تبحث المؤسسة العسكرية بشتى السبل القانونية والتحسيسية عن آليات لتغذية خزانها البشري بمجندين ومتطوعين من الشباب، غير أن تفاقم ظاهرة العزوف عن أداء الواجب العسكري يقف سدا أمام نجاح أهدافها الوطنية.
وأخذت ظاهرة العزوف عن أداء الخدمة العسكرية تتفاقم في تونس يوماً بعد يوم، بالرغم من أن الجيش يحظى بثقة عالية لدى التونسيين، ويتصدر استطلاعات الرأي دون منازع لجهة ثقة المواطنين خصوصا بعد مواقفه المشرفة غداة ثورة الياسمين في 2011، وحمايته للأملاك والمؤسسات وبقائه على الحياد، وعدم تدخله في الشأن السياسي، بالإضافة إلى تأمينه للانتخابات، وسهره على نجاح انتقال ديمقراطي سلمي، وما بذله من شهداء ودماء لحماية البلاد من الإرهاب والتطرف.
وبالرغم من حب التونسيين واحترامهم للمؤسسة العسكرية إلا أن عزوف الشباب عن أداء الخدمة العسكرية يتزايد، إذ تبرز الإحصاءات الرسمية الأخيرة لعام 2017 أن مراكز التجنيد وجهت دعوات لقرابة 31016 شاباً لأداء الواجب العسكري ببلوغهم السن القانوني، لكن لم يتقدم منهم سوى 506 شبان طوعاً أي بنسبة 1.65 بالمائة.
وبسبب عزوف الشباب عن الخدمة العسكرية، وعدم تسوية وضعياتهم القانونية، تتراكم لدى المحاكم العسكرية أكثر من 200 ألف قضية عسكرية بحق شبان معرضين لملاحقة القضاء العسكري.
وتبحث وزارة الدفاع التونسية عن حلول تشريعية وقانونية إلى جانب التحسيس والتوعية بضرورة أداء الواجب العسكري وأهميته للفرد والمجتمع التونسي، واعتبار الخدمة الوطنية العمود الفقري لدعم منظومة الدفاع وترسيخ العقيدة العسكرية في المجتمع.
وأعدت وزارة الدفاع مشروع قانون لتجاوز ظاهرة العزوف عن أداء الخدمة العسكرية اعتمدت فيه على المبادئ والنقاط الأساسية من القانون عدد 1 لسنة 2004 المنظّم لعملية تأدية الواجب الوطني، مقابل إلغاء التعيينات الفردية (دفع مقابل مادي مقابل عدم الخدمة)، وإدخال عناصر جديدة من شأنها مقاومة ظاهرة العزوف وضمان المساواة بين الجنسين، إلى جانب ربط تأدية الخدمة الوطنية بالمستقبل المهني لكل شاب، فكل من يتقدم متطوعا ويؤدي الواجب الوطني، يتمتع بالأولوية في الحصول على عمل بالوظيفة العمومية.
وأفاد وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي، في تصريح صحافي، أنّ مشروع قانون مجلة الخدمة العسكرية صار جاهزا لتقديمه وعرضه على مجلس الوزراء مع بداية أكتوبر/تشرين الأول 2018، ومن بعده على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه.
وأوضح الوزير أن مشروع قانون الخدمة الوطنية يضم بالإضافة إلى عنصر الخدمة الوطنية التقليدي، خدمة وطنية مدنية ستمكّن الشباب من الانخراط ضمن منظومة العمل الميداني، من خلال اتفاقيات ستبرم مع الهياكل والوزارات المعنية في أكثر من مجال، منها البيئة والتربية والجماعات المحلية.
ويرى أستاذ علم الاجتماع، زهير بن جنات، أن "عزوف الشباب التونسي عن الخدمة الوطنية الطوعية أمر طبيعي اذا ما وضعناه في السياق العام لخيبة أمل الشباب من مؤسسات الدولة ومن الإصلاح الاقتصادي وتحسين الوضع بعد الثورة"، مشيرا إلى أن "مشاركة الشباب في الحياة العامة وفي الحياة السياسية والحزبية تترجم عزوفه أيضا عن المشاركة في الخدمة العسكرية".
واستبعد بن جنات في تصريحه لـ"العربي الجديد" أن تكون المسألة مرتبطة بخوف الشباب من الإرهاب أو القتال، بدليل ارتفاع نسب المشاركة بعد الثورة مع الهبة الشعبية، وارتفاع الحس الوطني والرغبة الكبيرة في المشاركة للدفاع عن البلاد والمساهمة في البناء".
وبيّن إن "القوانين مهمة لكنها غير كافية لأنها لا تتعلق بمسألة الإقبال الطوعي على الخدمة الإجبارية، بقدر ما تتعلق بتعزيز الثقة وإعادة الأمل والتحفيز والتشجيع على المشاركة".