تونس: السبسي يحاصر والشاهد يناور من أجل السلطة

03 فبراير 2019
لم يعد السبسي قادراً على إزاحة الشاهد (فرانس برس)
+ الخط -

بات الصراع الدائر بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، أمراً جلياً ومفصلياً في المشهد الراهن في البلاد، بعدما أصبح هذا الصراع مفتوحاً على جميع الاحتمالات وتستخدم فيه مختلف الوسائل. ويعتبر الإعلان أخيراً عن تأسيس حزب "تحيا تونس"، التابع للشاهد، خطوة جديدة ونوعية في سياق الحسم بين الرجلين، فما هي الخطوات المقبلة في هذه الحرب المعلنة؟

لا يختلف خصوم السبسي وأنصاره حول التسليم بأنّ تأسيس الأخير لحزب "نداء تونس"، ساهم في تحقيق التوازن بعد الثورة مع حركة "النهضة"، لإدارة المرحلة الانتقالية. لكن بعد أربع سنوات من ذلك، يشعر السبسي بقلق نتيجة انهيار هذا الصرح الحزبي بنسق متسارع على أيدي اثنين من أبنائه. الأول ابنه البيولوجي حافظ قائد السبسي، الذي أخفق في المحافظة على وحدة الحزب وقوته، فيما الثاني هو يوسف الشاهد، ابنه الروحي الذي اصطفاه سابقاً ورشّحه إلى منصب رئاسة الحكومة، قبل أن ينقلب عليه، ويتحوّل إلى منافس عنيد وصعب رغم أنه لم ينتخب من قبل الشعب.

يدرك السبسي أنّ الشاهد لن يقف عند ذلك الحدّ، وقد يقرّر المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة ليكون أحد منافسيه الأقوياء، في حال قرّر تجديد العهدة الرئاسية. وبذلك، يُقدم الشاهد على الخطوة الأخيرة من خطته التي تتمثّل في الإقدام على الإجهاز على الأب بثقة وعن سابق إصرار وترصّد.

ولم يعد السبسي قادراً على إزاحة الشاهد من رئاسة الحكومة، فيده مغلولة بسبب الدستور الذي يعتبره المسؤول عن أزمة الحكم القائمة، لأنه من المؤمنين بالنظام الرئاسي ويعتبره الأصلح لتونس، على عكس النظام البرلماني الحالي. كما أنّ السبسي عاجز عن وضع عراقيل أمام الحزب الجديد "تحيا تونس"، الذي ولد كبيراً ومرشّح لأن يتّسع بنسق سريع. لكنه رغم ذلك، يبقى قادراً على إيذائه ومحاولة إضعافه، فهو من السياسيين الذين لا يستسلمون بسهولة.

وفي هذا السياق، يحاول رئيس الدولة توظيف ورقة "النهضة" من أجل إرباك خصومه. فقد أكّد في آخر حوار صحافي أجراه مع صحيفة "العرب" اللندنية، على أنّ "الهيمنة حالياً للنهضة التي تسير في الحكومة، وبدونها لا وجود لهذه الحكومة". وفي ذلك إشارة إلى خلافه مع رئيس الحركة، راشد الغنوشي، الذي فضّل، حسب اعتقاده، دعم الشاهد على حساب التحالف الذي تعاقد عليه مع السبسي. وعلى هذا الأساس، يرى الرئيس التونسي أنه كلّما أكد على أن الشاهد ورقة بيد "النهضة" تتحكّم فيه مقابل ضمان بقائه، سيساعد ذلك على إضعافه داخلياً وخارجياً.


ولا يكتفي الرجل بذلك، بل يعمل على إحراج الشاهد و"النهضة" معاً، من خلال إبراز اهتمامه بما يسمى من قبل خصوم "النهضة" بـ"الجهاز السري" للحركة، والذي برز الحديث عنه أخيراً. وقال السبسي في هذا الإطار إنّ "الشعب يجب أن يكون على بينة من الطريق الذي نسير فيه. وهذه الشفافية تقتضي أنه إذا كان هناك تفاصيل ثابتة بالوثائق، لن نتخلّف عن إشهارها لسلامة المسيرة التي نمشي فيها". وأضاف "لا بد أن نتأكّد إن كان هناك ذراع سري (لحركة النهضة). النهضة تنكر وجوده، لكن الكثير من المراقبين السياسيين والمحامين الذين يتابعون قضايا اغتيال الشهداء، يقولون إنه موجود. دولة مثل تونس تريد أن تكون ثورتها نزيهة، يجب أن تعرف هل هذا الجهاز موجود أم لا؟ نحن لا نتهم بدون حجة".

من جهته، يرى الشاهد أنّ هذا الأمر "مناورة" الهدف منها هو تفكيك التحالف الحكومي القائم بينه وبين حركة "النهضة" التي إن شعرت بأنّ رئيس الحكومة يشكّ في نواياها، فلن تتردّد في سحب ثقتها منه، مما يعني انهيار الحكومة ودخول البلاد في أزمة سياسية كبرى ومتعددة العواقب. لهذا يفضّل الشاهد ملازمة الصمت في هذه القضية، مكتفياً بما يردده أنصاره بأنّ هذا الملف مطروح حالياً بين أيدي القضاء للبت فيه.

الوسيلة الأخرى في هذه الحرب الباردة الدائرة بين الرجلين (السبسي والشاهد)، تتمثّل في الضغوط التي يمارسها السبسي على قيادة "نداء تونس"، عسى أن تتمكّن من تنظيم مؤتمر ينجح في إنقاذ الحزب ويمكّنه من عودة قوية إلى المشهد السياسي، لأنه يدرك مدى أهمية الحفاظ على الماكينة الحزبية في المعركة الدائرة حالياً. وهو رهان يعلم السبسي مدى صعوبته، في ظلّ المعطيات الواقعية القائمة داخل الحزب.

وفي رده على الرئيس السبسي، يصف منسّق كتلة "الائتلاف الوطني" الداعمة للشاهد، مصطفى بن أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، الصراع القائم بين رأسي السلطة التنفيذية بـ"تنازع الصلاحيات"، موضحاً أنّ "رئيس الجمهورية نجح منذ أن أصبح رئيساً للدولة في التصرّف في مساحة تتجاوز تلك التي حددها له الدستور، لكن الأمر تغيّر منذ أن فشلت وثيقة قرطاج في إزاحة الشاهد الذي قرر بدوره بعد ذلك التاريخ، عدم التخلّي عن صلاحياته الدستورية واستثمارها بشكل كامل".

أمّا العامل الثاني الذي يفسّر سلوك رئيس الدولة، حسب رأي بن أحمد، فهو "البعد المعنوي. فالصراع الدائر هو صراع الابن ضدّ الأب، وهو مرجّح لأن يزداد كلما اقترب موعد الانتخابات. فالأب هو الذي صنع الابن، وله فضل عليه، غير أنّ الابن وجد نفسه مضطراً للتمرّد والاستقلال بمصيره. اليوم كل واحد منهما قد سار في طريقه، وما علينا إلا أن ننتظر كيف ستكون النهاية".

أمّا بالنسبة لورقة "النهضة" التي يستعملها السبسي لتضييق الخناق على الشاهد، فيرى بن أحمد أنّ "رئيس الدولة كونه صاحب فضل على حركة النهضة، يعتبر أنّ مساندتها للشاهد اختراق متعمّد منها للخارطة التي وضعها بنفسه، وبالتالي وضعت نفسها مع الشاهد في معركة حاسمة ضده".

هذا الصراع المرشح لكي يتواصل في العلن وفي الكواليس بين الرجلين ستكون له عواقب سلبية على أداء الدولة، وهو ما جعل "مجموعة الأزمات الدولية" تعتبره في تقريرها الصادر قبل أيام أنه "زاد في تأزيم الوضع"، كما اعتبرته من بين الأسباب الرئيسية التي استندت إليها للقول إنّ "هناك مخاوف حقيقة على المناخ الديمقراطي في البلاد". وهو ما جعل المجموعة أيضاً تضع تونس ضمن "قائمة المراقبة المبكرة للدول المعرضة إلى خطر تنامي العنف أو تصاعد الأزمات خلال سنة 2019".