يقول توفيق عمران لـ"العربي الجديد"، حول اختياره "العولمة" موضوعاً لمعرضه (يستمر حتّى 31 مارس/آذار): "إن قناعاتي اليسارية تقاطعت مع فضاء مناسب، هو المنتدى الاجتماعي العالمي في الطموح لمجابهة العولمة".
وكأن رسومات عمران تحاول أن تقصّ حكاية الرأسمالية وما فعلته بالبشرية، خصوصاً منذ أن تلبّست بمفهوم "العولمة" في نهاية الحرب الباردة. هذا المفهوم المهجّن، يصوّره عمران كتزاوج بين فكرة الرأسمالية والقلة من أصحاب النفوذ المالي والسياسي في العالم (الأوليغارش). ومن هنا، يبرز لها وجهاً وقَفَا، يوضحه قائلاً: "لها وجه جميل موجّه للأقوياء وقفا قبيحٌ موجّه للطبقات الضعيفة".
استعمل عمران في رسوماته المعروضة الحبر الصيني والريشة، كما اختار أن لا يستعمل الألوان، وأن يتقشف على مستوى التعابير اللفظية. ورغم ما تتيحه التكنولوجيات اليوم من أدوات متطوّرة لرسام الكاريكاتير، يستعملها في أطر أخرى، إلا أنه خيّر في معرضه هذا أن يستعمل طريقة كلاسيكية في الرسم.
يصر عمران على أن "الفكرة هي التي ينبغي أن تكون على أعلى درجات التحيين، أما التقنية فهي خادمة للفكرة لا غير". ويضيف "إن الألوان تغطي في بعض الأحيان عيوب الرسامين وأفكارهم، ومن هنا أفضل ترك المحسّنات البصرية من أجل الفكرة فيتجه المتلقي لها مباشرة".
ألا تقتضي هذه الجوانب التقنية والمحتوى الفكري للمعرض، متلقياً معيناً؟ يعترف الرسام التونسي بأن "المعرض من هذا المنظور نخبوي، إذ يفترض مشاهداً متسلحاً بخلفيات معرفية وسياسية".
في نهاية 2014، توّج عمران بجائزة "أكاديميا لحرية الإعلام" كأفضل رسام كاريكاتيري تونسي لذلك العام. لفتة استغلها عمران وقتها ليفتح باب نقاش حول ظروف رسامي الكاريكاتير في ظل وضع الصحافة التونسية. لقد قال في الكلمة التي ألقاها: "أودّ أن أشير إلى أمر طريف ومحزن في آن. كل المؤسسات الإعلامية التي نشرت فيها أعمالي توقفت".
لقد وضع عمران إصبعه وقتها على السبب الذي يعيق تطوّر مشهد الكاريكاتير في تونس، فالمؤسسات الإعلامية هي الفضاء الحاضن لتجارب الرسامين، غير أن هذه الأخيرة غير قادرة على تأمين استمراريتها واستقلاليتها لأسباب سياسية في السابق ومادية في الوقت الحاضر.
تكشف مسيرة عمران هذه العلاقة العضوية بين الصحافة وفن الكاريكاتير، وارتهانهما بمتغيرات المشهد السياسي والاجتماعي. فقد بدأ الرسام مسيرته الفنية في ثمانينيات القرن السابق، في بدايات العشرين من عمره، عبر جرائد يسارية معارضة، مثل جريدة "الرأي" أو جريدة "لوفار" الناطقة بالفرنسية.
سمحت مساحة الحريات التي عرفتها تونس وقتها بظهور جيل من رسامي الكاريكاتير وكتاب الرأي، قبل أن تأتي موجة القمع الذي مارسته الدولة على المعارضة، فدمّرت في الأثناء الصحافة الحرة، وبالتالي افتقد رسامو الكاريكاتير الفضاء الذي يتحركون فيه.
خلال سنوات حكم بن علي، بدا عمران وكأنه هجر نهائياً فن الكاريكاتير، فاشتغل بمجالات عمل أخرى مثل النشر والتصميم والإشهار. سنة 2011، استرجع شهية العمل الكاريكاتيري، عبر منبر موقع "راديو كلمة" الإلكتروني، بنشر رسوماته يومياً، مستفيداً من اهتمام شعبي مكثف بالشأن العام. غير أن نشاط "راديو كلمة" توقف سنة 2013 لأسباب مادية.
اتجه عندها بموهبته إلى جريدة "صوت الشعب"، لسان حزب العمّال التونسي، التي ستتوقف بقرار سياسي داخلي بعد انتخابات 2014. فلم يبق من فضاء متاح لنشر الرسومات سوى جرائد ومواقع خارج تونس.