أنهى التونسيون، أمس الأحد، ماراثوناً طويلاً من الانتخابات، انطلق منذ حوالي الشهر بعد وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي، تزامنت فيه الانتخابات الرئاسية مع التشريعية، وأثّرت كلٌّ منهما في الأخرى، بما قاد إلى تشكيل مشهدٍ سياسي جديد يتّسم بالتعقيد، ويفرز توازناً غريباً سيحتاج إلى وقت للاستقرار. وربما لا ينتهي ذلك بيسر، وقد يمرّ بمرحلة اضطرابات قد تدفع إلى تغييره، ولكن هذا موكول إلى ما يسمى بالذكاء التونسي في التعامل مع الأزمات، بعدما أثبتت التجارب السابقة أن الأضداد قد تلتقي وتتفاهم، بل وتتناغم أيضاً، ورأينا قصة التفاهم السياسي بين السبسي ورئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي بعد أشهر من السباب والاتهامات، قبل أن تنكشف في النهاية، وتنتهي على انفراط عقد، وعلى أزمة في البلاد.
واختار التونسيون، أمس، رئيسهم الجديد، وشكّلوا من قبله برلمانهم من فسيفساء الأحزاب والشخصيات، كيفما اشتهوا وأرادوا. وسيستفيق الجميع الآن، الناخب والمنتَخب، من لذة الاختيار وترف الخطاب ورفاهة النقاشات، إلى واقع الأشياء وحقيقتها المطلقة، لتتكشف الصورة كاملة: بلدٌ متعب بديون مثقلة، وماكينة ثقيلة لا تتحرك بالسرعة التي يريدها الشعب، وبطالة على الرغم من الثروات، وأسعار مجنونة على الرغم من وفرة الخيرات، وآمال وطموحات كبيرة تبحث عمن يطلقها.
سيستفيق الشعب لأنه اختار، وسيرى نتيجة اختياره، وقد يتعلم ويدوّن الاستنتاجات المناسبة لمرة مقبلة، وستستفيق الأحزاب والشخصيات التي تقدّمت للمسؤولية، وسترى أمامها جبال المهام الكبيرة والأدوات القليلة، وسيكون عليها أن تواجه الحقيقة وتستنبط ما ينبغي لبدء رحلة البناء.
أولى هذه الخطوات أن تجلس هذه الأحزاب والشخصيات، وتتفاهم وتتجاوز اصطفافها الأعمى وشروطها الغريبة وطموحاتها الطوباوية، وبالخصوص أن تقرأ جيداً درس من سبقها وتتعلم من أخطائه، وتتذكر كيف قرر هذا الشعب يوماً أن يعاقب الجميع ولا يستثني أحداً من غضبه، ولعلها تلقى المصير نفسه إذا فشلت كما فشل وأغرقنا في خمس سنوات من الجدل السياسي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع… وسنرى إذا كان المرشحون سيعودون إلى المقاهي والأحياء الشعبية يتحادثون مع الناس وينصتون إليهم ويتقاسمون معهم آلامهم وأحلامهم، أم أنهم اختطفوها منهم في لحظة غفلة... الآن حان وقت الحقيقة.