تونس: الرئاسة بين الجمع والقسمة

04 نوفمبر 2014

تونسيون مناصرون للمرزوقي يهتفون تأييدًا لترشيحه للرئاسة (2 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
تتحكم قراءتان في الانتخابات الرئاسية التونسية. يدافع عن الأولى بقوة رئيس حزب نداء تونس، الباجي قائد السبسي، ويعتبر نجاحه في هذه الانتخابات شرطاً ضرورياً للنجاح في إدارة شؤون البلاد في هذا الظرف الانتقالي الصعب.

ويعتقد، مع أنصاره، أن من بين العوامل التي تسببت في التعثر الشديد الذي صاحب تجربة الترويكا عدم الانسجام بين الحكومة والرئاسة، ما أفقد الدولة هيبتها. وبناء عليه، يدافع أصحاب هذه القراءة، بقوة، عن وجوب الجمع بين رأسيّ السلطة التنفيذية، ويرون في ذلك عاملاً حيوياً لاستعادة عافية النظام السياسي الذي لا يزال في حالة تشكل.

في المقابل، يكاد يتفق بقية المنافسين على أن التجربة الديمقراطية الفتية في تونس مهددة بالارتداد إلى الخلف، والعودة إلى هيمنة حزب واحد على مؤسسات الدولة، في حال فوز "نداء تونس" بالرئاسية، ما من شأنه أن يفتح المجال أمام الاستبداد السياسي من جديد.

أما المنصف المرزوقي فيذهب إلى أكثر من ذلك، لأنه يرى في حزب نداء تونس وقائده البوابة الخطيرة التي ستتسلل منها الثورة المضادة. ولذلك، يعتبر أن نجاحه في هذه الانتخابات الضمانة المتبقية لإنقاذ الثورة من أعدائها.

ولهذا السبب، ركز مرشحون كثيرون، منهم أحمد نجيب الشابي ومصطفى بن جعفر ومحمد عبو ومحمد الحامدي، على أهمية تحقيق التوازن بين القصبة وقرطاج، بعد أن تأكدت نيات الحزب الفائز في الجمع بين رئاسات الحكومة والجمهورية والبرلمان.
هذه هي الفكرة المحورية التي يسعى هؤلاء إلى إقناع الشعب التونسي بها.

الشعب الذي دلت نتائج الانتخابات التشريعية أن جزءاً واسعاً من أفراده يفكرون بطريقة مغايرة عما تفكر فيها الأوساط الديمقراطية. فالعامل المحدد الذي دفع مليوناً ومئتي ألف ناخب تونسي هو التوجه إلى حزب قوي، يكون قادراً على تحقيق التوازن مع حركة النهضة، من أجل منعها من العودة إلى السلطة أو الهيمنة عليها.

العقبة الأساسية التي يواجهها من يدافعون عن التوازن بين الحكومة والرئاسة أن جزءاً حيوياً من التونسيين أصبحوا مقتنعين، هذه الأيام، بضرورة أن تسترجع الدولة قوتها وحضورها، ويعتقدون أن ذلك يحققه حزب كبير، تقوده شخصية قوية وحازمة، تتمتع بدعم شعبي واسع.

ما يجب أن يدركه الديمقراطيون أن الشعوب تتحكم في سلوكها الجماعي عوامل عديدة، منها الخوف والرغبة والمصلحة والبحث عن الأمن والثقة. وعندما تفشل النخب في ضمان ذلك، تغير الشعوب وجهتها نحو البحث عن بديل، بقطع النظر عن هويته وتاريخه وخلفياته.

لم يقتنع التونسيون، اليوم، إلى الآن، بالجدوى التي يمكن أن تترتب عن توزيع السلطات على قوى سياسية متنافرة. في حين أنهم تربوا تاريخياً على ثقافة الجمع بين السلطات. ويتجلى ذلك بوضوح في هذا الاهتمام الواسع بمكانة رئيس الجمهورية ودوره. إذ على الرغم من أن صلاحياته تقلصت، مقارنةً بما كانت عليه، حيث انتقل معظمها إلى رئيس الحكومة، إلا أن التونسيين بقوا ينتظرون الكثير من رئيس الدولة، ويطالبونه بما ليس من مشمولاته.

لا يزال كثيرون منهم يرون فيه أعلى سلطة في البلاد، والقادر على حل مشكلاتهم وإخراجهم مما هم فيه. وهذا يعني أن الشخص الحاكم لا يزال يتمتع بحضور قوي في المخيال الجماعي، وفي الثقافة السياسة الموروثة.

المؤكد أن الانتخابات الرئاسية التونسية تشكل محطة أخرى في إعادة بناء هذه الثقافة التي يجب أن تنتقل من الفرد إلى المؤسسة، ومن العاطفة إلى الوعي، ومن الخوف الغريزي إلى الاختيار الناضج. فالمرحلة لا تزال مفتوحة على أكثر من احتمال. أما الذين يرددون أن الديمقراطية الوليدة مهددة اليوم، بل هناك من قرأ عليها سورة ياسين، فهؤلاء لم يفهموا بعد التغييرات التاريخية الجارية حالياً في هذا البلد الصغير.