظام، للخوض في الدين والتاريخ الإسلامي، وإعادة طرحه بطريقة جدلية. والسبب، طبعاً، ليس لأنه رسخ لديهم أن هذا من ضرورات الانتقال إلى الديمقراطية والتنمية، فالتحريض والتخوين وانتهاك حقوق الإنسان وصلت إلى مستويات مفجعة وخطيرة.

حاول إعلاميون وكتّاب وممثلون مصريون تقديم الدين الإسلامي بما يتناسب مع ولائهم للنظام، فتلك تتحدث عن رقص المرأة في الشارع بأنه من علامات وسطية الإسلام، وذاك يشكك في صحيح البخاري، وهذا يعتبر صلاح الدين الأيوبي "بهدل مصر"، وآخر يطالب بشطب آيات في القرآن الكريم في المدارس، كما سعى السيسي إلى تقديم نفسه بوصفه حامياً للقيم الأخلاقية والدينية في المجتمع. وهذه أمثلة بسيطة. لكن، النظام ليس متديناً، ولا صاحب مدرسة فلسفية وفقهية ينتمي إليها، حتى تكون له هذه الآراء، وليس حداثيا ديمقراطياً، يؤمن بأطروحة التحول نحو العلمانية طريقاً للديمقراطية.

يظل الدين، هنا، بالنسبة للنظام، يعمل كحزب سياسي، يدافع عن مصالح النظام، ويحل مشكلاته، وأداة من أدوات النظام في إخضاع الشعب، كما القضاء والإعلام والمؤسسات الأمنية. يدرك النظام العسكري في مصر قوة الدين في المجال العام. والدين بالنسبة له يمثل بنية تحتية خطابية لأداء وظيفة محددة. وفي ظل الحملة الضروس ضد خطاب "سلميتنا أقوى من رصاصهم"، وفي ظل محاولة النظام تأميم الدين، فذلك سيوفّر أرضاً خصبة لعمل الحركات المتطرفة، والتي ربما تتخذ شعار "رصاصنا أقوى من رصاصهم".

avata
avata
حسن عبيد (فلسطين)
حسن عبيد (فلسطين)