وتفترض التعديلات على قانون الانتخابات التونسي، التي أقرها البرلمان المنتهية ولايته في شهر يونيو/ حزيران الماضي، إضفاء مزيد من الشفافية على العملية الانتخابية، متضمنة بنوداً توفر التأكد من نزاهة المرشحين، وخلو سجلاتهم من السوابق، وتأمينهم تصريحاتهم الضريبية، مع إقرار تعديل نسبة الحسم (العتبة الانتخابية) بـ3 في المائة للقضاء على التشتت البرلماني والحزبي. كما تضمن مشروع القانون الانتخابي تعديلات تتعلّق بعدد من الشروط الواجب توفرھا في المرشح للانتخابات، كمنع ترشّح وإلغاء نتائج كل من ثبتت استفادته من استعمال جمعية أو وسائل إعلام للإشهار السياسي (الدعاية السياسية)، خلال السنة التي سبقت الانتخابات بالنسبة للتشريعیة والرئاسیة. وتفرض التعديلات أيضاً على ھیئة الانتخابات رفض ترشّح كل من يثبت قیامه بخطاب لا يحترم النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور، أو يمجد انتھاكات حقوق الإنسان.
ويجد سعيّد نفسه أمام سابقة دستورية لم يصادفها أسلافه من الرؤساء المتعاقبين على البلاد، سواء قبل الثورة التونسية أو بعدها. فللمرة الأولى يبقى قانونٌ مصادق عليه من السلطة التشريعية، وتؤكد الهيئة الدستورية المؤقتة سلامته دستورياً، من دون أن يختمه ويصدره رئيس الجمهورية، الذي وافته المنية وهو في قصر قرطاج، وسط غموض حول حقيقة رفض السبسي التوقيع عليه، أو عجزه عن ذلك.
ولا تبشر مواقف سعيّد السابقة لوصوله إلى الرئاسة بقبوله هذه التعديلات، إذ كان قد اعتبر في تصريح إعلامي بوصفه أستاذاً للقانون الدستوري، أن الفصول التي تمّ اقتراحها لتعديل قانون الانتخابات جاءت "على المقاس"، وتستهدف فقط إقصاء المرشحين، مضيفاً أن في ذلك "انقلاب على الديمقراطية وعلى حرية التونسيين في الاختيار".
ورأى سعيّد أيضاً أنه كان من الأجدى تمرير قانون لتنقية المناخ السياسي منذ سنوات، وليس قبيل إجراء الانتخابات، على حدّ قوله. وإن كانت مواقف سعيّد السابقة لانتخابه مناهضة لتعديل القانون الانتخابي بهذا الشكل، فإن لإكراهات احترام الدستور والقانون والمؤسسات نواميس أخرى، بحسب منتقديه، الذين يعتبرون أن بقاء قانون مجمّد بهذه الصيغة يتضمن تجاوزاً دستورياً تسبب فيه سلفه الراحل السبسي أو المحيطون به من مستشاريه، وأنه ينبغي على الرئيس الحالي، وهو رجل قانون ودستور، ألا يقع في المطب ذاته، وأن يصلح ما تم إفساده.
وتساءل المقرر العام للدستور النائب الحبيب خضر، في تدوينة على صفحته الرسمية على موقع "فايسبوك": "هل يمكن للرئيس المنتخب ختم مشروع القانون المعدل للقانون الانتخابي الذي امتنع الراحل عن ختمه؟ الجواب: طبعاً نعم يمكنه ذلك".
بدوره، رأى أستاذ القانون وخبير القانون البرلماني رابح الخرايفي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن سعيّد رجل قانون وخبير في المجال الدستوري، ولن يجد إشكالاً في فهم وتأويل النص القانوني وبنود الدستور، وسينتهي إلى أن ختم مشروع قانون تعديل قانون الانتخابات هو إجراء سليم من الناحية القانونية والدستورية.
وأكد الخرايفي أن المجال لختم القانون لا يزال ممكناً، وهو إجراءٌ يبقى أكثر سلامة من بقاء القانون معلقاً بعدما صادق عليه مجلس نواب الشعب، وأقرت الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بدستورية أحكامه.
وأشار الخرايفي إلى أن السبسي لم يتخذ قراراً بخصوص تعديل القانون الانتخابي، نظراً لحالة العجز الناجم عن المرض الذي أفضى الى وفاته، موضحاً أنه بانقضاء الفترة الانتخابية بإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية، لم يعد هناك حاجز سياسي ورفض حزبي يتعلق بتوقيت طرح القانون، وبالتالي سيجري تطبيقه في المستقبل، وخلال الانتخابات المقبلة.
ومن وجهة نظر أخرى، يعتبر خبراء أنه ليس على سعيّد ختم القانون الانتخابي، لأن مثل هذه الخطوة لها آجال مضبوطة بالبندين 81 و82 من الدستور، والتي تحددت بأربعة أيام، ويعد تجاوزها وعدم الختم خرقاً دستورياً، وخصوصاً أن القانون لم يتطرق إلى الحالات الاستثنائية.
ويؤكد الخبراء أن قانون الانتخابات الجديد يعتبر في حكم المعدوم قانوناً، أي أن ليس له أي وجود، لأنه لم يستوفِ مساره القانوني، وتتطلب إعادة إحيائه العودة الى المربع الأول، أي بإيداع مبادرة تشريعية جديدة في شكل قانون جديد يمكن أن يقدمه سعيّد إذا رغب، بوصفه رئيساً للجمهورية يتمتع بهذه الصلاحية.
وحول تعديلات القانون الحالية، رأى مصطفى بن أحمد، رئيس كتلة الائتلاف الوطني لحزب "تحيا تونس" (يقوده يوسف الشاهد)، أنها تهدف الى تنقية المناخ السياسي وتمكين البلاد من استقرار برلماني وسياسي مختلف عن المشهد المرتبك الحالي، مبيناً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنها جاءت لتفرض أكبر قدر من الشفافية والنزاهة ونظافة اليد والخلو من السوابق العدلية.
وأشار بن أحمد إلى عدم علمه بما إذا كان النواب المنتخبون أخيراً بلا سوابق أو أحكام أو ملاحقون بأي تهمة، بسبب عدم تمرير بند يفرض تقديم تصريح مسبق حول ذلك، الى جانب بند آخر يفرض تصريح المرشحين بضريبتهم وخلوهم من التهرب الضريبي.
وتؤيد حركة "النهضة"، متصدرة المشهد البرلماني بـ52 مقعداً، و"التيار الديمقراطي" صاحب المركز الثالث بـ22 مقعداً، الى جانب حزب "تحيا تونس" بـ14 مقعداً، تعديلات القانون الانتخابي. وتعد الكتلة الثانية في البرلمان، والتي تعود إلى حزب "قلب تونس" (38 مقعداً)، الذي يترأسه نبيل القروي، من بين أبرز معارضي التعديلات منذ طرحها أمام الجلسة العامة البرلمانية.
ويضع انقسام الساحة السياسية بين مؤيدين ورافضين لختم تعديل القانون الانتخابي سعيّد أمام امتحانٍ كبير وخيارات صعبة، قد تعزز من حجم معارضته في بداية ولايته، سواء بالرفض أو بقبول الختم، في وقت يعد الصمت وتركه مجمداً في رفوف قصر قرطاج أحد السيناريوهات المحتملة لكسب الوقت، الى حين توصله لحسم مصيره رسمياً.