24 أكتوبر 2024
تونس في انتظار الانتخابات البلدية
تنتظم في تونس في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل انتخاباتها التعدّدية الرابعة منذ بداية انتقالها الديمقراطي سنة 2011، وستفرز مجالس بلدية وتؤسّس للإدارة المحلية التي سيختارها المواطنون مباشرة بعيدا عن منطق التعيين وسلطة القرار المركزي، غير أن الطريق إلى هذه الانتخابات يبدو حافلا بالتطورات، بداية من التحوير (التعديل) الوزاري المنتظر، وانتهاء بمطالبة بعض القوى الحزبية بتأجيل الانتخابات إلى أجل غير مُسمى.
على الرغم من أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قطعت أشواطا كبرى في التحضير للانتخابات البلدية المقبلة، عبر إعادة تحيين سجلات المُرسّمين في قوائم الناخبين، ثم انطلاق مرحلة فتح باب الترشح للتنافس على مقاعد المجالس البلدية، غير أن المؤشّرات توحي بورطة حقيقية، تعيشها أحزاب تونسية كثيرة. ففي وجود 350 بلدية يتم التنافس على مقاعدها، فشلت غالبية القوى الحزبية في تشكيل قوائم تغطي كامل تراب الجمهورية، وإذا استثنينا حركة النهضة، ثم وبصورة أقل حزب نداء تونس، فإن باقي الأحزاب كشفت عن عجز تنظيمي فادح، وفشلت في التعبئة والتحشيد من أجل مشاركة فعالة في الانتخابات المقبلة. وربما هذا ما دفع أحزابا، من بينها "آفاق تونس" و"تونس البدائل" و"المشروع" إلى عقد ندوة صحافية للمطالبة بتأجيل الانتخابات. هذا المطلب الذي يبدو غير ملائم للمرحلة، حيث لم يعد هناك فسحة زمنية كافية لتنظيم الانتخابات المحلية، خصوصا وقد تم تأجيلها مراتٍ، بالإضافة إلى أن سنة 2019 ستشهد الانتخابات الرئاسية والنيابية، ما يعني أن الهيئة المستقلة للانتخابات لن تجد فرصة أخرى لتنظيم الانتخابات البلدية إذا بدأ الاستعداد لتلكما الجولتين الانتخابيتين.
وبالنظر الى أن المطالبة بالتأجيل لا تمثل حلا فعليا لأزمة هذه الأحزاب العاجزة، بل هي أقرب إلى ممارسة نوع من الهروب إلى الأمام أكثر مما هو حل حقيقي لأزمتها التنظيمية وقدراتها الجماهيرية، ذلك أن التأجيل بضعة أشهر أخرى عن الموعد الحالي لن تغير في الأوضاع شيئا، ولن تتمكّن القوى الحزبية العاجزة أصلا من تغيير الأوضاع، أو أن تنتشر جماهيريا بشكل واسع. فالانتخابات المحلية التي تم تأجيلها مرات منذ سنة 2011، وبقاء البلديات تديرها نياباتٌ خصوصيةٌ تم تعيينها من الإدارة لم تعد تقبل مزيدا من الترحيل إلى فتراتٍ زمنية مقبلة، وإن البطء الذي يرافق إعداد المجلة القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة المحلية لا يبرّر تأخير الانتخابات أو إلغاءها، ذلك أن السلطة المحلية التي خصص لها الدستور التونسي الجديد بابا ضمن فصوله هي اللبنة الأخيرة في بناء الهيكل الديمقراطي التونسي، وتعميم التمثيل الشعبي المنتخب على كل الهياكل والمجالس التي تدير الشأن العام في الجمهورية التونسية.
في المقابل، وفي ظل تجاذبات الانتخابات البلدية، يواصل رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، مشاوراته من أجل إعادة هيكلة حكومته، في ظل تحوير (تعديل) وزاري كبير مرتقب، سيتجاوز مجرد سد الشغور الحاصل في بعض الوزارات نحو تغيير بعض الوزراء وإعادة هيكلة مجلس الوزراء. ويلقي هذا التحوير وما يرافقه من تجاذباتٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ بظلاله على الانتخابات المقبلة، فقوى كثيرة نافذة لازالت غير قادرة على فرض نفسها من خلال الشارع، وإنما تعتمد التأثير عبر اللوبيات ومراكز القوى. ولهذا ستكون الانتخابات المقبلة مصدر قلق سياسي فعلي لها، خصوصا إذا كشفت ضعف تمثيليتها وغياب حضورها في الشارع، وهو ما يدفعها نحو مزيد من الضغط لتأجيل الانتخابات بقدر الإمكان، تحت مبرّرات شتى، هي في الواقع ليست سوى حيل السياسة وتكتيكات التلاعب الحزبي. ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في وضع محرج من ناحيتين، فهو مضطر إلى إرضاء الأحزاب الداعمة له، باعتبارها الطرف الذي أوصله الى رئاسة الحكومة، والذي يوفر له دعما برلمانيا لاستمراره في السلطة. ومن جهة ثانية، هو واقع تحت تأثير رغبته في امتلاك مجال للتأثير السياسي الشخصي، خصوصا في أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي عبّر زعيم حزب النهضة الداعم للحكومة، راشد الغنوشي، عن رغبته في عدم ترشح يوسف الشاهد لها إذا رغب في الاستمرار رئيسا للحكومة، في رسالة فسرها بعضهم أنها جاءت لتنقل وجهة نظر رئيس الجمهورية نفسه الذي قد يكون وضع ترتيباته الخاصة للانتخابات المقبلة.
على أن الانتخابات البلدية المقبلة، في حال إجرائها في وقتها، ستكشف وبشكل واضح أحجام كل الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية التونسية، حيث لا يمكن بحال تزوير خيارات الإرادة الشعبية في تحديد ممثليها على المستوى المحلي، وفي الوقت نفسه، سينكشف مدى تأثير (وحضور) أحزاب المعارضة ذات الصوت المرتفع في مجلس النواب، وفي الإعلام، ومدى تطابق تأثيرها الإعلامي مع حضورها الشعبي، غير أن هذا لا يعني أن المرحلة المقبلة، ومهما كانت أسماء الأحزاب التي ستتفوق فيها، يمكن أن تُدار بمعزل عن التوافقات والتحالفات والتنازلات المتبادلة، وهذه سمة كل مرحلة انتقالية يتم فيها ترسيخ الانتقال الديمقراطي وبناء أسس دولة القانون والحريات.
على الرغم من أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات قطعت أشواطا كبرى في التحضير للانتخابات البلدية المقبلة، عبر إعادة تحيين سجلات المُرسّمين في قوائم الناخبين، ثم انطلاق مرحلة فتح باب الترشح للتنافس على مقاعد المجالس البلدية، غير أن المؤشّرات توحي بورطة حقيقية، تعيشها أحزاب تونسية كثيرة. ففي وجود 350 بلدية يتم التنافس على مقاعدها، فشلت غالبية القوى الحزبية في تشكيل قوائم تغطي كامل تراب الجمهورية، وإذا استثنينا حركة النهضة، ثم وبصورة أقل حزب نداء تونس، فإن باقي الأحزاب كشفت عن عجز تنظيمي فادح، وفشلت في التعبئة والتحشيد من أجل مشاركة فعالة في الانتخابات المقبلة. وربما هذا ما دفع أحزابا، من بينها "آفاق تونس" و"تونس البدائل" و"المشروع" إلى عقد ندوة صحافية للمطالبة بتأجيل الانتخابات. هذا المطلب الذي يبدو غير ملائم للمرحلة، حيث لم يعد هناك فسحة زمنية كافية لتنظيم الانتخابات المحلية، خصوصا وقد تم تأجيلها مراتٍ، بالإضافة إلى أن سنة 2019 ستشهد الانتخابات الرئاسية والنيابية، ما يعني أن الهيئة المستقلة للانتخابات لن تجد فرصة أخرى لتنظيم الانتخابات البلدية إذا بدأ الاستعداد لتلكما الجولتين الانتخابيتين.
وبالنظر الى أن المطالبة بالتأجيل لا تمثل حلا فعليا لأزمة هذه الأحزاب العاجزة، بل هي أقرب إلى ممارسة نوع من الهروب إلى الأمام أكثر مما هو حل حقيقي لأزمتها التنظيمية وقدراتها الجماهيرية، ذلك أن التأجيل بضعة أشهر أخرى عن الموعد الحالي لن تغير في الأوضاع شيئا، ولن تتمكّن القوى الحزبية العاجزة أصلا من تغيير الأوضاع، أو أن تنتشر جماهيريا بشكل واسع. فالانتخابات المحلية التي تم تأجيلها مرات منذ سنة 2011، وبقاء البلديات تديرها نياباتٌ خصوصيةٌ تم تعيينها من الإدارة لم تعد تقبل مزيدا من الترحيل إلى فتراتٍ زمنية مقبلة، وإن البطء الذي يرافق إعداد المجلة القانونية المتعلقة بتنظيم السلطة المحلية لا يبرّر تأخير الانتخابات أو إلغاءها، ذلك أن السلطة المحلية التي خصص لها الدستور التونسي الجديد بابا ضمن فصوله هي اللبنة الأخيرة في بناء الهيكل الديمقراطي التونسي، وتعميم التمثيل الشعبي المنتخب على كل الهياكل والمجالس التي تدير الشأن العام في الجمهورية التونسية.
في المقابل، وفي ظل تجاذبات الانتخابات البلدية، يواصل رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، مشاوراته من أجل إعادة هيكلة حكومته، في ظل تحوير (تعديل) وزاري كبير مرتقب، سيتجاوز مجرد سد الشغور الحاصل في بعض الوزارات نحو تغيير بعض الوزراء وإعادة هيكلة مجلس الوزراء. ويلقي هذا التحوير وما يرافقه من تجاذباتٍ حزبيةٍ وسياسيةٍ بظلاله على الانتخابات المقبلة، فقوى كثيرة نافذة لازالت غير قادرة على فرض نفسها من خلال الشارع، وإنما تعتمد التأثير عبر اللوبيات ومراكز القوى. ولهذا ستكون الانتخابات المقبلة مصدر قلق سياسي فعلي لها، خصوصا إذا كشفت ضعف تمثيليتها وغياب حضورها في الشارع، وهو ما يدفعها نحو مزيد من الضغط لتأجيل الانتخابات بقدر الإمكان، تحت مبرّرات شتى، هي في الواقع ليست سوى حيل السياسة وتكتيكات التلاعب الحزبي. ورئيس الحكومة، يوسف الشاهد، في وضع محرج من ناحيتين، فهو مضطر إلى إرضاء الأحزاب الداعمة له، باعتبارها الطرف الذي أوصله الى رئاسة الحكومة، والذي يوفر له دعما برلمانيا لاستمراره في السلطة. ومن جهة ثانية، هو واقع تحت تأثير رغبته في امتلاك مجال للتأثير السياسي الشخصي، خصوصا في أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة، والتي عبّر زعيم حزب النهضة الداعم للحكومة، راشد الغنوشي، عن رغبته في عدم ترشح يوسف الشاهد لها إذا رغب في الاستمرار رئيسا للحكومة، في رسالة فسرها بعضهم أنها جاءت لتنقل وجهة نظر رئيس الجمهورية نفسه الذي قد يكون وضع ترتيباته الخاصة للانتخابات المقبلة.
على أن الانتخابات البلدية المقبلة، في حال إجرائها في وقتها، ستكشف وبشكل واضح أحجام كل الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية التونسية، حيث لا يمكن بحال تزوير خيارات الإرادة الشعبية في تحديد ممثليها على المستوى المحلي، وفي الوقت نفسه، سينكشف مدى تأثير (وحضور) أحزاب المعارضة ذات الصوت المرتفع في مجلس النواب، وفي الإعلام، ومدى تطابق تأثيرها الإعلامي مع حضورها الشعبي، غير أن هذا لا يعني أن المرحلة المقبلة، ومهما كانت أسماء الأحزاب التي ستتفوق فيها، يمكن أن تُدار بمعزل عن التوافقات والتحالفات والتنازلات المتبادلة، وهذه سمة كل مرحلة انتقالية يتم فيها ترسيخ الانتقال الديمقراطي وبناء أسس دولة القانون والحريات.