لم ينته الجدل حول قانون المصالحة في تونس، غير أنه تحوّل في الفترة الأخيرة إلى جدال سياسي تاريخي بامتياز، وكشف عن حسابات حزبية بخصوص الفترة الزمنية التي سيشملها، إذا تمت المصادقة عليه مبدئياً. وأُخرج رجال الأعمال من القائمة التي سيشملها القانون، وتم الاقتصار مبدئياً، على الموظفين الذين تورطوا في تنفيذ تعليمات من دون الاستفادة الشخصية من ذلك، على الرغم من تشبث رئاسة الجمهورية بفكرة المصالحة الشاملة، ولكن يبدو أن الاجماع يسير نحو إبعاد رجال الأعمال. إلا أن الجدل الجديد يتعلق بالفترة الزمنية التي يمكن أن يشملها القانون، وهل تتوقف عند قيام الثورة في 2011 أم تتواصل إلى ما بعد ذلك، أي تشمل أيضاً فترة الترويكا إلى 2013؟
من جهته، أكد رئيس كتلة "نداء تونس" سفيان طوبال، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الكتلة سحبت مقترحها المتعلق بتمديد الفترة التي تغطيها مقتضيات مشروع قانون المصالحة إلى 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013، وهي الفترة التي يغطيها أيضاً قانون العدالة الانتقالية. وشدد طوبال على أن "المنطلق الذي دفع ممثلي نداء تونس لطرح هذا المقترح في لجنة التشريع العام، قانوني بحت، إلا أنه تحوّل إلى نقاش سياسي حول تلك الفترة"، معلناً أنه "بعد أن تراجعت حركة النهضة عن دعمه، فإن النداء أيضاً تراجع عن مقترحه وقام بسحبه".
من جهته، شدّد حزب "آفاق تونس" على تمسكه بموقفه الرافض لأي تغيير للتاريخ الوارد في الصيغة الأولية للمبادرة الرئاسية، والتي تنص على أن يُطبّق المشروع على الموظفين في ما يتعلق بالإجراءات والمكاسب التي حققوها بصفة مخالفة للقانون لغاية 14 يناير 2011. وأبلغ الحزب موقفه الرافض إلى نواب لجنة التشريع العام وذلك من خلال انسحاب ممثلته في اللجنة، هاجر بن الشيخ أحمد، تعبيراً عن رفضها له وتفاجئها بعرض المقترح للتصويت والنقاش، فيما لم يتم النقاش فيه مسبقاً ولا استشارة الكتلة أو إعلامها بوجوده.
وأوضح عضو المكتب السياسي لحزب "آفاق تونس"، زياد زقاب، أن الحزب أبلغ نواب الكتل الأخرى، كما أبلغ جهة المبادرة أي مؤسسة الرئاسة، برفضه لأي تغيير يطرأ على الفترة الزمنية، وفيما أخذت بن الشيخ أحمد قرارها بالانسحاب منفردة، فإن المكتب السياسي لـ"آفاق" صادق على موقفها وتبنّاه خلال اجتماعه الأخير، وهو متمسك بتاريخ 14 يناير 2011. وكشف زقاب لـ"العربي الجديد" أن الفصل السابع المتعلق بالآجال التي تغطيها الإجراءات الاستثنائية لقانون المصالحة، عطّل أعمال اللجنة، وعقدت جلسة للجنة التوافقات حوله، وكان نواب "آفاق تونس" قد عبّروا خلالها عن رفضهم القاطع لتمديدها لغاية سنة 2013.
وتعكس هذه المواقف حسابات خاصة بكل حزب، فحركة "النهضة" لا تريد أن تطالب بتمديد الفترة الزمنية إلى 2013 حتى لا يُعتبر ذلك تصريحاً منها بأن فترة الاستبداد تواصلت إلى ما بعد قيام الثورة وتوليها الحكم، بالإضافة إلى أن ذلك سيسحب البساط كلياً من لجنة المصالحة لهيئة الحقيقة والكرامة، التي تبقى "النهضة" من أكبر المدافعين عنها.
في حين يصر "آفاق"، أحد أشد المختلفين مع "النهضة"، على التوقف عند عام 2011 ليبقى الباب مفتوحاً أمام إمكانية محاسبة إدارة الترويكا، فيما كان "النداء" يقترح تمديد الفترة لإقناع "النهضة" بدعم قانون المصالحة، والإشارة إليها بأنه يرغب في مصالحة حقيقية شاملة لا تتعلق بنظام سياسي واحد وإنما تشمل أيضاً نظام ما بعد الثورة.
وأثار ذلك الموقف بتلك الحدة من قِبل مجلس شورى "النهضة" وقتها، بروداً كبيراً في العلاقة بين السبسي وزعيم "النهضة" راشد الغنوشي، وراهنت أطراف أخرى على إمكانية تراجع التحالف المتين بينهما. لكن لقاءً سريعاً تم بينهما طمأن خلاله الغنوشي حليفه السبسي بأنه لا خلاف حول مبدأ المصالحة ولكن التعديلات تبدو ضرورية لذلك، ما اعتبره بعض المراقبين ضغطاً من الحركة على الرئيس التونسي ومقايضة لملف بآخر، خصوصاً أن الخلافات بين الحزبين لا تنتهي، وأن "النداء" كثيراً ما يعارض "النهضة" داخل البرلمان، حتى بعد إنشاء اللجنة العليا للتنسيق بين الكتلتين، وآخرها خلافهما بشأن لائحة حول إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية.