تفاقم الجدل في تونس بشأن تفعيل عقوبة الإعدام بعد تفشي عدد من الجرائم الإرهابية، للحد من انتشارها والاقتصاص من الجناة، في وقت يتمسك حقوقيون بإلغاء تلك العقوبة تماماً، وإيجاد حلول اجتماعية بديلة.
وتعالت أصوات المطالبين بتنفيذ عقوبة الإعدام أخيرا بعد إلقاء القبض على المتهمين بجرائم اغتصاب وحشية هزت المجتمع التونسي خلال أسبوع. فلم تندمل جراح التونسيين بعد جريمة فتاة قبلاط القاصر (15 عاما) التي تداول على اغتصابها خمسة أشخاص عمدوا إلى الاعتداء أيضاً على جدتها التي فارقت الحياة، وأمها التي ما زالت تشكو من صعوبات صحية، ليتأجج الغضب المجتمعي أكثر لجريمة اغتصاب رضيعة (3 سنوات) في أم العرائس بقفصة من قبل متشدد ديني، تبعتها جريمة اغتصاب جديدة صدمت التونسيين أمس كانت ضحيتها طفلة (8 سنوات) في العاصمة تونس.
ويسبب تكرار حوادث الاغتصاب والاعتداء الوحشي على فتيات قاصرات خوفاً غير مسبوق لدى التونسيين، الذين عبروا عن خشيتهم على أطفالهم من شوارع يغيب فيها الأمن، مطالبين بتطبيق عقوبة الإعدام والقصاص من الجناة دون رأفة حتى يكونوا عبرة لغيرهم، علّ العقوبة تحد من انتشار مثل هذه الجرائم الخطرة.
وأعادت الجرائم الثلاث المتتالية الحديث عن عجوز القيروان( 87 عاماً) التي اغتصبها شاب حتى الموت في العام الماضي، إلى جانب قضية الطفل ياسين(4 سنوات) الذي اغتصبه عسكري في عام 2016.
وتشمل عقوبة الإعدام في القانون التونسي عدة جرائم، من بينها الاغتصاب والقتل العمد، كما ينص قانون مكافحة الإرهاب على الإعدام أيضاً في عدد من الجرائم الإرهابية. وينص دستور تونس بعد الثورة كذلك في بنده 22 على أن "الحق في الحياة مقدس لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون".
وإن كان القانون سمح حيال عدد من الجرائم بتنفيذ عقوبة الإعدام، إلا أن الأحكام الصادرة لم يتم تفعيلها منذ أكثر من ربع قرن، بسبب ضغوط المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان والحريات، والالتزام المعنوي للدولة التونسية أمام شركائها في أوروبا بعدم تطبيق هذه العقوبة فعليا.
وحتى الحكم العسكري الصادر في فبراير/شباط 2017 القاضي بالإعدام رمياً بالرصاص بحق الجندي مغتصب الطفل ياسين، والذي لقيت جريمته إدانة شعبية غير مسبوقة، لا يوجد أي سند يثبت تنفيذها.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في تونس، لطفي عزوز، أن الدولة التونسية لم تتحمل مسؤوليتها في ما يتعلق بضحايا هذه الجرائم البشعة، مشدداً على رفضه تنفيذ أحكام الإعدام التي لا تحل مشكلة.
ولفت في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الأجدى المطالبة بوضع حد للإفلات من العقاب والتخلي عن العقوبة الوحشية والبربرية، والمطالبة باعتماد إجراءات للوقاية من انتشار الجريمة ضماناً لعدم وقوعها، واعتماد سياسات وإجراءات فعالة على مستويات الوقاية والردع والعلاج والتنمية.
وأضاف إن الإعدام لا يحقق الردع ولا يوقف الجرائم البشعة، فبعد كل جريمة بشعة وجريمة ضد الكرامة الإنسانية يستفيق الناس للمطالبة بتنفيذ أقصى العقوبات وإعدام المجرم وحتى التنكيل به، وكلها دعوات غير سليمة وتفهم في سياقاتها ولكنها لا تبرر.
وقال: "إن عقوبة الإعدام لا تحقق الردع ولا تصلح المجتمع بل هي ردة فعل للقضاء على ظاهرة إجرامية خطيرة تؤدي إلى قتل المجرم دون علاج الظاهرة، ودون إصلاح للفرد وللمجتمع، وخير دليل على ذلك أن البلدان التي تطبق عقوبة الإعدام لم تختف منها الجرائم البشعة، بل إن العكس هو ما حصل في البلدان التي ألغت الإعدام حيث انخفضت فيها الجرائم". ورأى أن "من الضروري التذكير بان وضع حد للإفلات من العقاب ضروري للتصدي للجرائم حتى لا يتمتع المجرم بعفو على أفعاله الإجرامية".
وتستعد مجموعة من المنظمات الحقوقية التونسية لطرح قانون يلغي عقوبة الإعدام من التشريع التونسي ويعوضها بعقوبات سجنية بديلة. وتفكر المنظمات بعرضه على البرلمان العام المقبل لتبنيه والمصادقة عليه، بحسب ما أكد الناشط الحقوقي وحيد الشاهد في تصريحات صحافية.
ويحظى إلغاء عقوبة الإعدام بجدل كبير داخل المشهد السياسي والبرلماني، ودار حوله نقاش طويل في أكثر من مناسبة منذ مداولات الدستور في 2014 وخلال مناقشة قانون مكافحة الارهاب 2015. ويتمسك المحافظون والأحزاب الإسلامية وبعض أحزاب اليمين بالإبقاء على هذه العقوبة المستمدة من الشريعة والتي تحقق القصاص من الجناة، في حين تبحث الأحزاب اليسارية والقوى الحقوقية عن إلغائها دون تكريس الإفلات من العقوبة.
وقال القيادي في حزب الاتحاد الوطني الحر وعضو مجلس الشعب، طارق الفتيتي: "أتذكر جيدا أنه في نهاية السنة النيابية الفارطة دنت مني زميلتي التي أكن لها كل الاحترام والتقدير وطلبت مني الإمضاء على مبادرة تشريعية، سألتها عن فحواها فأعلمتني أنها تتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام. أجبتها بكل بساطة وتلقائية بأنني ضد الإلغاء، وبالعكس فأنا مع مبادرة لتطبيق عقوبة الإعدام لأنني أرفض بصفتي دافعا للضرائب أن أساهم في إعاشة المحكومين بالإعدام داخل السجون التونسية، من منطلق فداحة الفعل الإجرامي الذي تم بمقتضاه الحكم عليهم بالإعدام".
وتابع "غضب بعض من زملائي باعتبارهم حقوقيين، وضحك بعضهم الآخر للنكتة التي عرضتها: جاء يعاون فيه على قبر بوه هربلو بالفأس، ووافقني زملاء آخرون".
وكتب الفتيتي تدوينة على صفحته الرسمية تحت عنوان "طبّق عقوبة الإعدام" جاء فيها: "استحضرت هذا الحوار في خضم الجدل الحاصل حول عمليات الاغتصاب ومآل مرتكبيها دون أن ننسى من قتل ومثّل بجثث جنودنا وأمنيينا ومواطنينا، فهم حسب رأيي طبعا يستحقون الإعدام ومعذرة أصدقائي الحقوقيين فلا أنتظر منكم أن تحدثوني عن حقوق الإنسان الكونية والحق في الحياة و .... تخيلوا فقط أن الفتاة ذات 3 سنوات ابنتك أو أختك، تخيلوا كذلك أن من بين جنودنا وأمنيينا الذين قتلوا أو مثّل بجثثهم أبوك أو أخوك أو ابنك".