يخشى التونسيون من الأمطار الغزيرة التي تؤدّي سنوياً إلى سيول تتسبب في فيضانات تطاول مدناً وبلدات عدّة، فتعرقل الحركة فيها
في كل عام، مع اقتراب فصل الشتاء، تنطلق الاستعدادات في تونس تحسبّاً لهطول كميات كبيرة من الأمطار، لا سيّما مع التوقّعات الأخيرة بموسم غزير الأمطار قد يشهد فيضانات خطرة في مختلف الجهات على غرار العام الماضي. وتنطلق تلك الاستعدادات بتنظيف الأنهر وتهيئة شبكات صرف مياه الأمطار وشبكات الصرف الصحي. وتونس، بحسب خبراء في الأرصاد الجوية، على غرار دول عدّة، تشهد في الفترة الممتدة ما بين سبتمبر/ أيلول ويناير/ كانون الثاني من كل عام هطول كميات كبيرة من الأمطار في وقت وجيز، الأمر الذي يتسبّب في غرق الطرقات وفيضان الأنهر وكذلك شبكات تصريف المياه في وقت قصير.
وتحذّر وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية من أنّ المباني العشوائية، لا سيّما في مجاري الأنهر، بالإضافة إلى انتشار مخلفات البناء والأوساخ في الأنهر والطرقات، كلّها عوامل تؤدّي إلى عدم انسياب مياه الأمطار في مجراها الطبيعي. لذلك تعمل الوزارة على التصدّي للمباني العشوائية بالقرب من الأودية أو في مجاريها، بالإضافة إلى تدخّلها أحياناً للتخلص من مخلفات البناء وغيرها من النفايات.
في السياق، تتقاسم جهات رسمية مختلفة الأدوار في الاستعداد لموسم الأمطار، منها وزارة البيئة ووزارة الفلاحة ووزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية إلى جانب الديوان الوطني للتطهير. وتتدخّل وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية أساساً في برنامج مكافحة الكوارث الطبيعية والفيضانات على مستوى المدن والطرقات والجسور وبعض الأنهر. أمّا وزارة الفلاحة فيكون تدخّلها في الأرياف خصوصاً من خلال تنظيف الأنهر وتفقد السدود وطاقة استيعابها.
من جهتها، تتدخل وزارة البيئة في تنظيف شبكة الصرف الصحي والطرقات بالتعاون مع البلديات. ومبكراً هذا العام، انطلقت كلّ الوزارات والجهات المعنية في استعداداتها لفصل الشتاء، خصوصاً بعد هطول كميات كبيرة من الأمطار في خلال الأيام القليلة الماضية في جهات عدّة، الأمر الذي أدّى إلى فيضان بعض الأنهر.
وكانت انطلاقة وزارة الفلاحة قبل أيام بدعوة كلّ رؤساء المكاتب الجهوية بالتنسيق مع اللجان الجهوية لمجابهة الكوارث، والهدف وضع قائمة وجدول زمني للتدخلات الآيلة إلى تنظيف الأنهر وصيانة السدود والبحيرات الجبلية، إلى جانب تفقّد أجهزة قياس الأمطار ومراقبة منسوب مياه السدود والأنهر وقياس طاقة استيعابها، بالإضافة إلى تفقّد وصيانة معدّات مجابهة الفيضانات من قبيل مضخات المياه وآلات شفط المياه والجرافات. وقد تدخّل الديوان الوطني للتطهير لتنظيف شبكات الصرف الصحي في عدد من المناطق التي تقع في نطاق مسؤوليته.
تجدر الإشارة إلى أنّ مدناً تونسية عدّة، خصوصاً الكبرى منها، تشكو صعوبات على مستوى تصريف مياه الأمطار وصعوبة التدخل السريع لشفط المياه قبل أن تغرق الشوارع بالسيول. من هنا ضرورة صيانة شبكات الصرف الصحي أو استبدالها، لا سيّما المتهالكة منها بفعل الزمن والتي لم تعد تستوعب كميات كبيرة من المياه. يُذكر أنّه على الرغم من الاستعدادات الموسمية قبل كلّ فصل شتاء، فإنّها تبقى استعدادات ظرفية وحلولاً ترقيعية لا تمثّل حلاً نهائياً لمشكلة الفيضانات التي تغرق عدداً من المدن والأرياف، في حين تفتقر أحياء عدّة إلى شبكات صرف صحي أو شبكات تصريف مياه الأمطار لا سيّما في المناطق والأحياء الشعبية حيث المباني عشوائية.
وكانت لجان مجابهة الكوارث قد عقدت جلستَين لضبط طرق التدخل وتحديد الإمكانيات اللازمة في الأيام الأخيرة، قبل أن تنطلق الاستعدادات والتدخلات الأولية الوقائية من خلال تنظيف الأنهر وقنوات مياه الأمطار والبالوعات وتصريف المياه المستعملة. ويشير العضو في لجنة لمجابهة الكوارث، منير الريابي، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "استعدادات لجان مجابهة الكوارث تهدف إلى الوقاية من خطر الفيضانات في جهات عدّة. وهي تعمد إلى التنسيق مع كل الأطراف المعنية ليكون التدخل مشتركاً في ما بينها، فيصار إلى وضع جدول زمني للتدخل وتقسيم المهام والمناطق مع تحديد معظم النقاط السوداء التي تتطلب تدخلات أسرع وأكثر، لا سيّما في المناطق الريفية وتلك القريبة من الأنهر والسدود. وذلك إلى جانب تقديم تقارير إلى الجهات المعنية بتفاصيل كلّ التدخلات وحاجات كلّ منطقة، ووضع قائمة بالتجهيزات الواجب توفيرها لتنظيف الأنهر أو جرف الثلوج، خصوصاً في المناطق التي تشهد تساقط كميات كبيرة منها، لا سيّما في الشمال".
من جهته، يقول أنور رابح، وهو عامل بلدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "البلديات بمعظمها بحاجة إلى إمكانيات كبيرة للتدخل في مدن عدّة، في حال حصول فيضانات وانسداد بالوعات الصرف الصحي أو تصريف مياه الأمطار"، مضيفاً أنّ "البلديات بمعظمها تعوّل كذلك على وعي المواطن بشأن خطورة تكدّس النفايات التي تتسبّب بانسداد مجاري المياه أو تعرقل جريان المياه في الأنهر". ولا يخفي رابح أنّ "شبكات تصريف المياه قديمة بمعظمها، ويفوق عمر بعضها خمسين عاماً، وهي تتطلب تغييراً بالكامل، خصوصاً في العاصمة والمدن الكبرى".
يبقى أنّه على الرغم من التدخلات الموسمية في كل عام، فإنّ مناطق عدّة تشهد أضراراً كبيرة من جرّاء هطول أمطار غزيرة، لا سيّما في الأرياف. كذلك تشهد مدن عدّة حالة من الفوضى من جرّاء هطول كميات كبيرة من الأمطار، والأمر لا يتطلب تنظيف مجاري الصرف الصحي بقدر ما يتطلب إمكانيات لتغيير شبكات تصريف مياه الأمطار وشبكات الصرف الصحي واستبدالها بأخرى ذات طاقة استيعاب أكبر وأكثر نجاعة.