يبدو أنّ التبعات المالية لتفشي فيروس كورونا المستجد في تونس ستؤثّر على المؤسسات الإعلامية العمومية (الرسمية)، التي تتلقى تمويلاً من قبل الحكومة التونسية، لا الخاصة فقط. وبدأت تأثيرات الأزمة الاقتصادية وتفشي كورونا تتضح في المؤسسات الإعلامية الرسمية، حيث يعاني العاملون في دار "سنيب لابراس"، التي تصدر صحيفتين يوميتين، هما "لابراس" La Presse الناطقة بالفرنسية، و"الصحافة اليوم" الناطقة بالعربية، من تأخر في صرف الأجور، وتأخر في صرف بعض الامتيازات العينية والنقدية بسبب الضائقة المالية التي تمرّ بها المؤسسة والتي كانت تعدّ قبل سنوات من أكثر المؤسسات الإعلامية التونسية تحقيقاً لأرباح مالية.
الأزمة ظهرت ملامحها أيضاً في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون التونسيتين، حيث قامت إدارة المؤسستين بتخفيض عدد العاملين فيهما كي يتمّ تقليص منح الإنتاج نصف السنوية، وهو ما أثار موجة من الغضب في المؤسستين، وتهديداً بالتصعيد للحصول على كامل المستحقات المالية. وأعلنت النقابة العامة للإعلام (المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل)، عن عدم قبولها بالإجراء، إذ أكدت، في بيان أصدرته مساء الأربعاء، أن الإدارة العامة لمؤسستي الإذاعة التونسية والتلفزة التونسية أقدمت على إعطاء التعليمات غير القانونية بتخفيض منحة الإنتاج وتعطيل الترقيات المهنية رغم كل المراسلات في الغرض. وأضافت "أمام الوضع الحالي وحالة الاحتقان الكبرى بالمؤسستين، فإن الجامعة العامة للإعلام ترفض هذه الممارسات وتدعو إلى مراجعتها، ونعلن استعدادنا للدفاع عن منظورينا بكل الطرق القانونية المشروعة ونُعلم كافة أبناء وبنات المؤسستين أننا بصدد التنسيق مع هياكلنا داخل المؤسستين مركزياً وجهوياً لتحديد الخطوات النضالية القادمة"، داعيةً الجميع إلى "الاستعداد للرد الحازم على كل الإجراءات التعسفية التي أقدمت عليها إدارتا المؤسستين".
كلّ ذلك جعل الأجواء متوترة داخل المؤسستين اللتين تعتبران المشغل الأكبر للعاملين في القطاع الإعلامي في تونس، حيث يعمل في الإذاعة التونسية بمحطاتها الإذاعية الـ11 حوالي 1200 عامل، وفي التلفزيون التونسي بقناتية الأولى والثانية حوالي 1300 عامل.
من ناحية أخرى، تطالب بعض المواقع الإعلامية القريبة من ائتلاف الكرامة وحزب حركة النهضة بتغيير إدارة مؤسستي الإذاعة والتلفزيون التونسيتين، وتحديداً المدير العام للمؤسستين، مطالبين بتغييره. حيث كتب موقع 24/24 الإخباري مقالاً مطولاً دعا فيه إلى ضرورة التفكير جدياً في تغيير إدارة المؤسستين، حيث تمّ اتهام الرئيس المدير العام للمؤسستين محمد الأسعد الداهش بأنه يخدم أجندات سياسية لأطراف معينة ممثلة في رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، ورئيس الحكومة الحالي الياس الفخفاخ من خلال توفير مساحات إعلامية لهما ولأنصارهما للتأثير على التونسيين. وهي تهم لطالما تعرضت لها إدارة المؤسستين ونفتهما مؤكدة أن المؤسستين رسميتان لا ولاء لهما لأي طرف سياسي وأنهما يقومان بعملهما بكل حيادية واستقلالية من خلال الوقوف على المسافة نفسها من كل الأطراف السياسية.
في الوقت نفسه، يتهم في الطرف المعارض لحزب حركة النهضة وائتلاف الكرامة التلفزيون الرسمي التونسي بانحيازه لهذين الحزبين، خاصة في برامجه السياسية التي كثيرا ما تستضيف الناطق الرسمي باسم ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، رغم الدعوة إلى مقاطعة الائتلاف إعلاميا. لكن المشرفين على البرامج السياسية في التلفزيون التونسي يقولون إن هذه الاستضافات المتكررة تندرج ضمن حق المواطن التونسي في المعلومة، خاصة أن هذا الائتلاف قدم عديد المبادرات التشريعية في البرلمان التونسي في الفترة الأخيرة، ومن حق المواطن معرفة فحوى هذه المبادرات للحكم لها أو عليها.